منذ أن خرج حزب الأصالة والمعاصرة للوجود، وهو يثير نقاشات لا نهاية لها، حاربه البعض باسم الكل، وسانده البعض أحيانا لصالح شخصه وكذلك باسم الكل، وهذا ما يميزه عن غيره، فالأشجار المثقلة بالثمار هي التي ترشق بالحجارة.
وظل هذا النقاش يأخذ امتدادات غريبة أحيانا، لدرجة أن البعض أصبح يطالب بحله، والبعض الآخر يشتمه في نفس الوقت الذي يستظل بظله، وهكذا استمر هذا الحزب، لأن قدرته على الاستمرار تكمن في كل هذه التناقضات، ولكن، لنفكر قليلا في هذا الحزب الذي أثار وجوده كل هذا النقاش و نسأل الجميع، ترى لو لم يوجد هذا الحزب كيف ستكون الخريطة السياسية اليوم إذن؟.
لقد استمر هذا الحزب في الوجود، رغم كثرة وتنوع الضربات، فبعض القوى كانت ترى فيه ذلك الحاجز الذي يحدها من بلوغ ذروة السلطة، والبعض الآخر كان يريد أن يتسلق به دون أن ينسب له، و الحزب ظل يتحمل كل تلك الضربات، ورغم أنها لم تقصم ظهره فقد أضحت تطرح الآن أكثر من سؤال جوهري حول حاضر ومستقبل هذا الحزب، أو لنتساءل بأسلوب مباشر، ماذا سنفعل اليوم بهذا الكائن السياسي الذي اسمه حزب الأصالة والمعاصرة؟.
إذا كان هذا الحزب قد خلق من أجل عدة مهام، أهمها خلق التوازن الذي بدونه لا يمكن أن تدار قضايا الدولة بسلاسة، أو خلق لإعطاء نفس حداثي ضد فكر محافظ حملته موجة المرحلة، أو خلق لأن هناك قوى اجتماعية تتطلع إلى أن تلعب دورا قلما تجد ممرا له فأنشأ لها هذا الممر الذي اسمه حزب الأصالة والمعاصرة، أو خلق هذا الحزب لأسباب أخرى قد يبدو أن قدراتنا الفكرية لم تستوعبها، فإننا اليوم نطرح السؤال التالي: هل انتفت المهام التي خلق من أجلها؟.
إن حزب الأصالة والمعاصرة بات طرفا رئيسيا في معادلة سياسية ولا يمكن أن يتم تجاوزه، واستطاع طيلة مدة وجوده أن يخلق قوة سياسية ذات بعد اجتماعي تطالب بحضور سياسي، قد تكون القيادة الحالية فشلت في فهم تلك الرهانات، مما حولها إلى مصدر عرقلة لتطور هذه القوة الجديدة داخل الحزب، و أصبحت القيادة الحالية عبأ على تطوره، ولا يجب أن نحمل الحزب والفكرة وزر وخطأ قيادته الحالية، وأما إذا كان هذا الحزب أصلا وجوده مرهون بهذه القيادة، فإنه سيتحول من حزب إلى "زاوية" أو إلى جماعة تتحرك استنادا على الفرد وليس على أساس ذكاء جماعي يتجه نحو أفق حداثي، فالحزب الحداثي يخلق تعدد القيادات، ويدفع نحو توجهات ديمقراطية، أما أن يصنع الزعيم الأوحد وتطلق تصريحات بعدم وجود غيره لقيادة الحزب، فإن ذلك سيقتل الحزب، لأنه يتناقض مع طبيعته الحداثية المستندة على التعدد والتنوع في النخب والاختلاف في الأفكار.
قد يذهب البعض بعيدا ويقول بأن هذا الحزب قد فقد دوره الذي رسم له عند إنشاءه، ولم تعد لا القوى السياسية ولا الدولة في حاجة له، فنقول لهؤلاء، نحن لسنا وثنيين نصنع الأصنام السياسية لنعبدها، يمكن فقط أن نتفق لنقوم بتفكيكه، وقد نجني بذلك على الوطن وعلى مستقبله السياسي.
إن من العبث في التحليل أن يحمل أي حزب أخطاء بعض من قياداته وأعضائه، لأن الحزب فكرة، والفكرة لا تتحمل أخطاء الآخرين، بل تسعى دائما نحو الأفضل في اتجاه الجماعة وفي تجاوز للأشخاص والأفراد والذاتيات، والفكرة لا يقتلها إلغاء الإطارات أو تفكيك المؤسسات، بل تحمل قوة ذاتية من أجل الوجود وضمان استمراريته.