الصادق بنعلال.
إن ما يبرر وجود " الإسلام السياسي " اليوم، أعني وجوده التاريخي، هو الاستبداد و الظلم .. اللذان لم تنجح التيارات الأيديولوجية الحديثة – في البلدان العربية – في مقاومتهما و فرض البديل الديمقراطي مكانهما : محمد عابد الجابري
مرة أخرى يطلع علينا القيادي في حزب الوردة ، السيد يونس مجاهد بمقال صحفي ، تحت عنوان الاغتيال كعقيدة ، ليوجه " انتقاداته " المعهودة إلى الخصم الخصم السياسي الممثل في الإسلام السياسي المعتدل ، و الذي اختارته "القوات الشعبية " كهيئة سياسية أولى في مختلف الأقطار العربية ، أثناء مختلف الاستحقاقات البرلمانية و الأهلية ، و في مناخ من النزاهة و الحرية و الاستقلالية . و الواقع أنه من حق السيد مجاهد و غيره من " المجاهدين اليساريين " أن يعبروا عن مواقفهم و وجهات نظرهم إزاء قضايا المجتمعات العربية السياسية و الدينية و الثقافية و الاقتصادية .. لكن بقدر يسير من الموضوعية و الحياد و الانحياز للعقيدة الديمقراطية .
و مقال السيد مجاهد المشار إليه أعلاه ، نموذج دقيق للكتابة الصحفية غير الموفقة ، إذ يمكن أن يدرس في المعاهدو المؤسسات الإعلامية كمثال للصوغ الصحفي المختل ، فهو عبارة عن مسكوكات و تراكيب لغوية مفعمة بميكانيزمات الإنكار و الحسم و التعميم ، و قمع الصوت الآخر ، عبر مونولوجية إعلامية استئصالية إلى أبعد مدي ! و هكذا حسب زعمه و بجرة قلم ، " يتلازم تاريخ حركات ما يسمى بالإسلام السياسي ، بقتل المثقفين و السياسيين اليساريين و الصحفيين " ، و من المعروف أن السيد مجاهد مجرد صحفي ، مع كامل احترامنا و تقديرنا لمهنة المتاعب ، و اعتزازنا بالمهمة الرفيعة التي تقوم بها خدمة لتنوير الرأي العام ، و لا يُعرف بإنجازات بحثية جامعية أو أكاديمية رصينة تخول له أن ينتهي بخلاصات بالغة الخطورة من قبيل : " إن كل حركات الإسلام السياسي ، تتبنى نفس هذا الفكر ( الفكر الظلامي الهمجي ) " . إن مثل هذه الاستنتاجات تستدعي دراسات علمية و مطارحات استدلالية أكسيومية فوق طاقة صاحب عمود بالفصيح ! إننا لا ننزه التيارات الدينية الإسلامية و غيرها عن ممارسة العنف في سياقات تاريخية نوعية ، و تجاذبات سياسية مخصوصة ، و نحن إذ نند بكل أنواع الإرهاب و القتل المجاني للأبرياء ، و نطالب في كل وقت وحين بأولوية حرية الرأي و التعبير ، فإننا في الآن عينه ، نرى مثل ما يراه غيرنا من رجال الفكر و السياسة النزهاء أن الإرهاب لا دين له ، و أن ما يميز مجتمعاتنا العربية الراهنة من مظاهر التخريب و التدمير الذاتيين ، هو نتاج لمسلكيات الفساد و الاستبداد ، و بعض الجماعات الدينية المتشددة البعيدة كل البعد عن جوهر الإسلام العظيم ،و إفراز لمخططات إقليمية دولية تستهدف أي نهوض ينحو نحو الاستقلال التاريخي للأمة العربية ، سواء كان ذلك على يد القوميين أو الليبراليين أو الاشتراكيين أو الإسلاميين المعتدلين !
نتفهم الوضع السيكولوجي غير المريح للسيد المجاهد و رفاقه ، خاصة و هو يرى بأسى و حسرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الذي كان في الماضي القريب أقوى هيئة سياسية عربية و إفريقية ، يتهاوى على حلبة المشهد السياسي المغربي ، دون مقاومة تذكر . إن صاحب هذه الأسطر أول من يتألم لهكذا وضع مأساوي لحزب المهدي بنبركة و عبد الله إبراهيم و عمر بنجلون و عبد الرحيم بوعبيد و عبد الرحمن اليوسفي ، الإطار السياسي الذي لقننا دروس الاحتماء بالقيم الإنسانية النبيلة ، و الذود عن تطلعات القوات الشعبية نحو الكرامة و العدل و الحرية ، و بناء دولة وطنية ديمقراطية تسع جميع مكونات المجتمع المغربي ، بعيدا عن أي إقصاء أو استئصال . و كان من الأولى على السيد مجاهد أن يتوقف عن التحريض على منافس سياسي يمكن الفوز عليه بطرق شريفة ، بدل طرق أبواب التزلف و الابتزاز ، و أن يخصص عموده بلغة عربية "فصيحة " لقراءة جديدة و مثمرة للمنجز السياسي الاشتراكي ، من أجل وضع حد للممارسات الفردية البائدة داخل " حزبه " ، و إقرار ديمقراطية داخلية حقيقية ، و التأكيد على تداول النخب الجديدة و الشابة على وجه الخصوص على تحمل المسؤوليات النوعية ، و التصدي لجيوب مقاومة التغيير و التجديد ، و على السيد مجاهد مرة أخرى أن يتجنب رمي الآخرين بالحجارة خاصة أن بيته من زجاج بالغ الهشاشة !