عندما يتم إخضاع اتفاقيات كبرى للعبة الاقتصاد السياسي تسقط مشروعية القوانين الدولية ومفاهيمها. الاتفاق الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول الصيد البحري هو أكبر من لعبة الاقتصاد السياسي، إذ أن هذا الأخير هو من يخضع للأول، باعتبار الاتفاق مؤسس على قواعد الشراكة الكبرى، ولكن الجزائر التي ربطت اقتصادها وسياستها لرهانات المصلحة المرتبطة بمعاداة المغرب لا تريد أن تفهم أن المغرب تربطه بالاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة، بل يحظى المغرب بوضع الشريك المتميز من خارج أوروبا.
الوضع المتقدم كمفهوم لدى الاتحاد الأوروبي لم يحصل عليه بالرغبة ولا بتقديم التنازلات ولا بتقديم الرشاوى مثلما يفعل جارنا الشقي، ولكن حصل عليه باقتدار وعن جدارة واستحقاق، أي نتيجة التطورات والتحولات التي عرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين، من خلال تطوير المنظومة القانونية التي سهلت استيعاب الاستثمارات، كما قام عن طريق تهيئ البنيات والأرضيات اللازمة لاستقبال الرأسمال الأوروبي. إذن هذا الوضع ليس هدية ولكن هو المكانة التي حققها المغرب بفضل جهوده في التقدم.
إن تحريك منظمة معروفة بتحركاتها وفق ما تدره خزائن الغاز والمازوت من أجل وضع اتفاق الصيد البحري تحت الاختبار، هو محاولة فاشلة للتشويش على عمل يتم وفق القانون الدولي ووفق مقتضيات الواقع ووفق ضرورات الجغرافية السياسية، وبعيدا عن لعبة الاقتصاد السياسي التي تريد الجزائر فرضها.
الجغرافية السياسة تقول اليوم إن المغرب فاعل أساسي في شمال إفريقيا ولا استقرار بدونه، بل إن خبراته المتعددة ضرورة تاريخية، ووجوده في الصحراء هو وضع طبيعي لأنه وجود صاحب الأرض فوق أرضه، مما يحقق له المشروعية لدى الساكنة، وبفضل تحرير الأرض تحرر الإنسان، وتم نقل البيئة من رمال وصحراء إلى عمران وبناء واستثمارات ضخمة.
وبمنطق الاقتصاد السياسي فإن لدى المغرب من الحجج ما يدحض كل مزاعم الخصوم، ومن يدور في فلكهم رغبة في دولارات المخابرات العسكرية، فوراء كل درهم يجنيه المغرب من الصحراء يصرف أربعة دراهم عن قناعة وعن فهم وفلسفة اجتماعية لدى جلالة الملك محمد السادس، انطلاقا من مفهوم التوزيع العادل للثروة بين المواطنين وبين الجهات.
وبالتالي فإن كل الادعاءات بكون المغرب يستغل ثروات الصحراء من حوت وفوسفاط هي أكاذيب صادرة عن من لا يعرف الحقيقة ولا يتكلم لغة الأرقام ولكن يعيش على الأوهام. ولهذا لن يخضع الحوت المغربي للعبة الاقتصاد السياسي، لأنه رابح من حيث نفوذه في الجغرافية السياسية ومن حيث تضحياته الاقتصادية من أجل تنمية الأقاليم الجنوبية، ولا يوجد مغربي تساءل يوما عن ضريبة الصحراء التي كانت مفروضة على العديد من المنتوجات وكان المواطنون يؤدونها دون اعتراض أو مناقشة حتى، لأن الامر يتعلق بواجب وطني إذ لا يمكن للمواطنة ان تكتمل إلا باقتران الحقوق مع الواجبات.
من يجهل تاريخ المغرب وعلاقة جهاته ومن يجهل التاريخ المتميز للقبائل الصحراوية بالحكم المركزي لا يمكنه استيعاب اللحظة التي نعيشها ولن يبقى أمامه سوى الدعايات الكاذبة والمغرضة. إلا أن العيب كلّ العيب هو أن تسقط بعض المؤسسات الأوروبية في لعبة ظاهرها الدفاع عن الصحراويين وباطنها عرقلة الحل السلمي وفق منظور الحكم الذاتي. وهي مخططات لايزال بعض المسؤولين في اوربا لم يستوعبوها بعد، وسيأتي يوم يدركون فيه أن ما تقوم به الجزائر لا يعدو ان يكون توظيف لنزاع مفتعل من أجل استدامة الوضع المتوتر في المنطقة، لان ذلك يخدم ويديم مصلحة الماسكين بزمام الامور في الجارة الشرقية وإخفاء أصل وأسباب الازمة التي يتخبط فيها الجزائريون بفعل السياسات الفاشلة التي طٌبقت منذ عقود من طرف الطغمة العسكرية التي تختفي وراء رئيس دمية وحكومة لا حول ولا قوة لها..
إن الجزائر، وكنتيجة لتكلس نظامها الاقتصادي بفعل إخضاعه لمقولات وافكار اكل عليها الدهر وشرب، لا يمكن ان تفهم معنى اقتصاد السوق وترابط الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية المبنية على شراكات تتجاوز في الغالب الاعم ما هو سياسي، ولا أدلّ على ذلك تخلف الجزائر في العديد من المجالات الاقتصادية وتخبطها الواضح بخصوص الانفتاح على العالم، ويظهر ذلك جليّا في فشلها إلى حد اليوم في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، رغم عقدها لحوالي 13 جولة مفاوضات وإجابتها على أزيد من 1900 سؤال مرتبط أساسا بنظامها الاقتصادي.
وتعتبر الجزائرٍ أقدم دولة في العالم تتفاوض من أجل الدخول إلى المنظمة، حيث تجري مفاوضات منذ يونيو 1987، زمن الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (الغات) التي تحولت إلى المنظمة العالمية للتجارة في مراكش عام 1994.
وكان بإمكان الجزائر الدخول إلى المنظمة بدون تفاوض في العام 1994 خلال أجتماع مراكش، ولأسباب تتعلق بغياب قيادة سياسية قادرة على اتخاذ قرار في ذلك الوقت عاد الوزير الذي شارك في الاجتماع بدون تقديم أوراق الجزائر. إلا ان السبب الرئيسي يكمن في موقف الجزائر المناوئ للمغرب ومرض "المغربفوبيا" التي تملك حكام الجزائر منذ استقلال الجارة الشرقية، بحيث ان مجرد عقد مؤتمر "الغات" بمراكش كان سببا لرفض الانضمام إلى هذه المنظمة التجارية العالمية لأن نظام العسكر كان دائما يحكم السياسة ويحضر الحسابات السياسوية في أمور بعيدة كل البعد عن ذلك، وهو نفس النهج الذي يحاول سلوكه الآن بخصوص اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الاوربي.
هيئة التحرير تليكسبريس