بقلم: المختار لغزيوي
من يحاول أن يختار في المغرب شخصية واحدة للسنة يخطئ دوما وأبدا. المغرب فسيفساء اختارت منذ بدء الكون وحتى انتهائه أن تكون مفردا بصيغة الجمع، سنواته وعقوده والقرون تصنعها فيها الشخصيات المتعددة، ويصنعها الناس، وتصنعها الأيام، وتصنعها الأحداث، ويشارك الجميع في وضع لبناتها وفي حياكة هذا الجلباب المغربي الأصيل المسمى وطننا.
لذلك يخطئ اللاعبون بالأرقام، وهم يدفنون السنة ويستقبلون السنة الأخرى حين يحاولون تقليص المغرب إلى شخص واحد أو اثنين، ويعتبرون أنهم بذلك صنعوا ما عليهم وزيادة، وأنهم استطاعوا فعلا اختزال الحول، واختصار العام، وأتوا بما لم يأت به الأولون ولا الأواخر بعدهم.
في المغرب صنعت 2017 نفسها بنفسها. لم تكن سنة عادية، ولم تكن هينة، ولم تكن إطلاقا بلا لون، أو طعم، أو رائحة.
كانت مليئة منذ بدئها بروائح الشمال القادمة من الحسيمة. أمضينا ردحا طويلا من الزمن في هذا العام نقنع أنفسنا، ونقنع من يريد الإنصات إلينا أن المشاكل لا تحل بالصراخ، بل تحل بالحوار، وتحل أساسا بالنية الحسنة المتبادلة بين كل الأطراف.
لم نقل إننا بلد بلا مشاكل، ولم نقل إننا نستكثر على الناس صرخاتهم والأنين. قلنا «لا للمزايدة»، وفهمنا أن المراد لنا غير المعبر عنه في لايفات الفيسبوك، وفي مواقع الأنترنيت المتحركة الأزرار بمحركات البحث المختلفة، وفي بعض الصحافة التي نكتشف أنها تستطيع أن تكون هنا لكن تستطيع أن تكون هناك أيضا، وأن بعض اللاعبين فيها على كل الحبال قد يغيرون كتف البندقية في الوهلة الأولى فور أن يظهر آمر بالصرف جديد.
انتهت الحسيمة وصرخاتها والضجيج بمحاكمة مازالت أطوارها تدور الآن، وبعودة معقولة وسليمة إلى سيادة القانون، ذلك الذي قلنا منذ لحظة محسن فكري الأولى إنه يجب أن يسود، ويجب أن يكون الفيصل بين الجميع، وأنه لا فصال في الأمر أبدا.
ثم صنعت 2017 نفسها بالعودة القارية الرائعة إلى البيت الأول لنا: إفريقيا. لسنوات عديدة، بل لعقود وقرون ظل المغربي غير قادر على استيعاب مسلمة بسيطة: أنه إفريقي أولا، وأن الانتماءات الأخرى كلها تأتي في المقام الثاني. ظل المغاربة ينادون أشقاءهم من سود البشرة أو سمرها «الأفارقة» ويتصورون - بسبب قراءة خاطئة للتاريخ - أنهم أوروبيون ضلوا الطريق إلى هاته القارة، وأن معجزة ما ستحدث يوما وستلتصق طنجة بالقارة العجوز، وسنمنح نحن تأشيرات «شينغن» لمن يريد الدخول عندنا.
لحسن الحظ استفاق البلد من هذا الحلم غير الوردي كثيرا، وتذكر أن المستقبل كله يوجد في هاته القارة، وأن الدنيا بأسرها تراهن على دخولها والاستفادة من خيراتها، وأن الوقت قد حان لإصلاح الغلط الذي كان.
استقبلت القارة المغرب وملك المغرب بالأحضان، وفهمنا أن وقتا طويلا قد ضاع في البحث عن أشياء كثيرة، فيما الشيء الأساسي الأول كان بين أيدينا قابعا ينتظر فقط تلك الجملة الرائعة «ما أحلى العودة إلى البيت»، فيما الجيران الأقربون يعضون أصابع الندم، وينتظرون أن يخلصهم الفرج من ضربة الشلل الدماغي، التي جعلتهم عاجزين عن التفكير السليم حتى شرعوا في اتهام الطائرات، بعد أن اتهموا البشر والحجر في الوقت السابق.
صنعت 2017 نفسها بالأمن المغربي وهو يتميز بالضربات الاستباقية مرة أخرى. بلد برجال ظل لا ينامون، ويعرفون أن العين العالمية كلها على ملتقى الحضارة والتاريخ هذا المسمى المغرب، تسأل: «كيف تفعلون لكي تسلموا من هذا الداء الفتاك الذي أصاب العالم كله في مقتل؟».
جواب الناس هنا بسيط: أولا نضع المغرب في قلب العين، ونعرف أن أي مغربية وأي مغربي هو أول حام لهذا البلد الأمين، ثم نضع تجربة رجال ظلنا المتميزة وأداءهم الراقي في خدمة حراسة البلد وأهله ليل نهار، ثم نعزز كل ذلك برفض أي تسريبات خارجية، أو خوارجية لقراءتنا لديننا الإسلامي.
