بقلم: عبد الكبير شكري (*)
انتهت سنة 2017 بإفلاس اختيارات السياسة الخارجية للجارة الشرقية أمام براغماتية نظيرتها المغربية، التي عرفت كيف تطوع نفسها وفق متطلبات التضاريس الإفريقية. وبتآكل خطابات ودعاية الجارة بالمحافل الدولية موازاة مع تآكل مواردها النفطية، تعيش هذه الأيام "الآلة الجزائرية البوليساريو" ، وفي صمت رهيب، متاهات وانهزامات متوالية، شملت جميع الواجهات والمحافل التي كانت تضع فيها ملصقات خطاباتها الدعائية. وعلى أبواب حلول السنة الجديدة 2018، انتهت صلاحية جميع المغالطات التي كانت تروج لها كتقرير المصير وحقوق الإنسان والثروات الطبيعية وغيرها من الأكاذيب مما عجل بإفلاسها النهائي.
لنبدأ بالاجتماع الأخير (الدورة الـ72) للجمعية العامة للأمم المتحدة:
فقد صادق الاجتماع الأخير لللجنة الرابعة لهذه الجمعية التي انعقدت في شهري شتنبر وأكتوبر 2017 على مشروع توصية يجدد ويدعم بمقتضاها المسار السياسي لقضية الصحراء المغربية، مع دعوة دول الجوار إلى التعاون مع المبعوث الاممي، كما دعمت هذه اللجنة القرارات السابقة لمجلس الأمن التي كرست سمو مبادرة الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب، وكذا الإشادة بها من قبل المجموعة الدولية باعتبارها مبادرة تتسم بالجدية والمصداقية لانجاز تسوية نهائية لهذا النزاع الإقليمي الذي افتعلته عقلية ماضوية تعود إلى الحرب الباردة.
كما بذات أصوات ممثلي الأقاليم الجنوبية تأخذ مكانها الطبيعي في أروقة الأمم المتحدة وكما هو الحال يوم الأربعاء 11 أكتوبر2017 بنيويورك، فقد قدم المنتخبون أمام اللجنة الاممية الرابعة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي انطلق في شهر نونبر2015، والذي تصل ميزانيته الإجمالية إلى 8ر7، موجهة إلى قطاعات اقتصادية، اجتماعية وثقافية. ويشكل تدخل المنتخبين امام الهيئات الدولية آلية للتواصل الديمقراطي والواقعية لتبديد التصورات المغلوطة التي تروجها البروباغاندا الجزائرية حول تمثيلية السكان ومسالة الثروات الطبيعية بالصحراء.
تصحيح مايسمى مبدأ بتقرير المصير:
شمل مفهوم "مبدأ تقرير المصير" تصحيحا لدى المهتمين والمتابعين لملف الصحراء المغربية، ويقوم هذا التصحيح على رأي الخبراء الذي يؤكد بان معايير تنفيذ مبدأ تقرير المصير المحددة في القرار 1541 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تنطبق مطلقا على حالة الصحراء لكون منطقة الصحراء هذه جزء ترابي من دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وتعد امتدادا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا للمملكة المغربية ويوجد هذا الامتداد في الثوابت والدلائل الموجودة على الأرض وفي الوثائق والأحداث التاريخية لمنطقة الصحراء. وقد ظلت الجزائر تختبئ وراء التشويه والتفسير الخاطئ لهذا المبدأ الاممي السامي لإخفاء نواياها الجيو سياسية.
وضعية محتجزي مخيمات تندوف:
رفع الاتحاد الأوروبي من مطالبه لمعرفة ما يجري في مخيمات الاحتجاز بتندوف وكذلك مال المساعدات الإنسانية التي أظهرت التقارير توجيهها لأغراض الاغتناء السريع من قبل أعضاء ما يسمى بجبهة البوليساريو، كما يؤكد، في كل فرصة، عن دعمه لإحصاء ساكنة مخيمات تندوف، وجاء التأكيد الأخير خلال اجتماع اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث طالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإحصاء ساكنة مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، تنفيذا لمطالب مجلس الأمن الذي ألح على هذه العملية أكثر من مرة.
ويرى خبراء العلاقات الدولية كالخبير الأرجنتيني دانييل روميرو، بأن القيام بعملية إحصاء فوري لسكان مخيمات تندوف من شأنه أن يفضح الاختلاسات الممنهجة لقادة البوليساريو للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى المخيمات، جنوب الجزائر.
