سعيد نافع
دقائق فقط بعد تداول وسائط التواصل الاجتماعي، وكبريات المحطات الإخبارية في فرنسا، الفيديو الذي يوثق للاعتداء الذي تعرض له شرطيان بشامينيي سور مارن، في الضاحية الشرقية لباريس، بالضرب المبرح على يد حشد كبير من المحتفلين بليلة رأس السنة، حتى خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتغريدة على حسابه الخاص في تويتر، أدان فيها الاعتداء «الجبان والمجرم» على الشرطيين اللذين «كانا يؤديان واجبهما»، متوعدا المعتدين عليهما بأنهم «سوف يتم العثور عليهم واعتقالهم».
لم يكن الرئيس الفرنسي الوحيد الذي تفاعل بسرعة ما وقع في شامينيي سور مارن، ليلة 31 دجنبر، بل كل الطبقة السياسية والإعلامية في فرنسا، وفي مقدمتها وزير الداخلية جيرار كولومب، الذي قال في تصريح بث على التلفزيون بعد أقل من ساعة عن الاعتداء: «آسف لأن تكون حوادث مثل التي حصلت بالأمس قد وقعت، ولكن في الإجمال فقد تمكن الناس من الاحتفال بليلة رأس السنة بطريقة سلمية». في الوقت الذي أكدت وزارة الداخلية الفرنسية أن عدد السيارات التي أحرقت ليلة 31 دجنبر ارتفع من 935 سيارة العام الماضي إلى 1031 سيارة هذا العام، في حين ارتفع عدد الموقوفين على خلفية أعمال الشغب هذه من 456 العام الماضي إلى 510 موقوفين هذا العام، مع العلم أن السلطات نشرت ما لا يقل عن حوالي 140 ألف عنصر أمن وطوارئ في عموم أنحاء البلاد لضمان سلامة المحتفلين بحلول العام الجديد.
السرعة، التي تفاعل بها الرئيس الفرنسي مع أحداث شامينيي سور مارن تحيل على أولوية العمل الأمني في واحدة من أكبر ديمقراطيات العالم، وتعكس رد الفعل المباشر والسريع لمساندة الأمنيين والدفاع عنهم، بعد كل اعتداء يتعرضون له، لما يكتسيه أداء رجال ونساء الأجهزة الأمنية من حيوية، في الحفاظ على النظام والأمن العام، خدمة للمواطن والصالح العام، وحفاظا على صورة البلاد في الداخل والخارج ثانيا.
في المغرب، وفي أواخر شهر مارس 2017، هاجم مجموعة من الأشخاص عمارة مخصصة لسكن عناصر الشرطة بمنطقة بوسلامة بين إمزورن وبني بوعياش ضواحي الحسيمة، وقاموا بمحاصرتها وإضرام النار عمدا في جميع مرافقها، كما أضرموا النار في حافلة وسيارة لخفر الشرطة وشاحنة لنقل العتاد الأمني، مع تعمد قطع الطريق على آليات الوقاية المدنية لتأخير وصولها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حادث أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 93 شخصا كلهم من رجال الشرطة، أغلبهم اضطر للقفز من سطح العمارة السكنية التي أضرمت فيها النيران، والذي يتجاوز ارتفاعه 10 أمتار. وعلى الرغم من هول الحادث وخطورته، لم يكلف رئيس حكومة تصريف الأعمال عبد الإله بن كيران نفسه عناء الخروج بتصريح، وهو المتخصص في التصريحات المرتجلة التي وزعها يمينا وشمالا بمناسبة وبغير مناسبة، يحمل فيه مسؤولية ما وقع للمعتدين ويتوعدهم بالعقاب، في مساندة غير مشروطة لرجال الأمن المصابين أثناء أداء مهامهم، كما يقع في كل بلدان العالم. ابن كيران لم يكن وحده في هذا الهروب من تقدير المسؤولية، بل كل الطبقة السياسية والمسؤولين الحكوميين في تلك الفترة بما في ذلك رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني الذي يدمن استعمال "تويتر" والذي يتمنى الرأي العام الإنصات لصوته كلما تم المساس بواحد من ضحايا الواجب في أي مكان من البلاد وهم يقومون بمهامهم دون أن يطلبوا جزاء ولا شكورا
ليلة رأس السنة مرت في أجواء هادئة عندنا في المغرب، بعد التعبئة الشاملة، التي وضعتها المديرية العامة للأمن والوطني ووزارة الداخلية بكل أجهزتها، والمصالح الطبية التي سهرت على مدى 48 ساعة كاملة، لضمان انتقال آمن بين سنتين، مع ما يصاحب هذا الانتقال من سفر وتنقل لملايين المغاربة، داخل المدن أو بينها. المغاربة مدينون لهذه التعبئة، وهذا الحرص على الأمن، من خلال الهدوء الذي ميز احتفالات رأس السنة، في ظل وضع أمني إقليمي وعالمي، مهدد بشكل دائم من عصابات الإرهاب، والجريمة المنظمة أو العابرة للحدود.
درس فرنسي صغير قدمه لنا جميعا الرئيس إيمانويل ماكرون وهو يخرج دون أي تحفظ لإدانة فعل إجرامي جبان ضد حماة الأمن ومؤدي الواجب، مذكرا الجميع بصمت البعض هنا لدينا في المغرب كلما كانت الحاجة للإنصات إلى صوته، فيما الشعب كله ينوه بقوة بأداء من يحمون الوطن، والملك لا يفوت أي فرصة في خطبه لكي يقول باسم المغاربة كلهم لهؤلاء الذين لا ينامون لكي يعيش المغرب في أمن وأمان «شكرا».
مجرد ملحوظة لا علاقة لها بما سبق مثلما يقال وكفى.