الديموقراطية، إمّا أن تكون سياسية، تقوم على حكم الشعب لنفسه بنفسه مباشرة، أو بواسطة ممثليه المنتخبين بحرية تامّة، ويتواجدون في قبّة البرلمان، يراقبون عمل الحكومة، ويشرّعون للشعب، ويذودون عن كرامته، ويدافعون عن مصالحه، ويحرصون على كرامته، من شطط أي قانون كان، وأيّ عدوان، هل لنا برلمانٌ بهذا المعنى في بلادنا؟ الجواب: كلاّ، وألف كلاّ! لماذا؟ منذ سنتين، ألقى جلالة الملك نصره الله، خطابا صادما في البرلمان، وأهدى من خلال هذا الخطاب التاريخي، للبرلمانيين عيوبَهم، وهي عديدة وليست بجديدة، وصفّق لها طويلا الكَذَبةُ، والمنافقون، وبدا وكأنهم سيعملون بالنصائح الملكية، وأنهم سيستوعبون الدرس، ويفقهون العتابَ الملكيَ عليهم؛ لكنْ لا شيء من ذلك حصل.. فمنذ سنة، قضوا ستّة أشهر في بيوتهم، نتيجة ماسُمِّيَ [البلوكاج]، ولكنّهم، ودون استحياء تقاضوا أجورَهم دون أن يشتغلوا ولو ساعةً واحدةً، لكي لا أقول يوما واحدا؛ فيما الموظف أو العامل إن هو أضرب إضرابا مشروعا، يُقْتَطع من أجره طبقا لمبدإ [الأجر مقابل العمل]، وقد تمّ العملُ بهذا المبدإ في حقبة [بنكيران] الذي قادت نقابةُ [يتيم] إضرابات طويلة ومتكرّرة في قطاع التعليم، ولم يؤخذْ بهذا المبدإ إطلاقا؛ وتلكم كما نعرف، سياسة المنافقين، وهو النعت الذي يليق بسياسة كهذه؛ أليس كذلك؟
ومنذ أيام، قام برلمانيو حزب [العدالة والتنمية] بإقبار قانون يمنع البرلمانيين، وكبار الموظفين، من الجمع بين الرواتب الشهرية المتعددة، فيما منذ سنتين، وافقوا على خصم الثلث من تعويضات المتقاعدين، مع تمديد سنّ التقاعد إلى ما فوق الستين؛ فهل هؤلاء والحالة هذه، هم ممثلو الشعب، وهم يأكلون أموال الأمّة سحتًا وباطلاً؛ لا بل يأكلون في بطونهم نارًا، وهم لا يشعرون؟ ومنذ أشهر، تبرّع عليهم رئيسُ البرلمان بهواتفَ نقّالة، ثمنُ الواحد يفوق مليون سنتيم، فحوّلوه إلى لعبة داخل القبّة، حيث استحالت إلى محل [أنترنيت] يرتاده الأطفال والمراهقون.. فالبرلمانيون، هم مجرّد عوام، وصدقَ الإمامُ [مالك] حين قال: [العوام إذا اجتمعوا، أفسدوا]؛ وكذلك هو شأن النواب العوام..
ومنذ أيام، تغيّب برلمانيون، ينتمون إلى حزب الرئيس الاشتراكي، حيث قام بعضهم بالتوقيع نيابةً عن بعضهم، فأُقبِرت القضيةُ، بل الفضيحة، لا بل الخيانة للوطن، والشعب، والأمّة، والواجب الوطني؛ وقد كان من المفروض أن (يُقْبَر) مَن أقبرها، وسكت عنها، فاستحال إلى شيطان أخرس؛ وهذا طبيعي في ميدان الخيانة، والفساد، وأكل أموال الأمّة بالباطل، مقابل [والو]، وهو ما تجود به كائناتُ مُسْتنقع البرلمان في بلادنا.. نعم؛ هؤلاء هم البرلمانيون الذين سيرفعون الأمّة إلى النجوم.. هؤلاء، هم النواب الذين يتمتّعون بالحصانة، والمكانة، والتقاعد، وسائر الامتيازات، لأن في رؤوسهم ما يقدّم البلاد، ويرفع من شأن العباد.. هؤلاء، هم من يشرّع لنا، ومن يوصي بمعاقبة موظّف، أو عامل مهموم تأخّر لبعض دقائق لأسباب قاهرة؛ وجلالة الملك نصره الله يقول إنه لا أحد فوق المحاسبة أكان مسؤولا كبيرا أو مواطنا بسيطًا..
كان من المفروض، لو كان هناك عدلٌ وقصاص، أن يُحَلّ البرلمانُ برمّته، فلو حُلَّ البرلمانُ بعد هذه الفضيحة المدوّية، لما رأيتَ متغيّبًا في البرلمانات القادمة.. لو حلّ البرلمانُ لهذا السبب، لكان لبلادنا شأنٌ عظيمٌ بين الدول، ولذكرنا التاريخُ بكل فخرٍ واعتزاز، لأعطينا الدليل على أننا شعبٌ ديموقراطي، وعلى أننا بحقّ دولة الحق والقانون.. كان على الأقل تسريحُ هؤلاء ومَن يوقّع نيابةً عنهم من البرلمان، وأن لا يترشّحوا مستقبلا لولوج القبّة ثانيةً.. هذه هي تربيةُ الأحزاب وهي الأصلُ في كل ما نعانيه؛.. هؤلاء، هم المدَّعون الوطنية، والصدق، والأمانة.. فعلى رئيس البرلمان، إنْ كان وطنيا صادقا، أن يعمل بمضامين الخطاب الملكي السّامي، ويفصل هؤلاء، أو يقدّم استقالتَه طبقا لما جاء في خطاب السّدة العالية بالله، وذاك خيرٌ له من أن يجلس أمام قوم عشّش الغِشُّ في دواخلهم، وإلاّ لكان مثْلهم، أي والله!
وبعضُ النواب ماكرٌ، ولكنْ * إذا عرفَ العقوبةَ قلّ مكرُه
في النفاق تحْسبه شديدٌ * ويوم يحاكِمون، يقلّ شأنُه
قد يبدو قويًا في الأكاذيب * ضعيفُ الرأي السّديد لا يُرجى نفعُه.