وصفه المؤرخون بـ"عبد القادر الجزائري الثاني"، بسبب قدرته على مجابهة القوات الفرنسية لمدة فاقت 23 سنة، حتى بلغت شهرته كل الأصقاع، حيث كادت مقاومته أن تعم الغرب الجزائري كله.
هو الشيخ بوعمامة، الذي لم يخش الجيش الفرنسي، بل كان في كل مرة يخدش من مهابته في معارك متتالية، عطلت التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي الجزائري عدة سنوات.
نشأته
لم تتفق الروايات على مولد الشيخ بوعمامة، لكن معظمها حصرتها ما بين (1838 و1840) في قصر الحمام الفوقاني بفكيك المغربية.
يتصل نسبه بمؤسس الطريقة الشيخية، الشيخ عبد القادر بن محمد، المعروف محليا باسم "سيد الشيخ"، وهو سليل عائلة أولاد الحرمة، التي تنحدر من أولاد سيد التاج، وكان والده يبيع البرانيس والحلي.
اسمه الحقيقي محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة، المشهور بـ"الشيخ بوعمامة"، وهي تسمية لازمته طول حياته كونه يضع عمامة على رأسه.
ولما بلغ 37 سنة، غادر مسقط رأسه متجها إلى مغرار التحتاني الجزائرية سنة 1875، أين أسس زاوية لتعليم القرآن، ومنها تكوّنت شعبيته وسط قبائل المنطقة.
هل كان مجنونا؟
منذ طفولته انكب الشيخ بوعمامة على حضور حلقات العلم، فحفظ القرآن وتعلم الكتابة وتدرج في المدارس الكلامية والفقه، ثم انزوى لدراسة التصوف فتأثر به وانعكس على حياته.
غير أن بعض الكتابات أكدت أنه كان يمارس طقوسا غريبة تتصل ببعض الخرافات، مرجعين ذلك إلى تأثره ببعض الطرق الصوفية، التي كانت تعتمد على هذه الطقوس.
فيما قالت روايات أخرى إن الشيخ بوعمامة كانت تعتريه نوبات صرع ويدخل في غيبوبة ويقوم بحركات سحرية، ما اضطر عائلته إلى أن تأخذه لزيارة بعض الأضرحة علّه يشفى.
كما وصفته كتابات تاريخية بأنه مجرد رجل مهوس ومجنون (درويش)، ورغم هذا فإنه كان ملما بالمعارف ويتقن عدة لغات أجنبية كـالإسبانية والايطالية وقليلا من الفرنسية.
المقاومة
لا تختلف أسباب اندلاع مقاومة الشيخ بوعمامة عن باقي الثورات الشعبية، التي انتفضت ضد الجيوش الفرنسية في الجزائر.
لكن وجه الاختلاف بينها وبين المقاومات التي سبقتها يكمن في أنها مرت بمراحل، فكانت البداية عسكرية ثم أعقبتها المرحلة السياسية لتنتهي إلى الفشل والاستسلام.
سمعة الشيخ بوعمامة، مكنته من التأثير في القبائل المعمّرة لمنطقة الجنوب الغربي الجزائري، وتوحيدها على كلمة واحدة بشأن مقاومة الاستعمار الفرنسي.
ففي الوقت الذي كانت فيه السلطات الاستعمارية تعلن الحماية على تونس، اغتنم الشيخ بوعمامة الفرصة ليعلن المقاومة الشعبية ضدها في سنة 1881.
ودامت مقاومة الشيخ بوعمامة 23 سنة، شهدت مواجهتين كبيرتين مع الجيوش الفرنسية، الأولى بمنطقة صفيصيفة والثانية في الشلالة.
لماذا فشلت مقاومته؟
رغم المقاومة الشرسة إلا أن ثورة الشيخ بوعمامة انهارت وفشلت، عزاها المؤرخ عبد الباسط شرقي إلى أسباب "مُركّبة".
وطرح شرقي في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، روايتين لهذا الفشل، الأولى تفيد بوجود ضعف في التجهيزات العسكرية لدى بوعمامة مقارنة بالجيش الفرنسي، فضلا عن مشاكل قبلية بين مناوئ ومناصر لثورته.
أما الرواية الثانية، التي تستند على مصادر مغربية، فتفيد، بحسب شرقي، بأن السبب الرئيسي هو "أدوار بوعمامة المتقلبة، فتارة يتحالف مع المخزن وأحيانا يثور عليه، ناهيك عن تقلص مجال تحركه".
وتبقى الأسطوغرافيا الجزائرية في جل مصادرها تمجد مقاومة بوعمامة، وفق منظور شرقي، بخلاف الأسطوغرافيا المغربية، التي تصفه بـ"الخائن الخارج عن سلطة المخزن".
هل استسلم؟
مهما كانت التحفظات على الشيخ بوعمامة وعدم تحقيقه لأهداف المقاومة ضد القوات الفرنسية، إلا أنه، حسب المؤرخ عكروت خميلي "أثبتت قدرته على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة".
وفي معرض حديثه لـ"أصوات مغاربية" عن فرضية استسلام الشيخ بوعمامة، يرجح عكروت أن تكون هذه الفرضية "عارية من الصحة لعدم توفر أي وثائق تاريخية تثبت ذلك".
ويقدّر المؤرخ أن يكون الشيخ بوعمامة طلب الأمان بوساطة من ملك المغرب، وتفاوض على ذلك، لكن لا توجد شواهد على هذا الكلام.
ويجزم عكروت بأن "الحقيقة المتفق عليها أنه كان محاصرا من فرنسا وأعوانها، لذلك لم يكن يمتلك أوراقا كافية لحماية أي شيء، عدا نفسِه، إلى أن وافته المنية سنة 1908 في واد بورديم بالمغرب".
المصدر: أصوات مغاربية