نعتز هنا أيما اعتزاز أن قراءتنا المغربية للقرآن لا تشبه القراءات الأخرى، ونتمسك بالتلاوة الجماعية للآيات البينات، نقرأ اللطيف فيما بيننا ونختم بالمنفرجة، وندعو بصلاحنا والأولياء ورجال البلاد مؤمنين -دون أي شعوذة- أن لكل قلب صوفي صافي عبر هذا البلد نصيب في حمايته، سواء اليوم، أو غدا، أو بالأمس، أو في كل الأوقات.
نفهم أن الذين يريدون منا أن نشبه الآخرين يأملون ذلك لكي ننخرط نحن أيضا في الجوقة، لكننا نرفض ونعلن الاستثناء مغربيا إلى آخر أيام الدنيا، ونقول إن المغرب لوحده، وأن البقية كلها توجد في المكان الآخر
وصنعت 2017 نفسها أيضا بمشكلة حكومية دامت ودامت إلى أن أتاها الفرج المغربي. طبعا تركت في الطريق عابسين وغاضبين حانقين وأناسا كانوا يتصورون أن كوكب المغرب دونهم لن يدور، وكانوا - لفرط الوهم الذي التصق بأذهانهم رغم الذكاء - يعتقدون أنها ستتوقف لديهم هي التي لم تتوقف عند أي منا سواء في أي يوم من الأيام.
في أرض البركة هاته، ودعونا نقتبس قليلا من روح نويل وأجواء الروحانيات، التي تسيطر على المكان وإخواننا المسيحيون يحتفلون بسنتهم الميلادية الجديدة، ونحن نشاركهم الاحتفال الحلال طبعا لكي نقول إن عددا من تفسيرات الأشياء في هذا البلد ترتكز على النية أولا، ثم بعدها تأتي الحسابات.
وفي حكاية الحكومة و«البلوكاج» و«التحكم» وبقية المفردات، التي ملأت الدنيا، وشغلت الناس، كان للنبوغ المغربي النصيب الأوفر في الوصول إلى الحل، وفي استئناف العمل، وفي إعلاء الشعار: أن المغرب يجب أن يواصل المسير، وأن البقية، كل البقية تستطيع أن تتوقف على الناصية، وأن تقيم المآتم ومندبة الرثاء فيما نحن نواصل المسير.
وصنعت 2017 نفسها بفلسطين والقدس، وقرار ترامب الذي أعاد إلى أذهاننا جميعا معنى المدينة المقدسة العتيقة لدى الديانات كلها، يهودية ومسيحية ومسلمة. وصنعت 2017 نفسها بمنتخب الكرة وهو ينتقم لنا من وعثاء عشرين سنة من الخيبات والنكسات، ويعلن الذهاب إلى روسيا صيف العام الجديد فرضا على كل محب للراية الحمراء وهي تعلو الآفاق. وصنعت 2017 نفسها بصراع خليجي بين أشقاء أخذ أبعادا سيئة في إعلامهم، بقي المغرب على الحياد فيه يقول فقط لمن يريد الاستماع إليه إن الزمن هو زمن ائتلاف واتفاق وتعاون، لا زمن هاته الفرقة وكل هذا الشتات. وصنعت 2017 نفسها هنا في هذا البلد بناس هذا البلد، بشعبه الطامح إلى الأفضل، بصوت الاحتجاج إذ يرتفع معلنا أن المغربي حي لا يموت، ببعض أنات السخط على عديد الأشياء، دليلا على أن هذا البلد هو بيتنا الذي يعني لنا كل شيء، وبرهانا على أننا لا نريد أن نرى عنه ولا أن نسمع عنه إلا كل خير.
وصنعت 2017 نفسها بعهد يمتد منذ القديم بين الناس وبين ملكها، تفهم أنه يريد العمل ويريد الخير ويبحث عن صالحين يساعدونه ويذهبون معه إلى ما يريده لهذا الوطن، الذي يستحق فعلا كل خير. وعندما نلمح آثار مسؤولين يمسهم زلزال هنا أو تغيير هناك، نلمح في أعين الناس بهجة مالها مثيل تقول لنا إن من يقدم للمغرب خيرا يجب أن يجازى، لكن من يقدم للمغرب الشر أو يريده به يجب أن يلقى العقاب، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يلعب لعبة ميزان القوى مع البلد وشعبه وملكه، يجب أن يستوعب مسلمة مغربية واحدة: الانتصار لهاته الضفة دون أي شك، والبقاء للبلد الضارب الأطناب في العراقة، والامتداد كله للناس ولحبها لهذا البلد إلى درجة جعله شخصية العام الماضي، وشخصية العام المقبل وشخصية كل السنوات.
سنة ، بل كل السنوات سعيدة للمغرب وللمغاربة.