يقول الشاعر المصري فؤاد نجم في قصديته العصماء شيد قصورك ع المزارع من كدنا و عمل يدينا ، و لعل هذه الفاتحة تنطبق تماما على الوزير الأول أحمد أويحيى و الذي يبدو أنه لا يعرف مفردتي الفقر و الغضب ، أو أنه لم يطلع يوما على كتب الاقتصاد و التاريخ لمعرفة الأسباب و الخلفيات وراء ثورات الشعوب ، و له في الظلم القيصري للشعب الروسي خير مثال على ثورة شعبية في وجه الظلم و الأوضاع المزرية للمعيشة ، و يكفي الوزير الأول الذي لا نراه في الشوارع أن يعرف أنه بعد ست و خمسين سنة لازالت مئات الأسر تقتات من المزابل و بعضها الآخر لا يملك بيتا و الآلاف لم تصلها الكهرباء و الغاز و جولة في تمنراست ، تبسة أو تندوف كافية لتأكده من وضع مأساوي يعيشه جزائريون منسيون ، ربما لأن القنوات التلفزيونية المسيرة بأوامر فوقية لا تعرف جغرافية الجزائر و ربما لأن الوزير الأول يجهل تاريخ الشعوب و خصوصا هذا الشعب الأبي الذي كلما تعرض للاحتلال و الظلم و الطغيان الا و ثار ثورة تأتي على الأخضر و اليابس ، و لكن حظه السيئ أن تحكمه مخلوقات لا تفقه سوى ملئ الجيوب و تصم آذانها عن مظالم تتعرض لها أبناء الطبقات الفقيرة ، في وقت ينعم فيه أبناء البورجواز بالرحلات المجانية على حساب ميزانية الدولة ، و ورود أسماء وزراء و أبناءهم في وثائق مسربة خير دليل .
لا يختلف اثنان في أن مؤسسة الرئاسة و الحكومة مقامان محفوظان و مقدسان لدى العرب حالهما حال الغرب نظرا لتحكم هاتين المؤسستين بجميع مراكز صنع و اتخاذ القرار و تحكمهما في الدولة لجميع مفاصلها و مؤسساتها الأخرى ما يستوجب احترام الفرد لهما في حالة قيامهما بالواجبات الدستورية خصوصا تلك التي أقسم عليها رئيس الجمهورية يوم انتخابه و التي يحددها الدستور بحوالي مئة وظيفة يخولها له ، ولا أعتقد أن الحالة الصحية لعبد العزيز بوتفليقة تسمح له للقيام بكل تلك الوظائف ما جعله يخول عبر التعديلات الدستورية ببعض تلك المهام للوزير الأول الذي يبدو عليه حسن استغلال الوظيفة و الظرف الحالي لصالحه فمرر قوانين و تشريعات تخدمه و تخدم جيوب رفاقه و تفقر جيوب الفقراء الشعبيين ، مع استغلاله لوسائل الاعلام بالتذكير الدائم بفترة العشرية السوداء ، و كأن الشعب لم يع بعد من تلك الفترة .
الحكومة الجزائرية تترنح هذه الأيام بين مشاكل داخلية و أخرى خارجية نظرا لعدم خلقها برنامجا منظما تسير وفقه ، أبرزها مشكلة الصراع على الهوية بين أبناء الشعب الواحد في الجانب الداخلي و هي الأزمة التي واجهتها الحكومة بعديد القرارات آخرها ترسيم الاحتفال برأس السنة الميلادية ، لكن هذه الأخيرة لم تبحث في الأسباب الأساسية للأزمة و أوجدت لها الحلول بقدر ما هربت للأمام فعاجلا أم آجلا ستظهر عرقيات أخرى تطالب بحقوقها المهضومة غالبا خصوصا منها المتعلقة باحترام التاريخ و الهوية ، أما الأزمة الخارجية التي لم تستطع حلها فهي حالة العف المقيتة المعانى منها خصوصا في الفترة الأخيرة ، بعد المسخرة الدائمة في الاقليم العربي بعد فتور العلاقات مع بعض الدول ، و ايفاد ممثلين غير ديبلوماسيين للقاء ممثلي دول أخرى ممثلة في لقاء علي حداد رجل الأعمال بكاتب الخارجية الأمريكية تيليرسون ، فحالة الضعف الخارجي هذه تضرب صورة الجزائر تلك الدولة القومية الاشتراكية القوية المتدخلة في الأزمات العربية و الدولية في مقتل ، و تدني من هيبتها ، و الواقع أن هذا الضعف هو محصلة ضعف النسق الذي تعيشه الجزائر على مختلف النواحي و الأصعدة الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و انه ليمكن اعتبار المسئول الأبرز عن حالة الضعف هو ضعف الحكومة و مواقفها المتتالية خصوصا تجاه الحرب السورية و الليبية ، حيث تتالت البيانات الرسمية و التنديدات اليومية دون وجود موقف واضح و صارم تجاه الأزمتين و ما تلاهما من أزمات ، مبينة حالة الضعف العام التي يعرفها النظام الجزائري مؤثرا بهذا على صورة الدولة الخارجية و الحالة الداخلية المزرية .
لقد وصلت الجزائر اليوم مع الأسف و بسبب عبقرية النخبة الحاكمة خصوصا الوزير الأول و شلته الطيبة الى حالة غير مسبوقة من التعفن و التقيح لا تشبهها الا تلك التي كانت قبل اندلاع الحرب الأهلية ، متمثلة في الفساد الحكومي و الصراع الايديولوجي و طغيان الطبقة البورجوازية ، و لعل الدوائر العليا في البلاد على علم و دراية بالعواقب الوخيمة لمعظم السلوكات القوانين التي تتخذها في الفترة الأخيرة و اللامتوقفة على ترقيع الجبهة الأمازيغية أو التربوية ، و ما لها من تهديد لوجود الجزائر كشعب و دولة و ليس النظام الذي لطالما خرج من جل الأزمات المفتعلة خارجيا أو التي يفتعلها لاستمرار وجوده ، ولا أعتقد أنه سينجو اليوم من مخطط التوسع الأمريكي أو رقعة الصراع الروسي – الأمريكي و هم يعتبرون هذا ببعيد و أراه أقرب من الشفرة الى العين .
و الله المعين الى كل ما فيه خير و سداد للأمة المستضعفة .
محمد علي القاسمي الحسني