انهار الجدار.. سقطتِ الدار.. انقلب الكار.. فاض الواد الحار.. وأثناء توزيع صدقة نُقِلت الأرواحُ بالأكوام، نتيجة الزّحام، من دار الفناء، إلى دار البقاء، لغياب منظّمين من ذوي الإلمام.. وكل مرة حوقلْنا، وقلْنا لله الـمُصاب، ذلك (مُكتاب)، وواسينا أنفسنا، وعزّيْنا بعضنا بعضا، وتواصينا بالصبر، بعد الجليل من المصاب، وقصمْنا ظهْر (المكتاب) بأحمالنا، ووِزْر إهمالنا، ولـمّا سألْنا عن هذا (الـمُكتاب)، وجدناه من صنيعنا، وسوء تدبيرنا، وفوادح أعمالنا.. فمن المسؤول عن بناء الجدار؟ مَن أهمل وغفل عن تداعي الجدار؟ من المسؤول عن الكار؛ وسائق الكار؛ والحالة الميكانيكية للكار؟ مَن المسؤول عن بناء الدار؟ كيف فاض الواد الحار، حتى اشتكى الجارُ للجار، لكن ما باليد حيلة، في بلاد عجّت بالمجالس، وملّت أكاذيب البرلماني الكذّاب، وزميله المستشار؟
اِفتحوا تحقيقًا مع الرياح العاتية، والأمطار الآتية، ومع الجاذبية؛ وهو ما أطلقنا عليه [الـمُكتاب] لينجوَ المهمِلون من العقاب.. صحيح أن القدَر لا يمكن إنكارُه، لكن للقدر إطاره.. فلو لم يكن له إطار، لبطلتْ حقيقة الجنّة والنار.. لو لم يكن (للـمُكتاب) كتاب، لبادت فكرة الحساب والعقاب.. لكن تجدنا دوما لتبرير غشّنا، نقتصر على (الـمُطْلقات) لتبرير أفعالنا، وتبرئة ساحتنا، من مساوئ أفعالنا المغشوشة، وسياستنا المشبوهة، وعشوائيتنا المغروزة، وتواطُئِنا الذي تكشف الأيام عورتَه، وتخطيطُنا الذي تبرز الأحداثُ فجْوتَه، وسيرُنا المتعثّر الذي تكشف الكوارثُ والمصائب كبْوتَه، وطبخُنا الفاسد الذي تعرّي الفضائح غطاءَه، فتفوح منه رائحتُه الـمُزْكِمة؛ فيداهمنا صنيعُ أيدينا؛ لكن لا علينا، فمقولة (الـمُكتاب) من المسؤولية تعفينا..
سامِحْنا يا عزيزي (الـمُكتاب) فليس لدينا غيرك نعلِّق في علاّقته كل مُصاب؛ فعلاّقتُك أرخص من علاّقة الملابس والأثواب؛ فأنت تفسِّر لنا كافة الأخطاء والأعطاب، وتمِدُّنا بالتبرير الجاهز في هذا الباب.. سامِحْنا يا عزيزي [الـمُكتاب] تسدي لنا خدمات، دون ترشّح، أو حزبية أو انتخاب.. أنت تؤدّي ثمنَ أخطائنا مجّانا، وعشوائيتِنا، وإهمالنا، وسكوتنا المؤدَّى عنه؛ أمّا [اِعْقِلها وتَوكّلْ]، فلا تراعى إلا في المصالح الشخصية، والممتلكات العينية؛ أما عندما يتعلق الأمر بسلامة البلاد والعباد، فعلاّقتُك جاهزة، ولأدوارها ناجزة، أي والله! أما بعد؛ فهل صعود نواب كُذّاب بالأساليب المعروفة، والموصوفة، مُكتاب؟ هل تشكيل مجلس بلدي، جمع الأزلام والأصحاب؛ مُكتاب؟ هل إهمال الدار وتغاضٍ عن ترنُّح الجدار، وتكاثُر بلُّوعات الواد الحار، وهي تتربّص بالمارّ، وتُضايق الجار؛ مُكتاب؟ هل إهمال عمّال، ومسحوقين مقهورين، ومحسورين، يحسبون [تسابيح العُمْر] بنهايات شهور متشابهة، لا بارقة من أمل فيها، بعدما ضُلِّلوا، وصوّتوا على مرشّح كذّاب؛ مُكتاب؟ هل صرْفُ أموال في تفاهات، بدل صرفِها على بناءات، وتجهيزات، وصيانتِها؛ مُكتاب؟ وكل مرة (المكتاب) حتى أصابنا من اللفظة الفارغة الاكتئاب، وهي من أشباه الألفاظ، عند الفلاسفة والكُتّاب..
فالمصائب هي من أنفُسنا ورديء أفعالنا وسوء اختياراتنا.. فمَن صوّت على الكذّاب؟ مَن صدّق المرشّحين الأذناب؟ مَن أدخل بصوته إلى البرلمان، والمجالس البلدية والقروية، زُمْرةَ الثعالب والذّئاب؟ مَن ببلادته وسذاجته صوّت على كائنات حَسِبَها نحلاً ينتج عسلا، فإذا هي مجرّد ناموس وذباب؟ من ملأ المجالس، والمؤسسات بالجهلة والعوام، وبصوته خدم الأحزاب؟ ألم يقُل (الإمام مالك): (والعوام إذا اجتمعوا، أفسدوا)، وقد اجتمعوا فصوّتوا لمصالحهم، وضربوا تقاعُدَ كادح، وهَن عظمُه، ورشي عودُه، وشاب؟ فهل ما أصابه من برلمان، وحكومة شُكِّلا من أحزاب، صوّت عليهما يوم الانتخاب؛ فهل ما فعله وقتها مُكتاب؟ هلِ المكتاب له دخْلٌ في الاختيارات الحرّة، وفي الجليل من المصاب؟ فإذا كانت الأحجار، والجدار، والدار، التي هي جمادات، قد تداعت بفعل سياستهم، وإهمالهم، فما بالُك بالمواطنين، وهم أرواح، وحيوات، وذوات.. وكم غنّتْ جدّاتُنا ذات يوم، ونحن صغارٌ، لا نبالي: [الله يا ربِّ واشْ هادْ الـمُكتاب!].. تعازينا في ضحايا انهيار الجدار، في الدار البيضاء، وقد صارت سوداء، بفعل إهمالهم، وتناسُل مآسيهم، وكثرة مخازيهم، ونفاقهم، ومعاصيهم؛ وإلى الله شكوانا بهم، إلى يوم الدّين؛ آمين!