عندما اندلعت ما يسمى ثورات الربيع العربي، انطلت الحيلة على الكثير من الناس. طبعا هناك احتقان اجتماعي ورغبة في التغيير لدى العديد من الشباب. لكن الحركات والتيارات التي تتقن الصفقات هي التي استفادت من التغيير. حتى لو خرج الشعب برمته يمكن أن تسيطر عليه حركة منظمة. هذه قاعدة في علم الاجتماع السياسي. يقول المفكر الإنجليزي توم بوتومور "الأقلية المنظمة تسيطر على الأغلبية غير المنظمة وإذا أرادت هذه الأخيرة أن تنتظم فإنها تخلق أقلية".
بدأت اللعبة الدولية والصفقات من تونس. أكبر حركة منظمة في هذا البلد كانت هي حركة النهضة، فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وبعد أن ذهب زين العابدين بنعلي، الرئيس التونسي الأسبق إلى حال سبيله، في إطار صفقة واضحة المعالم، وودعه الجنيرال رشيد عمار وأركبه الطائرة المتوجهة إلى جدة، نهض من يعرف كيف تؤكل الكتف.
لقد قضى راشد الغنوشي، رئيس النهضة، حوالي 20 سنة في المنفى بين فرنسا وبريطانيا، وبعد رحيل بنعلي، لم يعد إلى تونس التي كان مفروضا أن يكون مشتاقا إليها، ولكن أدى فرائض الحج إلى مقر منظمة الايباك بأمريكا، وهي منظمة صهيونية معروفة، وألقى فيها خطابا، ومباشرة من أمريكا توجه إلى الدوحة، عاصمة الربيع العربي ومأوى الفوضى والتخريب، ومن ضمن ما قاله إن فلسطين ليست أولوية بعد أن تاجر بها لسنوات.
يعني عاد الغنوشي في إطار صفقة كبرى، قوامها الأمريكان والإنجليز والقطريون وبعض الفرنسيين، فتمت له الهيمنة المطلقة على الشأن التونسي، وأصبح هو الآمر الناهي إلى درجة وضع صهره على رأس الخارجية.
وبعد أن كان له ما أراد تسرب فيديو يجمع بين الغنوشي وأبو عياض، زعيم أنصار الشريعة، التي هي فرع تنظيم القاعدة بتونس، يحثهم على الصبر حتى "التمكين" ثم ينفذون ما يؤمنون به. وتكلفت أنصار الشريعة برعاية حزب النهضة وحمايته ببعث مجاهدات النكاح إلى سوريا، حتى أصبحت تونس أول بلد يصدر الإرهابيين والإرهابيات إلى بلدان التوتر.
واشتهر هذا البلد، المعروف تاريخيا بالانفتاح، بأنه أصبح بلدا للمتطرفين وتحت سيطرتهم. لسنا ممن يطلق الأحكام على عواهنها ورمي التونسيات بما ليس فيهن. ومنهن المناضلات والطبيبات والمفكرات والجامعيات والرائدات. لكن الحديث عن تونسيات غررت بهن السلفية الجهادية ودعمتهن حركة النهضة خدمة لأهداف راعية الربيع العربي. وساهمت في التخريب والتدمير. وفي تصدير الإرهابيين إلى بؤر التوتر وحتى غير بؤر التوتر.
مرحلة جهاد النكاح شارفت على النهاية، والحرب في سوريا على أهبة النهاية وفي العراق لم تبق إلا مرحلة التطهير، وبالتالي ستكون الوجهة ليبيا بعد أن خبت وجهة الروهينجا، لكن المساحات أصبحت ضيقة.
الإرهابيون ليسوا ذوي قناعات. قد يكون منهم مرضى ومنهارون اجتماعيا ومكبوتون يسعون للتعويض. فالإرهابيون أدوات وظيفية في يد من يملك القرار وبالتبع من يملك المال. قطر التي تعاني اليوم من مقاطعة جيرانها تريد أن تلعب كل أوراقها. وبعد توظيف التونسيات في جهاد النكاح تسعى اليوم لتوظيفهن في جهاد الطائرات. وليس غريبا أن يتم ضبط مجاهدات نكاح سابقا في إطار سعي لتفجير طائرة إماراتية حسب ما كشفت مخابرات أجنبية.
طريقة رعاة الإرهاب هي اللعب به إلى آخر مرحلة. والصراع بين قطر وجيرانها منصب حول تمويلها للإرهاب وتوظيف الإرهابيين في تحقيق أحلامها التي نفخت فيها قناة الجزيرة كثيرا. وما دامت تونس لم تخرج عن نطاق سيطرة الدوحة فإن التوظيف ما زال قائما. فالنهضة ما زالت مسيطرة. تراجعت إلى الوراء لأن الإجماع التونسي تربى على الانفتاح. فتوافقت على رئيس من عهد بورقيبة. لكن مقابل الإمساك بخيوط اللعبة.