ماذا يجري في جرادة؟ ولأي سبب يقع ذلك؟ ومن يقتسم المسؤولية؟ وما وجه الشبه بين مقتل محسن فكري، بائع السمك في حاوية أزبال ووفاة شخصين أثناء التنقيب عن المعادن بجرادة؟
قبل عشرين سنة قال بنهيمة، وكان حينها مديرا عاما للمكتب الوطني للكهرباء، في حوار صحفي، إن جرادة مجرد حي صناعي، وتم حينها تنظيم وقفات احتجاجية ضد وزارة الداخلية، التي كان على رأسها إدريس البصري، وكان بنهيمة يريد القول إن هذه المدينة تأسست لإيواء العاملين بمناجم الفحم وليست مدينة للاستقرار نظرا لنسبة التلوث المرتفعة، التي يخلفها استخراج الفحم.
ويمكن القول إن هناك مسؤولية من قبل الحكومات السابقة التي لم تفكر في حل لقاطني المدينة الصناعية، وذلك عقب إغلاق المناجم، فكان لزاما القيام بأحد الحلين، إما إخلاء المدينة من سكانها، الذين هم وافدون أصلا للعمل وليس للاستقرار، حيث كان معروفا أنهم يتوجهون في المساء إلى مدينة وجدة لاقتناء حاجياتهم، أو تأهيل المدينة وتحويلها إلى مركز حضري تتوفر فيه كل مقومات الاستقرار. لكن المدينة بقيت "بين بين".
كان بالإمكان العمل على تحويلها إلى مدينة لها مقومات الوجود، واستغلال إمكانياتها الطبيعية في خلق صناعات محلية مدرة للدخل، ووضع البنيات اللازمة من طرقات ومستشفيات ومدارس وخلق أسباب البقاء بدل الهجرات المتعددة واضطرار البعض للمكوث في ظروف توحي بالتهميش.
اليوم تعود المدينة للواجهة. فهل هذه العودة طبيعية؟ من الأمور العادية جدا أن يحتج الناس ضد التهميش وغياب الخدمات. لكن من غير العادي أن ينهض سياسيون مستغلين الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، في محاولة يائسة لإعادة أزمة الحسيمة ونقلها إلى جرادة. والدولة من خلال مؤسساتها استطاعت التعامل بجدية ومرونة كبيرة مع ملف الحسيمة، من خلال محاسبة المتورطين في تعطيل مشروع الحسيمة منارة المتوسط ومعاقبة حتى المتسببين في وفاة محسن فكري ومعاقبة من أراد استغلال الوضع لأغراض سياسية وأجندات متعددة.
سياسيون تم تجميدهم نتيجة أخطائهم المتكررة يحاولون اليوم إعادة سيناريو الحسيمة إلى جرادة، وذلك لتحقيق أغراض متعددة، أولها مواصلة مشروع ضرب مؤسسات الدولة ثم تحقيق أغراض هامشية الهدف منها البقاء على قيد الحياة السياسية.
نعم هناك الاحتجاج الطبيعي، الذي لا يمكن بتاتا انتقاده، مثلما حصل في الحسيمة، فقد كان هناك من يحتج من أجل مطالب مشروعة وعادلة لكن كان من يحاول تحريك الاحتجاج نحو تحقيق أهداف أخرى وخدمة أجندات ملتبسة.
المحتجون الحقيقيون يعودون إلى مواقعهم مع بدء الحوار، والاستجابة لمطالبهم تتم بهدوء، بينما أصحاب الأجندات يرفضون الحوار من أصله ويصعدون إلى جبل التفاهات حتى لا يعودوا. في جرادة هناك تهميش يريد أن يخلق منه البعض بعبعا.
ليس من المنطقي في شيء أنه كلما حدث حادث في منطقة ما نطالب بإسقاط الدولة من خلال تسفيه مؤسساتها. من يبحث عن حلول جدية يتمسك بالمؤسسات ومن يبحث عن الفوضى يقوم بضرب المؤسسات مثلما حاول البعض في الحسيمة ويحاول اليوم نقل المعركة الخاطئة إلى جرادة.