وأصبحت مسالة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تمثل حجر الزاوية لضمان حماية المدنيين المحتجزين من جرائم البوليساريو، وذلك بضمان السلامة الجسدية والأمنية لهم وتحريم الاعتداء على المدنيين وهذا ما بدا يتبلور كقناعة لدى الجميع، بما فيها الجمعيات المدنية التي باتت تسلط الضوء على الجحيم اليومي الذي يعيشه المحتجزون، وعلى الاختفاء القسري الذي مس الرجال والنساء منهم، بعضهم يتواجد على لوائح جمعيات مدنية باسبانيا.
البوليساريو كيان وهمي لايرى
خلال انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي - الاتحاد الأوروبي ظهرت فعالية السياسة البراغماتية للمغرب في إفريقيا والتي تقوم على الهجوم وعدم ترك المقعد شاغرا لإتاحة الفرصة للخصوم قصد ترويج أطروحاتهم المتآكلة وتسريع وثيرة سحب الاعتراف بكيانهم، وكما أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في إحدى لقاءاته الصحفية بان التوجه العام، حاليا، هو عدم اعتراف الدول بالكيان الوهمي متسائلا هل يوجد بلد اعترف به مؤخرا؟ ويقول: "يمكنني أن أذكر دولا بدأت في سحب هذا الاعتراف؛ (..) واعتبارا من الغد سيكون هناك المزيد (..) والأمر سيستمر على هذا النحو". ويضيف حول حضور البوليساريو القمة: " لن يمثل مشكلة، لأن وفد البوليساريو يعتبر غير مرئي بالنسبة للمملكة المغربية "..
وقد أكدت الوقائع على الأرض أن المطلوب للعدالة إبراهيم غالي ظهر تائها وسط الحضور وجوده كعدمه، ولم يلتق سوى بوزيرين جزائريين، في حين صعدت الدعاية الانفصالية من هذا "الحضور – العدم" وصنعت منه فتحا مبينا مصاغ كالعادة بلغة منجورة ومصقولة قصد تسويقه في صفوف المحتجزين بتندوف.
"مبادرة التغيير" من صنع قادة البوليساريو:
مؤخرا يلاحظ تسويق منتوج دعائي جديد من قبل المخابرات الجزائرية أطلقت عليه اسم "مبادرة التغيير"، يقودها شخص يسمى الحج أحمد وهو شقيق أحمد بخاري (ممثل البوليساريو داخل التمثيلية الجزائرية بالأمم المتحدة) وشخص أخر هو ابن عم محمد خداد (منسق البوليساريو مع بعثة المينورسو). ولم تتوقف المخابرات الجزائرية عند اختيار أسماء من يقود هذا المنتوج الدعائي الجديد، بل ضمنت له التمويل والحركة بكل حرية داخل مخيمات المحتجزين على أراضيها، وضمنت له كالمعتاد مصاريف التحرك بالخارج حيث تواجد المدعو احمد بارك باسبانيا للقاء بأحد أعضاء الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني. علما أن تسميتها "مبادرة التغيير" يراد بشحنتها السيكولوجية إنتاج مزيد من الأساطير لامتصاص خيبات وفقدان الأمل التي تسود مخيمات المحتجزين وخلق أداة لاحتكار خط مواجهة او معارضة، لسد الطريق امام أية مبادرة تغيير حقيقية كتلك التي فتحتها حركة الشهيد التي تم التنكيل بالكثير من قياداتها.
اتفاق للصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي:
يعود أول اتفاق للصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي إلى سنة 1988ّ، وتمثل اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي والتي دخلت حيز التطبيق منذ سنة 2014 وتمتد لأربع سنوات إلى نهاية شهر يوليوز من سنة 2018، نموذجا ناجحا للتعاون مع المغرب، وكما عبرت عن ذلك في الكثير من المناسبات، المفوضية الأوروبية المكلف بالبيئية والشؤون البحرية والصيد البحري، فان اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في قطاع الصيد البحري تتطابق كليا مع القانون الدولي إذ تطبق، كما هو الشأن بالنسبة لباقي اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، على منطقة الصحراء. وان البروتوكول الموقع يخدم بشكل ايجابي ساكنة تلك المنطقة.
