*عبد المجيد مومر الزيراوي
كثر الحديث عن التي أبحث عنها ، تعالت الأصوات الرافضة لمشاهد الصدور العارية ، اتصلت بإحدى الرفيقات متسائلا معها حول مفهوم الجسد عند زمن الحداثة الشعبية ؟!. لم نجد جوابا مشتركا غير أننا اتفقنا على أن الاختلاف في تقدير المعنى يظل المصنع المنتج للأفكار الكاشفة.
استرسلنا في الربط بين الوقائع ؛
الواقعة الأولى : جسد تلفه ستارة.
الواقعة الثانية : جسد يكشف ما تحت الستارة.
بدأ منحنى الاختلاف يميل إلى الاستقامة لأن المشترك بين الواقعتين تيمة الأنوثة . فالمستور لا يمنع عنا جمال الخيال ، و الجسد المكشوف يبرز جغرافيامادية لتضاريس التخييل الممدود.
قالت : فعلا يا رفيق ، سيستمر الصراع حول ذاك الجسد ، و ستبقى تمظهراته مطية تركبها غرائز الأخر،فالرجل ميال لجسد المرأة إن هي سَتَرَتْهُ يَكْشِفُهُ هُوَ،و إن هي كَشَفَتْهُ غَطَّاهُ هُوَ؟!.
عند نهاية حديثها تخيلت وجود عالم دون أجساد نساء ، مثلما تخيلت نساء يعشن دون أجساد رجال . فكانت النتيجة واحدة : انتهى زمن الإنسان. فهل الشهوة جريمة و خطيئة ؟! أم أن الشهوة خاضعة لمنهاج التأويل و القياس وفق الزمان و المكان و القدرة و الاستطاعة ؟!.
قد تشكل الضرورة الجنسية منطلقا للبحث عن لغة الجسد بين تضاريس المستور و المكشوف ، و قد يملأ الحب مخزن القلب لتنكشف حقائق الحياة وفق تصوير مادي لخبايا الإرادة الإنسانية و وظيفة الجسد في ضمان شروط الإستمرارية و الاستمتاع بالجمال.هكذا تتعدد الأجساد و تختلف المظاهر و تبقى الإرادة حائرة بين فعل الخير و فعل الشر ، فمنطلق التمييز بالعقل كفعل بشري نحو الاختيار المُتَحَرِّريفرض الوعي أساسا بما نريد و من نريد أن نتحرر منه ؟!.
و إذا استوقفتنا بعض الدراسات و الأبحاث العلمية الحديثة حول نتائج محاولة الجسد التحرر من زمن الشيخوخة و الهرم ، فهذا لكي يتضح لنا أن الدوافع التي تحرك العقل رهينة لإحساس الخوف من الموت. و بالتالي يمانع العقل التجريبي باحثا عن العقار الطبي رغم إدراكه للمعطى العملي الذي يجعل الموت علما تطبيقيا لا نملك الإحاطة به إلا بأن يعيشه الإنسان كمخاض فردي منفرد.
لذلك فالتنوير الحداثي الشعبي يستفزنا بوجوب التمييز بين الحرية في الاختيار و بين الحتمية المُحَرِّرَة. لأن المطلب الأول يجسد رغبة إنسانية في السيادة على الذات و سوقها نحو وجهة عقلانية معلومة ، في حين أن الحتمية المُحَرِّرَة هي قدرة كلية مطلقة يعجز العقل عن الاحاطة علما بما وراء تجربة المرور من الثقب الأسود.
فالمفرد و الجمع مصيرهما واحد هكذا نصحني أبي الحاج أحمد رحمه الله، و هكذا اقتنعت أن بداية وجودي أولى البراهين على وجود نهايتي وفق تسلسلات زمنية يمتزج فيها الحلم بالوهم و تتشابك عندها الاختيارات مع الإكراهات الطبيعية.
هذه الحرية بمختلف مفاهيمها توجد دائما قريبة من عقلانية حالمة أو من شهوة ناعمة ، فهي بعيدة عن تغيير الواقع إلا من زاوية الخيال المُبْدع و لولا رغبات القلب لما وصلت محاولة عيش إلى تبيان غاياتها.
فالحرية هناك و التحرر فعل يوازيها و العمرالقصير مدة حياته ساعة زمنية، قد تصل جودة صورته إلى مستوى ثلاثي الأبعاد غير أن أحداثه تستمر مستسلمة أمام حتمية الميقات الزمني للنهاية.
هي حياتنا مترابطات ، فلا بد لصورة الجسد من نهاية ، و القلب ليس حرا في اختيار نبض البداية ، و يشيخ العقل ضائعا بين تساؤلات عن حلول جذرية لمعادلة الحرية و التحرر.
و لعل فوبيا الهرم و الشيخوخة و الموت التي تصيب الأفراد و المجتمعات تنبهنا إلى أن الاستعباد الذاتي يجد سبيله نحو التغلغل بدواخلنا إذ نحن أفرطنا في تجاوز نسبية حقيقة مفاهيم الحرية و التحرر،و قد تتغير مظاهر على الجسد غير أنها لا تغير شيئا من زمن حتمية مُحَرِّرَةمنتظرة.فها نحن نعيش زمن " الأزياء الأنيقة و الاكسسوار المنمق " و ها نحن نجعل " الموضة " تتقادم و لا تموت ، ثم ها نحن نرى الجسد يتقادم لكي يموت؟!.
ها نحن نرفض الإعتراف بالأفكار المتقادمة دون أن تموت و ها نحن نلامس ذاك العقل الذي يفكر متقدما نحو الموت ، هي كذلك الحرية و كذلك هو التحرر رغبات إنسانية تستسغرق زمنها ما بين البداية و النهاية .
و حين أرى بديع الجمال في الأغلال التي تُقَيِّدُحركتي ، في ذاك العجز الذي يَشُلُّ قدرتي ، في كل الأحزان التي تهزمها فرحتي . حين أبلغ سمو المقام و أستوعب أنوثة الجسد بعيدا عن لذة شهوتي ، حين أدرك أن فلسفة الموت هي انتقال سلس إلى ما فوق مشيئتي و معرفتي. فقط حينها قد أكون حرا لكي أستمتع بزمن التحرر.
*شاعر مغربي