أيها الفاسدون؛ أيها المفسِدون في الوزارات؛ في الإدارات؛ في الحارات! أنتم أسوأ مثال يحتذى في أسوإ منتدى.. أنتم أخبث مثال يُضرب في الإفلاس، والاختلاس.. أنتم لصوص للثّروات الـمُمدَّدة، وبكم ظلت ديموقراطيتنا مدى الدّهر مهدَّدة.. أنتم آية في مجال البيع والشراء، واستغلال أوضاع الفقراء، بحثًا عن السريع من الثراء.. أنتم دعاة في النفاق، واستعمال الإغراء، بسياسة كاذبة نكراء.. ها أنتم قد انكشفتم رغم الافتراء، والكذب، والـمِراء.. فما عرفْنا في سياستكم غير الإعاقة، وأساليب اليأس، والفاقة، وكل ألوان المكر والضَّراء.. ضيّعتم البلاد، وانغرستم في المناصب من أجل المكاسب كالأوتاد، بعدما أورثتموا المغاربةَ مشاكلَ وهموما تُعدّ بالأعداد، فصيّرتموهم عبيدًا، وصرْتُم أنتم بفسادكم الأسياد..
ها نحن اليوم عرايَا تماما، ومكشوفون لبعضنا بعضا في العراء.. كلنا الآن وسط بيداءَ، لا مجال فيها اليوم للاختباء.. كنّا بمكركم نعتقد أننا إلى الأمام نسير، وقد ضحكتم علينا بخُطَب التبشير؛ واليوم أدركنا أن ذلك كان كذبا، ومكرًا، وهُراء، واكتشفنا أننا بكم، وبسياستكم عدنا القهقرى إلى الوراء.. كنا بكذبكم نعتقد أننا نمضي قدُمًا إلى الأمام، كان الزمان يسري، ونحن لم نبارح بعدُ المكان.. كنا نرقب المشهد، وكان دورنا التصفيق، ثم ترديد الآهات تمشيًا مع الألحان.. وطال العزف، الممل على نفس الكمان.. نعم؛ طال العزف، واستطال العسف، وتوالت فرقعات (التبوريدة) في البرلمان، أعجوبة الزمان، حتى استفاق المغاربة، بعد مخدّر عطّل الأذهان، فقالوا: أمَا آن الأوان، لإلغاء هذا المهرجان؟! قُلْ كيف يلغونه، ولهم فيه مصالحُ، ومنافعُ، وجنى الجنّتيْن دان؟ وكأنهم في بستان، فيه من كل فاكهة زوجان.. فيه امتيازاتٌ، وحيازات، وصحّة أبدان.. وما المغاربة عندهم إلا رؤوس من قطعان.. ثم الأكفّ تضْرع، وتارة أخرى تصفّق، ورغمًا عنها للكذب تصدّق، والفاسد يعاهد، وهو يتعمّد ابتسامة دعاية معجون الأسنان.. نالوا؛ أخذوا؛ وبينهم وزّعوا كل شيء؛ وبقي لنا الصبر في انتظار القبر..
استحلْنا كلُّنا إلى نسخ رديئة من كتاب قديم.. نسخٌ تعيد طبْعها كلُّ حكومة تمارس علينا كذِبَها، والأفْق المنتظَرُ غطّاه السديم.. ودائما نفسُ الوضع؛ نفس الصدْع؛ نفس الوزارة؛ نفس الإدارة؛ نفس البرلمان؛ فبأي آلاء ربّكما تكذّبان.. وكل حكومة جديدة، إلا وفيها من يتمتّع براتب هو من البذخ بمكان؛ وتقاعُد قبل الأوان؛ وتعويضات أَوانٍ، وسيارة، وفستان؛ ثم لك الله يا جائع؛ يا عاطل، يا مريض؛ يا فقير؛ يا عريان.. حكومة الأربعين وزيرًا، يحلبون، ويزبدون، كل ثلاثين يوما.. والمهموم، ذو الوضع المذموم، يرث اليأس، والبؤس، والضّعَة، والهوان.. وسبحان الله، أممٌ تقطع الأشواط، وتبني البلادَ بعد بناء االإنسان، ونحن نخلق بشرًا (مادة خام)، صالحة لزنازنَ، وراء القضبان.. أمِنْ بين الفاسدين يبرز أكفأ ربّان؟ أَمِنَ الفاسدين يكون أقْدر قبطان، يسير بسفينة الأمة إلى بر الأمان؟ أَمِنَ الفاسدين يكون خدّامُ الأوطان؟ كلا! قُلْها ولا تَخَفْ بالفم الـمَلْيان!
وذات يوم؛ ويا له من يوم؛ ليس كغيره من الأيام؛ استفاق الفاسدون على هزة قوية تحت الأقدام.. وبعد زلزال، أعلن جلالتُه خريفَ الفاسدين، عبْر خطاب عرش أسلافه المنعّمين، وسقط الفاسدون من أعلى عليّين، ثم أعلن جلالتُه دام له النصر والتمكين، فترةَ (الشّوْلة) فحُرِم الانتهازي النعائم، ولُوِّيتِ العمائم، واشتدّت على الفاسد البَوْلَة؛ فكان لجلالته وسطهم صَوْلة، ثم ما أحكَمَها من قولة: (الأقوياء مثل الضعفاء، أمام القانون سواء).. صار الوزير بلا نصير.. صار الوالي بلا ولي.. صار القائد يتحسّر على الزمن البائد.. صار المدير يضرب كفّا بكفّ قائلا: (ما عَنْدي ما ندير).. صار كاتب الدولة بلا حَوْل ولا صَوْلة.. وما هي إلا بداية الجولة، وتأكّد الجميع من صِدْق القولة، وباد الجميع، وانتصرت الأمّة، وبقيت الدولة.. وهكذا، من جنة النعيم، دخلوا جهنّم، ويا له من عذاب أليم.. كلّما دخلها قومٌ، سألهم الناس: ألم يَأتِكُمْ نذير؟ قالوا بلى، قد جاءنا نذير فكذّبْنا بهذا المصير؛ قالوا لو كنّا صلحاء ما كنّا من أصحاب السّعير.. فاعترفوا بذنبهم، فسحقًا للعابثين بمصالح المواطنين؛ وتحية إجلال وتقدير لأمير المؤمنين.. هناك آخرون، قابعون في شتّى الوزارات، والإدارات، سوف تكشفهم الإشارات، ولو بعد حين، ثم لا عزاء للفاسدين، ولا نامت أعيُنُ المفسدين، حيثما وُجِدوا، والله المستعان يا أمير المؤمنين، دام لكمُ النصرُ والتمكين؛ آمين!