طه لمخير
على أي إيقاعات الخراب والفتنة المزمنة ترقص هذه الأيام جماعة العدل والإحسان وربيبتها جماعة هسبريس؟
بعد الريف تبدو المنطقة الشرقية على الحدود مع العدو الشامت مغرية بالركوب الإسلامي والإعلامي للجماعتين، عناوين تهز العالم هزة صحفية، تصريحات تهدد بجمعة غضب، استغلال مغرض للمصطلحات والإسقاطات المشرقية، عناصر عدلاوية مشبوهة تندس وسط الحشود بشعارات فتنوية ليست في حسابات السكان.
لعلها من أمتع اللذات وأبهجها عند الجماعتين أيام الكوارث التي تحل بالناس، فإن طعم موت شابين في مقتبل العمر في بئر للفحم يهيج سعار الجوع الأيديولوجي والابتزاز الإعلامي للحوادث الأليمة، جنون الحاجة إلى تصعيد يتجاوز حدود الأزمات التنموية وفساد بعض المستغلين إلى أزمة وطنية تهدد استقرار الأمة،وكل الناس بعد ذلك أدوات القومة وسوء المصير،وأدوات لزيادة أعداد الزائرين ونقرات الناقرين.
كلا الجماعتين لا خلاق لهم، حفنة من الاستغلاليين عراة من المبادئ والمسؤولية الوطنية، هسبريس من جهتها لا تمانع من أجل زيادة عدد زوار موقعها من أن تأتي بهم من المواقع البرنوغرافية وأسِرّةِ الدعارة والمناكحة، كما سبق وأن أوضح ذلك بالدليل موقع "شوف تيفي"، ورغم تلك الفضيحة المدوية لم ترعو جماعة الإعلام المطعم بالبورنوغرافيا والأكل من عرق البغايا؛ عن كراء حيز من موقعها ماخورا لعرض اللحوم البيضاء "لبنات المسلمين" في قمصان النوم الحمراء.
فالبارحة فقط تطالعك الخانات الإعلامية على الموقع "المحافظ" بمناظر الخلاعة لنساء عاريات يرقصن و صدورهن تكاد تقفز من "السوتيانات"(الحمالات)، مؤخرات وأرداف تهتز اهتزاز الأغصان الرطيبة لمراهقات عربيات تتراقص بين ثنايا الأخبار والمقالات، فلا يدري معها القارئ أهو موقع "للثقافة" والأخبار أم دعوة الزائرين للاستمناء وهم منهمكون في مطالعة جديد الموقع، إقرأ واستمني!!.
نفس المنطق يسري في المتاجرة بمآسي البؤساء فلا يكفي الجماعة الهسبريسية جثتين في منجم للفحم حتى ترى المغاربة كلهم جثث متفحمة تمشت فيهم الفوضى والدمار الفتنوي الشامل، فترى الجريدة الإلكترونية تكذب على الحوادث وتنفخ في زند الهياج الشعبي، فجزاء سيئة واحدة هو فتنة شعب بأكمله.
أيُرَدُّ أمثال هؤلاء الأجلاف المتسكعين في الفضاء الافتراضي إلى العقل والأمانة المهنية، بعد أن هوى كوكب سعدهم في أودية النقرات الآتية من دنيا العوازل الطبية والآهات الجنسية، في كل عنوان كاذب، ومقال ملغوم من عالم يخدم بروباغاندا القومة و الإعلام المستمني تُعصَرُ من حروفه الدراهم المصبوبة، فكل رزية وفاجعة يُستخرَج من أضلاعها حراك، وحتى لو أن أحدهم سخِطَته زوجته لنسب ذلك إلى الدولة و جعلها مناسبة لحراك، متى سيستقر هذا الوطن ليبني نفسه إذا؛ والنَّاس لا يكفون عن التجمهر والخروج في كل نازلة؟.
الدفاع عن الحقوق ومحاربة الفساد في الدولة واجب وطني، لكن هل ترك المتاجرون بالإعلام وإخوانهم المنظرون للزحف مكانا للنضال المتجرد من كل غاية إلا الإصلاح والبناء، لأننا أصبحنا لا نبصر ما وراء هذه الظاهرة الحراكية ولا نعرف في أي موضع تَقِرّ؛ أهي إلى نظام أم إلى فوضى؟ فما تراد لنفسها أكثر مما تراد لغيرها.
