في مقال نشر في المجلة الأمريكية المتخصصة في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية ‘‘ ذي ناشيونال انتريست‘‘ قدم الكاتب والمحلل السياسي أحمد الشرعي جردا مفصلا للتداعيات الحقيقية لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي نص على اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الإجماع الغربي في رفض قرار الرئيس ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يعزل الولايات المتحدة فحسب، بل ضيع عليها فرصة الاستمرار كوسيط مقبول في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وأجهض آفاق التوصل إلى حل عادل وشامل في المنطقة. والدليل هو عودة الصدامات في فلسطين والمناطق العربية الخاضعة لنفوذ وتأثير إيران، وتنامي المظاهرات الشعبية والتنديد الرسمي في باقي الدول الإسلامية، ما خلص إلى تبني توصية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع ضد القرار.
في المغرب، تباينت آراء الملاحظين السياسيين. فعلى الرغم مما أقدم عليه الرئيس الأمريكي، يعتقد المحللون أن تداعيات القرار الأمريكي قد يقتح المجال أمام دينامية سياسية جديدة، قد تؤدي إلى التوصل إلى حل ممكن. وفي الوقت الذي ترواح فيه مواقف القوى الكبرى في العالم مكانها، تميل الدول العربية، التي تعتبر الضامن التاريخي للعمق الاستراتيجي لقوى الرفض الفلسطينية، إلى تأييد الحلول التوافقية أكثر فأكثر.
وخارج الأراضي التي يسيطر عليها الفلسطينيون أو إيران، فإن المظاهرات الرافضة لقرار ترامب كانت بسيطة ولم تعمر طويلا. كما أعطى القرار فرصة ذهبية للقوى الإسلامية، التي فقدت الكثير من بريقها بعد الصدمة الدموية التي تلت ‘‘بعد الربيع العربي‘‘، للعودة مجددا واحتلال واجهة الأحداث. ومع ذلك، فقد بدا الأمر عصيبا لتجميع أعداد هائلة من المشاركين في ‘‘أيام الغضب‘‘ التي دعت إليها بالمناسبة. هذا الاستعراض الضعيف للعضلات، مهم جدا لآفاق السلام في المنطقة، وحتى في الدول البعيدة جغرافيا عن فلسطين واسرائيل، كما هو حال المغرب.
آفاق تقارب وجهات نظر الرأي العام في دولة مثل اسرائيل، وباقي جيرانها في المنطقة، قد تبدو أكثر وضوحا إذا ما ألقينا بعض الضوء على الإمكانيات التي يقدمها بلد مثل المغرب. فإلى عهد قريب، جاوز تعداد اليهود المغاربة 650 ألف نسمة. خلال الحرب العالمية الثانية، وجد الكثير من اليهود الفارين من الاضطهاد النازي، مكانا آمنا في المملكة المغربية، حيث لعب الملك الراحل محمد الخامس دورا محوريا في حمايتهم من البطش في مناطق متعددة من أوروبا كانت ترزح تحت راية هتلر، وحتى خلال القوس الزمني المؤقت التي باشرت فيه حكومة فيشي الموالية للنازية، تطبيق الحماية على المغرب. أغلب اليهود المغاربة انتقلوا للعيش في اسرائيل، حيث يتجاوز تعدادهم اليوم، المليون نسمة..
سنويا، آلاف السياح الإسرائيليين، بينهم العديد من الوجوه السياسية البارزة ذات الأصول المغربية، يعودون لزيارة البلاد. في تصريحاتهم العلنية، يشهدون يفخر بانتمائهم المغربي، ويتوجهون بالامتنان الكامل للوضع الرسمي لملك البلاد، الملك محمد السادس، كزعيم روحي للمسلمين واليهود. الملك محمد السادس يترأس لجنة القدس، الهيئة العربية المتخصصة في السهر رعاية شؤون هذه المدينة وسكانها. ورده على قرار ترامب، ضمن الردود الأخرى التي عبر عنها قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية، كان رصينا للغاية.
ففي منطقة استشرى فيها الرفض للتاريخ اليهودي للقدس، أكد الملك محمد السادس على أهمية إبقاء المدينة مفتوحة أمام المؤمنين بالديانات التوحيدية الثلاث، ودعا إلى حل للنزاع يراعي حقوق وأمن كل سكانها، والمغاربة يأملون من كل الأطراف، مهما كانت المسافة التي تقربها أو تبعدها من هذه القضية، أن تستجيب لمتطلبات المدينة من خلال روح هذا الرد الملكي. نأمل أيضا أن يساهم المغرب في إيجاد حل ممكن لهذا النزاع الذي عمر طويلا.