لم توجد مهنة المحاماة لتأثيث فضاء المحكمة واستكمال زينة المحاكمة، ولكن من أجل أن تكون ركنا من أركان التقاضي وبدونها تعتبر المحاكمة غير عادلة. ولهذا ينبغي أن تكون العلاقة بينها وبين باقي أطراف المحاكمة متوازنة غير منقوصة ولا زائدة. أي ما يتاح للآخرين يتاح لها فلا تعلو عليهم ولا تنزل عنهم. وبما أن مهنة المحاماة هي مهنة مستقلة لا يمكن الانزياح بها عن طبيعتها كإحدى الأدوات المساعدة للقضاء من أجل استجلاء الحقيقة، التي لا يملكها أي أحد وإنما يتم البحث عنها بمشاركة كافة الأطراف.
لهذا نعتبر تصريحات المحامين، التي تتعلق بقضايا يترافعون فيها، إخلالا بمقتضيات التوازن بين أطراف التقاضي. ففي كثير من القضايا يخرج محامو الطرف المدعي للإدلاء بتصريحات للصحافة. لنأخذ مثالين فقط واحد اجتماعي والثاني أريد له أن يكون سياسيا. ففي المثال الأول اتهام سيدة بالدارالبيضاء بتعذيب خادمة. وتم اعتقال المتهمة، لكن هناك ضجة إعلامية أحدثتها إحدى الجمعيات ومحامي الضحية.
لا أحد بإمكانه تحديد الجريمة أو الجناية ونوعها سوى المرور من كل مراحل التقاضي. فلو كانت الأمور بهاته السهولة ما مرت القضية من عدة مراحل، حيث يتم التحقيق فيها من قبل الشرطة القضائية، التي تحيل الملف على النيابة العامة، ويمكن أن تعيده من جديد من حيث أتى قصد تعميق البحث، ثم يقوم وكيل الملك أو الوكيل العام بتكييف التهم ويحيل الملف على قاضي التحقيق، وبعد جلسات من التدقيق يكيف التهم ويحيل الملف على الجلسة، التي تتكون من القاضي وممثل النيابة العامة والمحامين، كما يتم الاستماع للشهود وربما طلب الخبرة الطبية إن أمكن. ومع ذلك يبقى الحكم لضمير القاضي.
لسنا في وارد الدفاع عن الطفلة ولا تبرئة المتهمة وهي مهمة القضاء. لكن يهمنا تصريحات المحامين. سنعود إليها بعد أسطر.
في المثال الثاني هناك محاكمة بدأت منذ شتنبر الماضي تتعلق بالمتهمين في ملف أحداث الحسيمة ونواحيها أو ما أصبح يعرف بحراك الريف. وطوال مدة المحاكمة تحولت القضية إلى مادة إعلامية دسمة. هناك مستويات من التصريحات. الأول يتم عنوة قصد تحوير النقاش ويتعلق بإدلاء بعض المحامين بتصريحات للصحافة، والثاني استغلال وجود الصحافة داخل المحكمة قصد الترويج لكثير من المغالطات، بل العودة بالمحاكمة إلى نقطة الصفر.
في سردنا للقضيتين ليس من أجل الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، أو اتهام هذا الطرف أو ذاك ولكن من أجل التنبيه إلى خطورة التصريحات التي يدلي بها المحامون بخصوص القضايا التي يترافعون فيها.
الدفاع طرف من بين مجموعة أطراف من المحاكمة. فهل السماح للمحامين بالتصريح سيؤدي إلى السماح للنيابة العامة بالإدلاء بتصريحات بخصوص القضية ولباقي الأطراف أيضا الحق في التصريح للصحافة وسندخل مرحلة الفوضى، وبالتالي على السلطات المسؤولة عن ضمان التوازي بين أطراف المحاكمة وضع حد للتأثير على القضاء من خلال الصحافة أو الاحتجاج الاجتماعي.