السي محمد ورشدي يعرف الأول أني أحبه. ويعرف الثاني أن المغاربة كلهم يحترمون فيه المسار الغني الذي كتبه على امتداد السنوات، وتعرف مراكش من خلال تكريم الرجلين معا هذه السنة أنها تنجز الواجب اللابد منه، وأنها تنحني إجلالا في يوم ما للعبقرية التشخيصية المغربية إذ تحمل الإسمين معا: السي محمد بسطاوي ورشدي زم.
للأول قصة كبري مع تمغربيت في أبهى الملامح المكتوبة على تقاسيمها. أرى السي محمد فأرى المغربي. لاأستطيع الفكاك عن هذا الشعور. في الحركات، في طريقة الكلام، في الإقبال الكامل على الحياة، في العيش خلف الأشياء، في القبض على تفاصيل العيش كلها ، في السير الحثيث في ظل الأمور، غير راغب في شيء إلا في :"تدواز السربيس بخير وعلى خير".
متى بدأ بسطاوي التمثيل؟ منذ القديم، منذ السنوات الأولى لهذا الفن الصعب والعسير. من لايعرف المهنة جيدا يقول عنها إنها مهنة سهلة للغاية. "فيها الماكياج وشوية ديال الضو وكتحفظ ولا كاع بلا ماتحفظ الدور، وصافي". لكن من يعرفون مهنة الممثل جيدا، ومن يقدرونها حقا يعرفون أنها جهنم بكل اختصار.
هي المهنة الوحيدة في العالم التي ينبغي لك إن كنت صادقا فيها أن تنزع عنك مئات المرات في اليوم الواحد رداء شخصية لكي تلبس رداء شخصية أخرى، ويلزمك - مرة أخرى إذا كنت صادقا - أن تموت وتحيا فيها آلاف المرات، وأن لايرى منك الآخرون إلا الوجه الظاهر، الجميل، المشرق، المبتسم على الدوام. السي محمد هو خريبكة أيضا، وهو هذه المدن المغربية المختفية التي لانتذكرها إلا نادرا نحن المهووسون بالمركز وبمدنه العملاقة، والتي ننسى أنها هي التي أنجبت لنا كل عظمائنا في الختام.
السي محمد هو تلك اللحية الكثة المستعصية على النظام، هو الفوضوي حد تنظيم كل الأشياء في ذهنه، هو القادر على أن يحمل معه مشاهده والمتفرج معه إلى آخر المسافات وحدود المدى الأول والتالي للأمور، ثم يعود به إلى البدايات الأولى للتمثيل باعتباره فن كل هاته القدرة على الجمع بين كل المتناقضات. نادرا ماتكون لدينا نحن الصحافيون الفرصة لكي نقول شيئا جميل عن فنان محلي. نفضل في أغلب الوقت أن نترصد الهفوات، أن نكتب بقسوة غير مبررة في كثير من الأحايين إلا برغبتنا في أن نرى شيئا جميلا على شاشتنا يشبهنا، ولإحساسنا بأن أهلنا قادرون على التميز، لكنهم يخطئون المسار. لذلك أغتنم فرصة تكريم مراكش لمحمد بسطاوي هذه السنة لكي أكسر قليلا القاعدة، ولكي أقول إن لدينا عباقرة في التشخيص- هذا واحد منهم بكل تأكيد - كان ممكنا لهم أن يبلغوا المبالغ الكبرى من التألق في المجال لو كان لدينا مجال أصلا. لكن لا يهم. مراكش تسدي لنا حسن الصنيع اليوم وهي تفعلها، وتذكرنا أنه من الممكن بين أجنبي وأجنبية نحتفي بهم باسم السينما التي لاتعترف بجنسية أن نعود إلى الدواخل الأصيلة والأصلية فينا لكي نستل منها رجلا مثل السي محمد بسطاوي يستحق كل الخير، ويستحق فعلا أن تقال له كلمة "شكرا المغربية" بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالتحديد. رشدي الآن. في ملامحه صورتي وصورتك وصورة كل المغاربة الذين ذهب الآباء منهم يوما إلى أوربا بحثا عن لقمة الخبز الصعبة، والذين كانوا يقولون وهم ذاهبون إلى هناك إنهم "عائدون بعد سنوات قليلة"، وأنهم لن "يعيشوا العمر كل في فرنسا أو غيرها من دول المهجر". لكن، حين وصلوا فهموا للمرة الأولى والأخيرة أنهم لن يعودوا أبدا. أخذتهم الحياة إلى كل مجراتها، وعاشوا التمزق الكبير والدائم بين وطن تحبه لكنك تعرف أنه من المستحيل أن تحيا فيه بكرامة، وبين بلد يستقبلك ويوفر لك الشغل والزاد والقدرة على الحياة، لكن يرمقك شزرا كل يوم ويذكرك أنك غريب مهما اندمجت فيه، ومهما حاولت أن تتعلم لغة الجفرافيا والانتماء هناك، فأنت في كل الحالات وحتى آخر الأيام معهم من جنسيتهم لكن مع تذكيرك بالأصل دائما والتركيز على الملامح المختلفة التي تحملها معك في المسام. رشدي المغربي يحمل معه هذه المسام الأصلية فينا ويدور بها في كل مكان صارخا الافتخار بالأصل، والافتخار بالمسار الذي دشنه الآباء، مثله في ذلك مثل جمال الدبوز وكاد المالح وهؤلاء المغاربة الناجحين في الخارج الذين يلزمك أن تجالسهم وأن تنصت إليهم وهم يتحدثون عن المغرب لكي تعرف كل الحب الذي يحملونه في الأحشاء منهم لهذا البلد العظيم الذي يمكنه لوحده أن ينجب أمثالهم. رشدي السائر بتؤدة لكن بيقين كبير نحو عالمية يستحقها وجه آخر لافتخارنا بهذا البلد الذي لم يكن عاقرا في يوم من الآيام، والقادر على إدهاشنا حتى آخر الأيام. بأمثال الرجلين نعرف أننا ننتمي إلى البلد المناسب في اللحظة المناسبة. هذا فقط ما أردت قوله. بقية الأشياء مجرد تفاصيل صغيرة لاتهم نهائيا ولامكان لها في إعلان الحب الصادق هذا الممتد من الآن وحتى آخر الأيام
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
فوز الماصويين بكأس الاتحاد الإفريقي إنجاز تاريخي هام لفريق العاصمة العلمية, يعيد الاعتبار للفرق التاريخية في المغرب التي أراد البعض لسنوات أن يزيلها من الوجود, وأن يلعب لعبة فرق المركز وكفى. وهذا الفوز إذ يأتي على حساب فريق تونسي "ينتقم" لنا رياضيا من هزيمة الوداد أمام الترجي, دون أن نحمل الأمور أكثر مما تحتمل, مثلما حاول بعض المتعصبين أن يفعلوا ذلك من خلال تحويل مباريات في كرة القدم إلى لقاءات حربية لا وجود لها إلا في أذهان مرضى التعصب. الرياضة مجرد رياضة في البدء وحتى الختام, وتحميلها أكثر مما تحتمل من شأنه قتلها لا أقل ولا أكثر. هذه مسألة يجب أن نتذكرها باستمرار, منتصرين أو منهزمين, ومبروك للماص الإنجاز