الاحتجاج الاجتماعي مرتبط بالوجود السياسي، وكما يحتج المهمشون يحتج الذين وضعهم مريح لكن يكونون في حاجة إلى أشياء أخرى وإضافات في الحياة. فالاحتجاجات ضرورية للعملية الديمقراطية وهي واحدة من أساليب مراقبة عمل المؤسسات والحكومة والمجالس المنتخبة، وهي دليل عافية، إن لم يتم استغلالها لأغراض متعددة، قد تكون خدمة لأجندة سياسية أو قد تكون مجرد عنصر من اللعبة الانتخابية.
ولا يخلو أي حراك من عنصر اللعب. ونقصد به اللعب تحت الطاولة وفوقها وجنبها، واللاعب لا يهمه أن تحترق الأمكنة ولكن يهمه أن يحقق تقدما من خلال التهام أوراق غريمه. فإذا طغت اللعبة على الاحتجاج الاجتماعي أصبح خارج السياق وانبثقت من بين ثناياه انزياحات خطيرة مثل إحراق سيارات الأمن وتخريب الممتلكات العمومية، وإذا ما استطاع استيعاب عناصر اللعب فإنه يحقق أهدافه دون خسائر، ونادرا ما ينجح الاحتجاج الاجتماعي في الحفاظ على عذريته إذ غالبا ما ينتهكها رجال السياسة.
ما يجري في جرادة ليس بعيدا عما قلنا. لا ينكر أحد من العاقلين أن المدينة تعيش تهميشا منذ إغلاق مناجم الفحم، خصوصا وأنها مدينة عمالية نشأت على هامش استخراج الفحم، لكن بعد إغلاقه لم تتم معالجة المشكل، فلا الجهات المعنية قامت بإعلان عدم بقاء المدينة وإيجاد حل لساكنتها، أو تأهيلها لتصبح قابلة للعيش في غياب المناجم، من خلال تأسيس بنيات صناعية قادرة على استيعاب الشباب الصاعد.
تفاقم الأمر لمدة ثلاثين سنة، لكن نحن أبناء اليوم ولسنا أبناء الأمس. بمعنى لابد من إيجاد حلول الآن وهنا وليس البحث في مسؤوليات الماضي البعيد. البحث عن حلول تسيل له لعاب كثيرين. هناك جهات يهمها فعلا حل المشكل ويتعلق الأمر بمؤسسات الدولة الراعية للاستقرار، وهناك جهات يهمها حل المشكل بشرط الاستفادة انتخابيا من الأمر، وهناك جهات لا يهمها أصلا حل المشكل.
اليوم عينت الحكومة عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، مخاطبا رسميا في ملف جرادة. وشرع في عقد اجتماعات مع المعنيين بالأمر. طبعا جاء هذا الاختيار بناء على موقعه الوزاري باعتبار أن المشكل الحقيقي للمدينة نتج عن إغلاق المناجم، مع استمرار نشاط للبحث عن الفحم يستفيد منه ديناصورات السياسة من منتخبين محليين وبرلمانيين بينما المواطن البسيط الذي يغامر بحياته لا يصله من ذلك إلا الفتات.
لا يكفي أن ينفرد شخص أو شخصان بملف ثقيل، ولكن بما أن الحكومة لم تسلك سلوك النعامة هذه المرة وهذا أمر يحسب لها، فإنه ينبغي تكوين لجنة وزارية مكونة من جميع القطاعات المعنية باعتبار الأزمة لها أبعاد متعددة بما يفرض متدخلين متعددين.
هناك إشكال آخر يتعلق بانتماء عزيز رباح للحزب الحاكم أي العدالة والتنمية، الذي رفضت قيادته الجهوية والإقليمية حضور اللقاء الذي ترأسه والي جهة الشرق بخصوص الموضوع. ومازال الأمر غامضا: هل يتعلق بضغوط من قبل بنكيران أم أن الحزب يلعب اللعبة الانتخابية قبل أوانها دون اعتبار لتداعيات الموضوع الاجتماعية والسياسية؟
حل المشكل بسيط في شكله. فجلالة الملك يشرف على مشاريع ناجحة. هناك اعتبار يمنحها النجاح يتعلق بكون الملك لا يرغب في رئاسة جهة ولا منصب برلماني ولا غيرها من قضايا التنافس السياسي. إذن يمكن للأحزاب أن تعمل وفق هذا النهج وتعمل كأنه لا توجد انتخابات. حينها تحل المشاكل.