غفل ما يسمى ظلما وزورا بخبراء الحركة الإسلامية عن أهم هدف كانت وما زالت تسعى إليه حركة التوحيد والإصلاح، من خلال أداتها الوظيفية حزب العدالة والتنمية، ويتعلق الأمر بالتمكين، الذي لا تزول معه نعم الحكومة حتى لو عاد الحزب إلى المعارضة، أي أن تبقى "مسامير المائدة" بتعبير المغاربة في كل مكان مر منه أبناء الحزب وبالتالي أبناء الحركة، حيث لا يمكن اقتلاعهم بأية وسيلة من الوسائل. من حق أي مواطن مغربي، سواء كان من الحركة أو من غيرها تولي المناصب السامية وغير السامية. لكن المخالف لكل معقول والمجانب للصواب والخارم للمنطق هو هذه الكثافة في احتلال المواقع خلال خمس سنوات فقط، حيث تمكنت الحركة من إيصال 762 من أطرها لمناصب مهمة في البلاد، بل غزت الجامعات المغربية بتعيينها لـ13 رئيس جامعة و76 عميد كلية، وكأن المغرب عاقر لا يلد الأطر.
بعد الاطلاع على الأرقام يبدو الأمر مخيفا. إنه غزو بما للكلمة من معنى. هجوم كاسح على كل مرافق الدولة، وذلك بهدف التحكم فيها بعد الرجوع إلى المعارضة، حيث لا يهم حينها استبدال هؤلاء الأطر بآخرين من أحزاب أخرى، لأننا ننظر إلى ما وراء التعيين في المناصب العليا، حيث يمنح صاحبه قدرة على دق مساميره في جسد الإدارة وهي التي تبقى وراءه لما يغادرها.
الإسلاميون أكثر من غيرهم يعرفون أن "السوايع بدالة"، ويعرفون أنهم جاؤوا من القاع إلى رأس القمة، دون تعب ولا نصب ولا كد ولا تضحية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي هم يعرفون أن السقوط ممكن ومحتمل وبالتالي التأسيس للبقاء مع عدم الوجود في الحكومة، وهذا هو مفهوم التمكين، الذي تحدثت عنه صحيفة النهار المغربية منذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لسنة 2011.
وكما قلنا ليس لدينا موقف من تولي أي مغربي بغض النظر عن توجهه الإيديولوجي والسياسي لمنصب في الدولة، لكن هل يعقل أن تحوز حركة التوحيد والإصلاح على هاته المناصب في ظرف خمس سنوات بمعدل يفوق 130 منصبا في السنة، وهو بخلاف ما زعمه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعزول وصاحب الولاية الثالثة غير الموفقة، الذي قال ذات يوم إن أبناء الحزب والحركة الذين نالوا مناصب عليا لا يتجاوزون 2 في المائة.
هذا نوع من التمكين الخطير داخل المجتمع لأنه سيصنع ولاء جديدا داخل الإدارة تصبح معه الحركة هي المعبر للترقي الاجتماعي في أسلاك الوظيفة العمومية، بل يتم فرض أشخاص فرضا بعد صناعة مسالك للزبونية لا تعترف بالكفاءات والمؤهلات.
أهم إنجاز حققه بنكيران ومن معه ومن تبعه ومن جاء بعده هو التمكين للحركة ولا يهم بعدها أن يقوم المغاربة بإسقاط الحزب عبر الانتخابات، لهذا لم يفكر الإسلاميون في سمعة الحزب من خلال الإجراءات التي اتخذوها لأنهم ضمنوا البقاء طويلا داخل الإدارة.