شرعت لجنة المالية أمس الثلاثاء في مناقشة مقترح قانون لمنع تعدد التعويضات والأجور، وهو مقترح يتيم لفريق واحد قد لا يلقى تجاوبا من باقي الفرق، لأن أغلبيتها تعيش على الريع البرلماني، وأغلب قادتها يستفيدون من تعدد التعويضات، وبالتالي سيكون من العسير المصادقة على هذا المقترح حتى يصبح قانونا يمنع الجمع بين التعويضات، التي يستفيد منها كثير من "المناضلين" من جميع الأحزاب، وبالتالي يصعب على هؤلاء التخلي عن امتيازاتهم مما سيدفعهم للاتجاه نحو التعبئة ضده، وهو ما لا نتمناه أبدا.
العمل البرلماني عمل تطوعي، ولهذا يلج السياسيون المجالس التشريعية باعتبارهم "مناضلين"، وبما أن هذا العمل يحتاج تفرغا فقد خصصت الدولة تعويضا عن المهام، الذي تحول مع الوقت من تعويض إلى راتب محترم جدا يقتضي تقاعدا لم يحصل عليه أحد في العالم وهو تقاعد يصبح ساري المفعول بعد نهاية المهمة، أي بعد خمس سنوات فقط. فالتقاعد غلط كبير، والغلط الأكبر هو ترتيبه على تعويض وليس على أجر.
تحويل التعويض إلى راتب شهري حول العمل البرلماني من عمل تطوعي إلى شغل لدى كثير من لا شغل لهم أو من أرادوا تحسين وضعيتهم الاجتماعية، وبعد أن أصبح شغلا تم ترتيب التقاعد عليه، الذي وصل اليوم حد الإفلاس لأنه ليس مدروسا، ويتم التعويل على الدولة لإنقاذه بينما كل الصناديق يمولها المنخرطون فيها.
من العيب والعار أن يتم تجميع أكثر من تعويض ولهف الملايين في ظل وضعية اقتصادية مأزومة، وفي ظل سياسة التقشف التي تنهجها الحكومة، التي شرعت منذ عهد بنكيران في التخلي عن كل ما هو اجتماعي ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية والاتجاه نحو فرض الرسوم على التعليم تحت عنوان "الأسر الميسورة"، التي لا يدرس أبناؤها في التعليم العمومي.
لو كان لدينا فعلا برلمانيون متطوعون لاقترحوا التخلي عن تعويضات شهر أو شهرين وجمعوا 600 مليون للتخفيف عن القرى النائية التي تحاصرها الثلوج. ولكن بدل ذلك هم يراكمون العديد من التعويضات.
قبل الحديث عن الجمع بين التعويضات والأجور تجدر الإشارة إلى أن التعويض عن العمل البرلماني يشمل كل شيء. لأنه تعويض جزافي. وبالتالي فيه بدل التنقل. فلماذا إذن يؤدي البرلمان بطاقات القطار للبرلمانيين من الدرجة الأولى؟ وفيه بدل البنزين فلماذا يمنحهم بونات التزود من محطات معروفة؟ وفيه بدل السكن فلماذا تم التوقيع على اتفاقيات مع فنادق بالرباط لإيواء البرلمانيين؟ أليس في ذلك العبث بالمال العام؟ لماذا لا يتم تحول كل هذه المصاريف للعمل الاجتماعي بالقرى التي يقتلها البرد والصقيع؟
فالجمع بين تعويضات البرلماني والنفخ في التعويضات المرتبطة بالمسؤوليات في البرلمان نفسه والتعويض على العمل في الجهة والتعويض في مجلس دستوري كلها ريع لا يمكن أن يعطي نموذجا لحكومة تريد محاربة الفساد وتبديد المال العام.