في كل مرة ألتقي فيها إحدى زميلاتي في العمل ونتجاذب أطراف الحديث عن كل شيء كما لو أننا أساتذة باحثين في كل شيء، أقول في كل مرة تحدثني عن أن الدراسات أثبتت بأن كل لغات العالم وطنية أو محلية إلى زوال، وأن اللغة الوحيدة التي ستظلل في النهاية أطراف الكون، وسيتواصل بواسطتها البشر..كل البشر،هي اللغة العربية.. وبالتالي فإن المجد النهائي سيكون لصالح أصحاب لغة الضاد، . العرب... وفي سياق التمني دائما، وربما الاتكالية والكسل الدائم، هناك كثيرون ممن يتحدثون عن أن راية الإسلام لا محالة في النهاية مرفرفة على جل بقاع الدنيا، وأن اليوهودي، والمسيحي، واللامتدين.. والذين يولدون في الأصل مسلمين لا محال سينتهون كذلك...تماما كما أننا ولدنا من تراب، فإليه نعود...
جميل...
إن المتتبع للقنوات التلفزية المسيطرة على المشهد العالمي خاصة الجانب السياسي اليومي فيه، لا شك يلاحظ كيف أن بعض المحللين الإسرائيليين، والأوروبيين والروس والأميريكان، كيف أنهم لم يعودوا عند استضافتهم محتاجين لمترجمين معتمدين من طرف القنوات التي تستضيفهم بل أضحوا يتحدثون باللغة العربية الفصيحة، محترمين في ذلك ضوابطها النحوية والصرفية والتركيبية...وحتى أفضل بكثير من أكاديميين من أهل لغة الضاد كما نجد آخرين ملمين بالإسلام ويستشهدون بما جاء في القران وما جاء به رسول الإسلام محمد "ص" ...أما معتنقي الإسلام الجدد من الغربيين... فتجدهم الأكثر تمثلا لتعاليم الدين الإسلامي سواء في شعائره أو الأخلاق التي يدعو إليها...
أفليس إذن من المنطق والحالة هذه أن ننتبه ، بل أليس حريا بنا أن نتساءل أي دور سيكون لنا في حال عمت اللغة العربية الكون وأضحت لغة ساكنيه؟ ، وهل ستعمم بنا أم بالذين يتعلمونها من غير أهلها؟، و أليس حريا بنا التساؤل أيضا فيما إذا عم الإسلام أرجاء الكون، هل سيحصل ذلك بمجهداتنا نحن أهل الإسلام؟؟، أم بفضل المعتنقين الجدد؟؟، وبالتالي سنكون نحن أهل اللغة العربية والإسلام، لا محالة صفرا على الشمال تماما كما نحن عليه الآن، وسنخرج من هذه الدنيا "بلاحمص"...
ولكن ما محل .ضابط..إيقاع من الإعراب..؟؟
السياق الذي تستعمل فيه هذه العبارة معروف ومع ذلك سأجتره، ففي مجلس ما دخل الجالسون في لعبة التباهي بالنفس، ، وكان منطلقها مهنة كل واحد.. إلى أن وصل الدور على المتحدث ما قبل الأخير، فقال لجلسائه أنه ضابط.. فانبرى المتكلم الأخير ، والله.. أنا أيضا ضابط.فأمطره بوابل من الأسئلة حول إطار الضابط ومهامه، فتعذر عليه الإجابة.. وما كان عليه سوى البوح بأنه فعلا ضابط لكن "ضابط إيقاع في فرقة موسيقية..
في اعتقادي هذه هي اللغة العربية التي نمارسها الآن، ونتسلى بممارستها ليس فقط على مستوى بنائها بل أكثر من ذلك على مستوى معانيها... فلقد تشابهت علينا اللغة العربية.. وكلما تزودنا بكثير من مصطلحاتها عبثنا بها..حتى أفقدنا كلماتها وعباراتها معانيها ومقاصدها...وقد تجدنا نستعمل الكثير من المصطلحات في غير موضعها... قد نفعل ذلك عن قصد وقد نفعل ذلك عن جهل، أما إذا كنا نفعل ذلك عن جهل فتلك مصيبة، وأما إذا كنا نفعل ذلك عن قصد ودراية فتلك الطامة الكبرى ، وهذا خير دليل على أنه لن يكون لنا أبدا ومطلقا أي دور في حال صحت الدراسة التي تحدثني عنها زميلتي في العمل.
وبعيدا عن الأخطاء التعبيرية والإملائية التي أضحت وجبة في أحاديث المتحدثين باللغة العربية،أو الذين يكتبونها.. فإننا أخذنا نعبث بالألقاب ونزنها بغير ميزانها ونضعها في غير موضعها، قد نتجاوز في ذلك على ما يحدث عبر الفضاء الأزرق ما دام الكل يعتره عالما افتراضيا، أين تهدى الألقاب بغير حساب، فمن فاعل جمعوي، إلى فاعل حقوقي، إلى فاعل سياسي، إلى بطل عالمي، وفنان هليودي، وأستاذ..هذا الاسم الذي طالما ارتبط بمهنة المحاماة والتدريس، تجده على لسان كل شخص، ويكفيك إذا أردت أن تصير أستاذا أن تذهب عند أقرب بقال فتسمع" أش حب الخاطر أستاذ" ..." أجي أستاذ راه الحوت جديد" لا بل قد يمنحك الفضاء الأزرق صفتين في أن واحد " أستاذ باحث" المشكل هو أن هذه الصفات والألقاب لم تعد حكرا على الفضاء الأزرق ، العالم الافتراضي.. وهذا هو المشكل، ففي لقاءات وندوات وأيام دراسية، أدبية أو سياسية تطالعك في الملصق الإشهاري، عبارة "فلانة أستاذة باحثة" أو "فلان أستاذ باحث" بل ويتم تقديمها وتقديمه على هذا الأساس !!! وبالتأكيد ليس لها ولا له مع البحث سوى الخير والإحسان...اللهم إلا إذا كان على غرار "ضابط... إيقاع "...باحث على طريف ديال الخبز؟؟؟
السعيد بنلباه