قبل أربع سنوات حل خالد مشعل، وكان حينها رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، ضيفا على حزب العدالة والتنمية وحضر الجلسة الافتتاحية لمؤتمره السابع. كتبنا حينها أن الحزب يحاول تحويل مشعل إلى نجم وأسطورة، وهو نجم لأنه يعرف كيف يعزف على الوتر الحساس لدى القادة والشعوب. السؤال الذي طرحناه ونطرحه اليوم: لماذا كل الاحتفال الفولكلوري بخالد مشعل؟ وهل نحن في حاجة إلى دروسه؟ لقد دعا خالد مشعل٬ الزعماء العرب إلى الاقتداء بالنموذج المغربي في التعاطي مع "الربيع العربي". وفور نزوله من الطائرة شرع في خلط أوراق "الكارطة". قال إنه جاء إلى المغرب من بوابة الملك. الملك رئيس دولة. ومشعل متعلق بالكاد في حركة حماس التي شرعت في طريق العودة إلى حضنها الأصلي. هو ضيف عند العدالة والتنمية، قد يكون الحزب استشار مسؤولين في الدولة. وهل ينتظرون أن يقول لهم أحد: لا يدخل؟
من المؤسف أن تتسابق الأحزاب السياسية على استقبال مشعل وكأنه قيمة مضافة في تاريخ المقاومة، وهو اليوم رجل الصفقات منذ أن وصل إلى قطر. البلد الذي يصله مشعل يمدحه. مدح الأردن وإيران وسوريا وانقلب عليها. رجل متقلب لا يؤمن مكره.
فمشعل لم يكن شيئا يذكر ولما كان في الأردن كان ممنوعا من العمل السياسي، وأصبح له شأن عندما تأسس مكتب لحماس في دمشق وفتحت لهم سوريا الأبواب. وبعد بدء الأحداث في سوريا كان أول من فر.
لا أجازف حين القول إن حماس تورطت في الجهاد. فالفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين كان إلى حدود الثمانينات يعتبر العمليات الجهادية تهورا. وأكثر من ذلك أن قادة من الجهاد الإسلامي اعتبروا حماس مؤامرة إخوانية سلفية ضد تجدرهم في القاعدة الشعبية لفلسطين. فهذه الفولكلورية التي استقبل بها مشعل سواء من العدالة والتنمية أو مجموعة من الأحزاب السياسية لا تعادل مقامه الحقيقي.
ينبغي أن نذكر مشعل والمتهافتين على استقباله أن المغاربة ليسوا في حاجة لمن يذكرهم بفلسطين. وقد اتخذ منها اليسار الراديكالي رافعة نضالية. وشهداء المغرب دفاعا عن الأرض المقدسة غير مجهولين ورفات الجنود المغاربة الأبطال مبثوثة في التراب العربي. والدم المغربي سقط من أجل فلسطين قبل أن يكون مشعل وقبل أن تكون حماس المتورطة في الجهاد والتي أصبحت حزب سلطة وكراس. فالمغرب أكبر من أن تنطلي عليه حيل "الصفاقجية". والنضال الفلسطيني كان قبل مشعل وحماس وسيبقى بعدها إلى أن تتحقق أهداف حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وهنيئا لمشعل بالثورة والثروة وثبا لكل "الصفاقجية".
فبعد أكثر من ربع قرن من الشعارات الكبيرة، عادت حركة حماس، فرع الإخوان المسلمين بقطاع غزة، لتقبل بدولة على حدود 1967، وهي الحدود التي قبلتها منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تعتبر لدى الإخوان خائنة للشعب الفلسطيني، ولطالما اعتبروا القائد ياسر عرفات مجرد بائع للأرض الفلسطينية رغم أنه رفض إملاءات إسرائيل فقتلته.
إقرار حماس بإقامة دولة على خطوط الرابع من يونيو هو اعتراف كامل الأركان بالكيان الصهيوني، ونهاية الأسطورة التي تمسكت بها، ومهما مارست من لف ودوران وتسطيح يمكن أن ينطلي على السذج فقط فإن الوثيقة تعلن نهاية حماس، التي تأسست في غزة وتدربت في معسكر الزبداني بسوريا، وميلاد حماس، التي عقد مؤتمرها بالدوحة عاصمة قطر وعاصمة "الربيع العربي" برسم التنازلات والتخريب.
لقد مارست حماس تضليلا خطيرا تمكنت من خلاله من شيطنة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، باعتبارها قد تخلت عن حقوق الشعب الفلسطيني، واليوم تعود لتبني شعارات المنظمة والسلطة مع مجرد اختلافات بسيطة في أدوات الإنجاز.
لقد اتضح اليوم أن تنظيم الإخوان المسلمين ليست لديه مشكلة مع إسرائيل، والكثير من مقاتلي أحرار الشام، وهو جناح مسلح لتنظيم الإخوان بسوريا، يتم علاجهم في المشافي الإسرائيلية بالجولان السوري المحتل. ولهذا تبقى الشعارات المرفوعة هي من أجل دغدغة عواطف المسلمين الذين يعتبرون قضية فلسطين قضيتهم المركزية.
فلسطين ليست شأنا إخوانيا. هم جعلوا منها سجلا تجاريا. المواطن المغربي البسيط الذي يذهب إلى البنك ودون أن يراه أحد ويضع مبلغا مهما في حساب بيت مال القدس هو المناضل الحقيقي.