في هذه العجالة، سنستعرض بعض نماذج المؤامرات التي عرفها التاريخ في ميدان السياسة؛ هذا الميدان الذي ينزّهه الكذّابون، والمضلّلون، و(الطّبالون): [Les tambourins] في تحليلاتهم، وكأنّ ميدانَ السياسة هو ميدانُ ورعٍ وتقوى؛ هذا ما يؤكّده التاريخ بالوقائع، والأسماء، والأحداث.. يقول المؤرّخ [جرجي زيدان] في كتابه: [التمدّن الإسلامي] المجلد الثاني؛ صفحة: (353) مجيبا عن السؤال: [لماذا فاز (معاوية) وأخفق (عليٌّ)؟]؛ فيجيب [بأن معاويةَ استخدم الدهاء السياسي، وعَليّا اعتمد تقوى الدّين؛ ثم أثناء المحاكمة، وظّف (معاوية) داهيةً هو (عمرو بن العاص) فيما وظّف (عليّ) تقيّا هو (أبو موسى الأشعري) وبذلك نجحتْ مؤامرة (بني أميّة)، وفشلتْ شرعية (آل البيت)]؛ ثم أضاف: [مما يدلّ على أن السياسة والدين لا يلتحمان إلا نادرا، وما الْتِحامُهما أيام الراشدين إلا فلتة قلّما يتّفق مثلُها. على أننا لا نعدّ دولة الراشدين حكومة سياسية، وإنما هي خلافةٌ دينية].. (ثم لله في خلقه شؤون)..
ولـمّا كانت هذه هي السياسةَ، فإن المؤامرات أمرٌ وارد دوما بالقوة والفعل؛ فحتى رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، لم يَنْجُ من شرور المؤامرات، ومؤامرةُ [العَقَبة] خير دليل، حيث تآمر بعضهم على استفزاز ناقة النبي الكريم، حتى يسقط من على الناقة إلى هوة سحيقة، ويُقْتَل بدعوى حادث أليم، لإخفاء المؤامرة؛ لكنّ ناقة رسول الله، وبأمرٍ منه سبحانه وتعالى، ظلّت في مسيرها منضبطة، حتى اجتازت الممرّ الخطير في قمة الجبل، وأخبر الله عزّ وجلّ نبيَّه الكريم بالمؤامرة الخبيثة، وبأسماء مَن كانوا خلْفها.. ألم يكن (عمَرُ بن عبد العزيز) ضحيةَ مؤامرة من طرف الباذخين الذين منعهُم امتيازاتِهم، فَدُسَّ له السّم؟ ألم يكتشف العلماءُ مؤخّرا أن [رمسيس (2)] مات مسموما إثر مؤامرة؟ ألم يؤكّد المؤرّخون أن [ستالين] مات مسمومًا إثر مؤامرة سُمِّيَت [مؤامرة الطبيب]؟ فما هو ردُّ الكذَبة بخصوص هذه المؤامرات؟ فالعالم العربي كان ضحية مؤامرات صهيوأمريكية، وكذلك (فلسطين)، وما محاولة نقْل سفارة الأمريكان إلى (القدس) إلا دليل آخر على مؤامرات تُحاك في الخفاء بخصوص هذه المدينة المقدّسة..
في سنة [1917] تخلّى القيصر [نيكولا] عن عرش (روسيا)، ورفض أخوه تَولّي الحكم؛ فقامت حكومةٌ ديموقراطية ترأّسها وزيرُ العدل الأسبق [كيرانسكي]، وكان عطوفًا على القيصر؛ فأبعده إلى [الأورال] في بلدة [يكاتارينبور]، وأسكنه وأُسْرتَه في ڤيلا [هيبّا تييڤ]؛ لكنْ لـمّا اشتدّت الأحداث، والفوضى، وظهر أن الصهاينة الشيوعيين الخونة قادمون إلى الحكم بمساعدة أسيادهم الألمان، وكان على رأسهم [لينين]، بالإضافة إلى زوجته الصهيونية، إلى جانب صهاينة بَلْشفيك آخرين، وهم: [تروتَسْكي؛ وكامِينْيِيف؛ وزينُوفْييڤ؛ وبوكارين؛ وراديك؛ ومارْتُوڤ]؛ أحس [كيرانْسكي] أن الخطر داهِم، وأن القيصر وأسرتَه ليسوا في مأمن، اتصل بابن عمّ (القيصر نيكولا)، وهو ملكُ بريطانيا [جورج الخامس]، ملتمسًا منه استقبالَ القيصر في [لندن] لإنقاذ حياته، وحياة أسرته؛ عندها فقط تحرّك الصهاينةُ، ومنعوا الملكَ منَ السماح للقيصر بالمجيء إلى [بريطانيا]، وحذّروا البلاطَ الإنجليزي من استقبال قيصر مُطاحٍ به، لأنّ ذلك سيؤثر على الشعب، وستكون الملكيةُ البريطانية في خطر، فرفض الملك [جورج الخامس] مجيءَ ابن عمِّه إلى [لندن]، ونجحت المؤامرة، وانتهت بقتل القيصر وأسرته، وفرّ رئيسُ الحكومة [كيرانسكي] إلى [أمريكا] وأطبقتْ كمّاشةُ البلاشفة على [روسيا]..
قد يقول القارئ الكريم: هل من مزيد؟ قُلْ للقارئ الكريم: نعم؛ وبكلّ تأكيد.. أرسلتْ شقيقةُ الملِكَة [ماري أنطوانيت] لأختها عددًا من الرسائل تنبِّهها فيها بوجود مؤامرة تحاك ضد العرش؛ ولكنّ [ماري أنطوانيت: 1755 ــ 1793] لم تصدِّقْ.. وقد بيّن التاريخُ مدى الخطإ الذي وقعتْ فيه الملكةُ برفضِها الاهتمام بتحذيرات أخْتها فصارت بنفسها وبزوجها الملك [الويس 16] إلى المقصلة.. كم لفّقوا التهمَ ضدّ [ماري أنطوانيت]، وصوّروها للشعب امرأةً لعُوبًا وفاسقةً، انساقتْ وراء تيّار المرح، والملذّات الذي كان يسود البلاط الفرنسي.. لقد برهن المؤرّخون اليوم، أن الروايات المروية عن [ماري أنطوانيت] ليست إلا أكاذيب، وتلفيقات، كان يرسمها المدعو [بَالْسامو] وزملاؤه.. يؤكّد لنا هذه الحقيقة الصبر الشديد، ورباطة الجأش الذي قابلت به هذه الملكةُ مكائدَ أعدائها، والأنفةَ التي واجهت بها مصيرَها والشجاعة التي تحلّت بها عند تقديمها للمقصلة، وهذه صفاتٌ لا يمكن أن تكون لامرأة خليعة ماجنة.. اُنظر كتاب [أحجار على رقعة الشّطرنج] للمؤرّخ [ويليام كار]؛ ص: 83 و84؛ لمن شاء الاطّلاعَ بنفسه إذا لم يصدّق.. هل هناك المزيد؟ نعم؛ لكن غدًا إن شاء الله.