تعاني دول العالم كافة من خطر الأخبار الزائفة، التي تقوم بتلويث الذوق الجماعي للمجتمعات، بل تساهم أحيانا في اقتتال بشري بسبب ما يتم زرعه من أنباء تؤدي إلى الفوضى. وبدأت كل البلدان في البحث عن أدوات قانونية رادعة. فقبيل أيام قال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، في لقاء مع الصحفيين والفاعلين الإعلاميين، إنه لابد من تطوير النظام القانوني لحماية الديمقراطية من الأخبار الزائفة وخصوصا خلال الحملة الانتخابية.
الأخبار الزائفة من أشد أشكال الكذب والدعاية وممارسة الإشاعات اليوم. فكثير من الحروب تقوم على أساس الأخبار الزائفة. وهذا النوع من الأخبار أصبح اليوم صناعة كاملة الأركان، تساهم فيها مواقع التواصل الاجتماعي وتساهم فيها مؤسسات ودول، بغرض توظيفها في المعارك الكثيرة.
المغرب ليس بمنأى عن موضوع الأخبار الزائفة بل إنه من أكثر الدول التي تعرضت لهذا النوع من الأكاذيب والمغالطات الإعلامية الخطيرة. يذكر المتتبعون قبل عشر سنوات عندما أذاعت قناة الجزيرة القطرية من مكتبها بالرباط نبأ مقتل سبعة مواطنين أثناء تحرير بوابة ميناء سيدي إفني، وتبين أن الخبر لا أساس له من الصحة وأنه لا يوجد حتى مجروحون في المستشفيات، وكان المغرب حينها في قوس عاصفة الربيع العربي قبل انطلاقه، لكن تم احتواء الموضوع بالطرق القانونية وإغلاق الوكر المشبوه.
وبعدها جاءت قضية مخيم كديم إزيك، وشرعت وسائل الدعاية في تشويه صورة المغرب، فتغاضت عن استشهاد 12 من عناصر القوات العمومية على يد مرتزقة البوليساريو، وتغاضت عن التخريب الذي أحدثوه بالمدينة، لكن جلبت صورة لطفلة فلسطينية وصورتها على أنها من مدينة العيون في كذبة تاريخية لا مثيل لها.
وفي أزمة الريف أبدع المتربصون بالمغرب في تزييف الأخبار ونشرها بشكل احترافي، بما يوحي وقوف جهات منظمة وراءها، حيث تم اختلاق قضايا غير موجودة نهائيا، وتمت فبركة فيديوهات لا أساس لها، بل تم نشر فيديوهات من بلدان أخرى على أنها من المغرب أي من الحسيمة وإمزورن، وكان آخرها نشر صورة طفل فلسطيني تعرض لاعتداء من قبل جندي إسرائيلي على أنها من نواحي الحسيمة، وهو ما تم تكذيبه في حينه بالحجج والأدلة.
وحتى داخل السجن يتم اختلاق الإشاعات الكثيرة، من قبيل أن المعتقلين في حراك الحسيمة ونواحيها تعرضوا للعقاب عن طريق الكاشو أي الزنزانة الانفرادية، وتبين أن واحدًا منهم فقط أدخل ساعة مزودة بكاميرا وتم تأديبه بهذه العقوبة، لكن الخبر كان يوحي بأن المعتقلين يتعرضون لسياسة ممنهجة من التعذيب والعقوبات.
ومن إبداعات "الفايك نيوز" تصوير شخص تحت سيارة قائد بطنجة، زاعمين أن رجل السلطة دهسه، لكن بعد التدقيق في الصورة يتبين أن الشخص هو الذي أدخل نفسه قصد التصوير ولكن فعلا دهسه لكان نصفه قد تخرب والدماء تجري منه.
إذن لابد من إيجاد حل قانوني للأخبار الزائفة التي تلوث المجتمع، فمدونة النشر، التي ما زالت في مراحل التشريع الأولى، تضمنت تحديدا لهذا الموضوع في مادتيها 83 و93 غير أنها لا تبدو كافية وبالتالي فقبل عرضها يمكن توسيعها حتى تكون ذات فعالية.