في بداية صناعة أي قانون يظهر أنه مستحيل التطبيق. لكن الحاجة الاجتماعية للتأطير تفرضه فرضا. موضوع الأخبار الزائفة لم يعد اليوم "لعب دراري" ولكن يدخل في سياق اللعبة الكبيرة. لقد تحولت إلى أداة لتدمير المجتمعات وتخريبها، وزعزعة الاستقرار في كثير من البلدان. يكفي صانعي القرار في الأماكن الخفية تمرير خبر زائف لتنطلق التظاهرات والاحتجاجات التي يركبها المتربصون باللحظات الحرجة قصد تحويل البلاد إلى جحيم.
المغرب يسير نحو وضع الأطر والمحددات القانونية لمحاربة الأخبار الزائفة واعتبارها جريمة كباقي الجرائم التي يعاقب عليها القانون. فليس كل ناشر فوق القانون. ولكن للنشر قواعد يجب الالتزام بها، وإذا ما تم انتهاكها ندخل عصر الفوضى الشاملة، لأن للأخبار الزائفة تأثيرات، أولى على المجتمع برمته وثانية على الأفراد، الذين يتم ضرب خصوصياتهم وقتلهم اجتماعيا.
تستعد وزارة الثقافة والاتصال لوضع مشروع قانون يؤطر عملية الأخبار الزائفة وطرق نشرها وأدوات النشر والعقوبات اللازمة من أجل التصدي لها. قد يبدو القانون أحيانا حادا من الحرية لكنه عمليا استجابة لتطورات المجتمع، ولا يمكن لأي بلد أن يعيش الفوضى، ولم تكن القوانين في يوم من الأيام ضد المجتمع أو الفرد ولكن هي الوسيلة التي من خلالها نضمن السير العادي للمؤسسات.
قد يعتبر البعض صدور قانون لمحاربة الأخبار الزائفة هو ضرب لحرية التعبير، وكأن من مقتضياتها الكذب من أجل تحقيق مصالح وتسجيل إصابات والوصول إلى أغراض دنيئة. لا علاقة لحرية التعبير بكل أصناف الكذب، التي تسعى إلى خلق وفبركة معلومات لا وجود لها على أرض الواقع من أجل تحريك الشارع والتأثير على الرأي العام.
المغرب عانى ويعاني من الأخبار الزائفة، التي انطلقت منذ زمن بعيد، وساهم فيها مسؤولون، حيث يمكن ذكر ما قاله عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر لجمعية المنتخبين الجماعيين، إذ شكك في الفاعل الحقيقي لأحداث 16 ماي الإرهابية، باعتبارها عملية مفبركة لضرب الحركة الإسلامية. هذا نوع من الأخبار الزائفة، لأن الأخبار إما تكون إخبارا بما وقع أو إنشاء لخبر مثلما فعل بنكيران.
وغير بعيد عن هذا التاريخ قالت قناة الجزيرة الفضائية، إن سبعة أشخاص قتلوا بسيدي إفني خلال عملية تحرير بوابة الميناء واتضح أنه لا يوجد حتى مصابون للعلاج في المستشفى. وكان الغرض هو بث خبر زائف يمكن أن يكون شرارة لفوضى عارمة تدخل على خطها القوى التي تتربص بالبلدان.
وجاءت أحداث مخيم كديم إزيك لتبين إلى أي درجة وصلت صناعة الأخبار وفبركتها وبيعها للمستهلك، كي تتحول إلى وقود. لم تذكر هذه الأخبار شهداء الواجب الوطني الاثنى عشر. لكنها روجت لطفلة من فلسطين على أنها من العيون وساهم في ذلك لوبي شبكي من الإعلام المزيف.
وكل يوم نعيش مع نشر أخبار زائفة تضر بمصلحة الوطن والمجتمع ونتفرج عليها، غير أنها مثل العدوى إذا لم يتم استئصالها ستقتل باقي الجسد.
ولا يبدو الطريق سالكا في اتجاه إخراج القانون المذكور إذ سيجد الكثير ممن سيتجندون لمواجهته، مثلما يعمل لوبي من داخل الوزارة على إلهاء الوزير بأمور جانبية بدل أن يشتغل على الملفات الكبرى مثل المجلس الوطني للإعلام واستكمال الترسانة القانونية.