الاحتجاجات، التي تشهدها عدة مدن إيرانية منذ 28 دجنبر الماضي، تستوقف المتتبعين. انطلقت شرارتها الأولى من مشهد، ثاني أكبر مدن البلاد من حيث الكثافة السكانية بعد العاصمة طهران، ثم امتدت موجة الاحتجاجات لتصبح اليوم حدثا يوميا في أزيد من 40 مدينة. القمع لم ينجح في إخماد الحريق، على الرغم من مقتل 22 شخصا، واعتقال أزيد من ألف شخص. المظاهرات المساندة للنظام لم تكن بالتأثير المرجو، وأضحت مضرة لصورة البلاد.
الحركة الاحتجاجية في إيران تحمل خصائص جديدة. هي حركة جهوية أولا، وشابة، ومطالبها اقتصادية بالأساس، وتنأى بنفسها عن الصراع السياسي الكلاسيكي في المشهد الإيراني، الذي ظل حبيس التوتر بين القوى المعتدلة والمحافظة. نسبة العطالة في إيران تصل إلى 12 بالمائة، و20 بالمائة في صفوف الشباب. سنويا، يفرز النظام التعليمي الإيراني مئات الآلاف من خريجي المعاهد والجامعات، والاقتصاد الإيراني، الذي يغلب عليه القطاع العمومي غير قادر على توفير مناصب شغل لهؤلاء الخريجين، المقدرين بـ700 ألف طالب حسب إحصائيات رسمية. غير أن المشكل الاقتصادي، ليس وحده من يغذي الاحتجاجات.
الشباب في إيران أضحى رافضا للشيزوفرينيا الدينية، وأسمع صوته بأنه لم يعد بحاجة لقوانين الملالي الصارمة، التي فهم أنها لم تعد تمثله. الكثير من التحقيقات والبرامج الوثائقية سلطت الضوء على رغبة الشباب الإيراني في العيش مثل كل شباب العالم. وبالتالي فنظام الملالي برمته هو الذي أصبح خارج التاريخ. لا يمكن بناء دولة حديثة حول مجموعة من الوصايا العقدية والطابوهات. تلك هي رسالة الشباب الإيراني في هذه الاحتجاجات، الخالية من القيادات السياسية، والتي تتميز بحضور قوي للنساء والفتيات. ولعله من التبسيط في وصف الأمور، إذا ما اعتبرنا أن الغرب يقف اليوم حائرا من حيال هذا التمرد.
سنة 2009، اكتست الاحتجاجات الإيرانية طابعا ديمقراطيا، بعد ما عبر الإيرانيون عن رفضهم لنتائج الانتخابات الرئاسية. أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الغارقتان في أتون الأزمة الاقتصادية وإنقاذ الأبناك في تلك الفترة، غضتا الطرف عما كان يعتمل في إيران، باعتبار أن الأزمة شأن داخلي، ولم تساندا الحركة الاحتجاجية سوى بخطابات باهتة. تلك كانت خطيئة كبرى.
احتجاجات اليوم، خالية من الزعامات، وتتمحور حول مطالب مادية، تستنكر أساسا غلاء المعيشة، وتنادي بتوفير فرص الشغل. نظام الملالي عاجز عن الاستجابة لهذه المطالب، في سياق اقتصادي مضطرب تمر منه البلاد بسبب العقوبات الدولية، وانخفاض سعر الوقود، وتورط إيران في المجهودات الحربية في عدة مناطق من الشرق الأوسط.
الاحتجاجات هي أيضا ترجمة لرفض المجتمع الإيراني لإجراءات التقشف التي تفرضها عليه حكومة الملالي. والغرب بإمكانه توفير الوسائل الكفيلة بمساندة تطلعات الشعب الإيراني، كالضغط السياسي والديبلوماسي والاقتصادي، دونما حاجة لتكرار خطاب الملالي، الذي يصف المحتجين والمعارضين بـ«عملاء الأعداء».
قد ينهي القمع التمرد الشعبي في إيران في نهاية المطاف، ولا أحد يعرف أين ستتوقف الاحتجاجات. لكن إيران لن تعود كما كانت من قبل، لأن الأمر لا يتعلق بالصراع السياسي للتيارات المعتدلة والمحافظة، لكن بثورة شرائح اجتماعية كبيرة ضد النظام بأكمله. الملالي لم يعد بإمكانه حكم البلاد كما كان عليه الأمر قبل 28 دجنبر 2017.
بقلم: أحمد الشرعي