وابرز التقرير الأخير، حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية للاتفاق الحالي، نتائج جيدة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي لما له من أثار ايجابية على الساكنة وعلى دينامية التنمية المحلية.
وبمناسبة زيارة المفوض الأوروبي المكلف بالبيئة والشؤون البحرية والصيد لمعرض آليوتيس بالمغرب، أشار إلى عزم الاتحاد الأوروبي الحفاظ على استمرار تعاونه مع المغرب في هذا القطاع، مما يقطع الطريق أمام دعاية الخصوم ويغلق الباب أمام أي نقاش عقيم حول موضوع الصيد البحري مستقبلا.
الصحراء وحقوق الإنسان:
في يوم 13 دجنبر من هذه السنة توضحت الأمور للجميع وبجلاء أثناء الجلسة العلنية بمدينة ستراسبورغ، لمصادقة البرلمان الأوروبي على التقرير السنوي 2016 حول حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم وعلى سياسة الاتحاد في ميدان حقوق الإنسان. إذ أضاء التقرير المذكور،على الصورة الايجابية للمغرب في ميدان حقوق الإنسان، عكس الجارة الجزائر، وأجاب عن زيف المغالطات التي توظف مسالة حقوق الإنسان أثناء الحديث عن قضية وحدته الترابية، كما وضع التقرير حدا لأية محاولة لإدراج تعديل معاد لحقوق المغرب في أقاليمه الجنوبية.
وقد ركزت الجزائر هذه السنة، حملتها الدعائية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف فالمسمى عمار بلاني سفير الجزائر ببروكسل لا يهتم سوى بملف معاداة المغرب بأوروبا، فكان من الأجدر أن نطلق على هذا الشخص صفة "سفير الدعاية الجزائرية ضد المغرب ببروكسل"، يعمل دوما مع الدبلوماسيين الجزائريين ببروكسيل على صياغة استراتيجيات مذيلة ببرامج واليات التمويل والتنفيذ ثم التنقل إلى جنيف للترويج لما يسمونه ملف حقوق الإنسان في الصحراء، مبذرين الموارد المالية الجزائرية بسخاء.
هذا، والملاحظ انه سواء في مجلس حقوق الإنسان بجنيف أوفي البرلمان الأوروبي وكذلك في أروقة الأمم المتحدة وغيرها من المحافل واللقاءات الدولية ليس للجزائر برامج ونوايا عمل سوى قضية الصحراء المغربية، مما اظهر للجميع حقيقة هذا الصراع المفتعل وكون هذه الدولة الجارة ليست سوى طرفا رئيسيا في هذا النزاع الإقليمي.
جبهة البوليساريو تقتات من خلق الأزمات:
وبعد الاستئناف العادي، كما كان ولازال، للنشاط التجاري بين الأقاليم الجنوبية وموريتانيا دون عوائق، لم يبق للبوليساريو سوى خلق أزمة جديدة لكي تنتعش دعايتها داخل المخيمات ومن ثمة خدمة استراتيجيات الاوليغارشيا الجزائرية الرامية إلى التشويش على معبر الكركرات، وهي التي راهنت على فتح ممر بري بين تندوف والأراضي الموريتانية ل"غزو الأسواق الإفريقية"، بتعبير اللغة الخشبية لصحف المرادية. هذا في الوقت الذي تتناسى فيه الاوليغارشيا الجزائرية بأن مجلس الأمن قد اعتمد قرار رقم 2351 ألزم به مليشياتها بالانسحاب منهزمة من منطقة الكركرات والتواري في الأراضي الموريتانية ودخول الخيام البالية بتندوف حاملة معها أوهام النصر التي تسمح لها بالاستمرار في المتاجرة بمخيمات الاحتجاز وفي بؤسها الاجتماعي.
هكذا هي منظمات الارتزاق، لا تقتات إلا من خلق الأزمات وتلك هي حالة البوليساريو التي اتضحت صورتها وبجلاء، مثلها مثل كل المنظمات الإرهابية، تحتجز رهائن بالدعاية والاستخبارات والحديد، نشاطها يماثل نظيراتها بمنطقة الساحل والصحراء، وحتى أولئك اللذين ظلوا لا يرون ولا يفهمون سوى الدعاية الجزائرية لكونهم يحملون فوق أعينهم ضمادات السخاء المالي الجزائري بدؤوا يتخلصون من زيف تلك الاسطوانات القديمة.
(*) باحث في علم الاجتماع