وهكذا لا تجد الإعلام إلا نعمة ناقصة، ولن تتم هذه النعمة إلا إذا رزق من يتصدى لإعلام الناس وإخبارهم أخلاقا تكفيه شرّالكذب، وأمانة تمنعه من الإرجاف بالباطل، و شرفا يرتفع به عن أخلاق نجوم البورنو وتضليل نجوم البورنو الذين لا يهمهم إلا بريق الدراهم.
أما جماعة الطهر والعفاف، جماعة الزيف و البهتان، فهي تسلك هذه الأيام الأخيرة سلوكا شبيها بجماعة "البورنبريس"، جعلت من قضية القدس شماعة للخروج والتظاهر المستمر منذ أكثر من عشرة أيام، وكأن ترامب مقيم في المغرب يسمع ويرى، وتجعل خروجها متماهيا مع أزمة جرادة، فهم يخرجون بزعمهم لأجل القدس-وللمصادفة في الجهة الشرقية مثل وجدة- لكن شعاراتهم في واد جرادة وركوب جرادة، قاتل الله الاستغلال والابتزاز وقبحه، فما هو إلا حرص على المنفعة يشبه عبادة الوثنيين لكل ما توهموا فيه المنفعة، وما بهم جرادة وما بهم شهيدا المنجم، ولكنه داء القومة.
يذكر عميد كلية القاهرة في السبعينات، عندما فلق رأسه الإسلاميون بالمظاهرات العنترية الجامعية من أجل القدس، ذهب إليهم وقال ما هي طلباتكم؟، فقالوا نريد ان نجاهد لتحرير القدس، فأمر لهم بثلاث حافلات فأتى بها إليهم وقال لهم هذه الحافلات ستأخذهم إلى الحدود مع إسرائيل فاركبوا، فلم يركب أحد.
ولو كان في المغرب استبداد مثل ذلك الذي نراه في المشرق، لأنصفتهم القوانين ولجعلت من نصوصها القاطعة ما يكبح مثل هذا الفجور في الاستغلال والسعار الاحتجاجي لجماعة تريد الإرهاب وتطلبه من شقوق المطالب الاجتماعية، وأبواب الحاجة والفقر لأنهم في الحقيقة ليسوا طلبة إصلاح ولكنهم دوابٌّ مسروجة في يد كهنة القومة.
عقلية صناعة البورنو وسياستها إذا، على ضوء سراجها الشهواني الحيواني تسير جماعة المتاجرة بالدِّين وجماعة المتاجرة بالشائعات الزائغة، عالم من الفبركات التي تخاطب غرائز الناس ومشاعرهم، تضخيم جبار للوقائع والصور، اعتماد مركزي على أساليب الإثارة وعناوين الإغراء، جِماع معنوي يتناول الأحداث من جهة الشذوذ والانحراف، الإعلام بالمؤخرات، والقومة باستمرار المظاهرات واتساع رقعتها…
لؤم المال ووهم التعاسة، وكل مُسخّر في خراب الديار؛ قلوب أهل البغض في قلوب أهل الفوضى وثالثهما البورنو الإعلامي ومهنية المؤخرات المفبركة، ومن ثم فلا عجب أن يكون مركز الثقل في الأخبار ما يجعل الموقع والجماعة في حال انتصاب دائم وانبعاث مسترسل وتدفق غزير، وطول العمر في لسان كاذب، وخبر ملفق، وكيد بين السطور، وكثرة المال في انعدام الضمير.
ولكن الرغبة تجري فيهم متخطية كل الحدود، ومتى ما طغت الحاسة الميركانتية في الإعلام الهسبريسي و الحاسة الجهادية في الجماعة؛ ترامى كلا الفريقين إلى أبعد مدى يمكن أن يحقق به صاحب الإعلام أرقاما خيالية من الرواد، وصاحب القومة ما يحقق له إرهاصاتها بين الحشود.
فلا حدود لفجور المال وجنون دوغمائيات "الإمام" المرشد ما داموا هم لا يثبتون لأنفسهم حدودا، ويعيشون ملهاتهم بمأساة غيرهم، لا يَرَوْن فيها إلا صرافا آليا أو وقودا للفوضى، ولا تزيدهم تجارب المجتمعات المشرقيةالمَصلِيّة بنار الدمار والقتل والتشريد إلا شَرَها وضرواة، ويرون مركز الكون في دائرة الدرهم، و خلاص العالم في قومة خمينية، حتى ولو كانت على حساب النهود العارية والجثث المتفحمة، ويمضون على ذلك إلى ما شاء الله.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.