حسن البوهي
القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟
11- الدجل والاحتيال باسم الروحانيات الكناوية!
نفى "محمد.ب" – من الموسيقيين الكناويين الجوّالين، تلقى أبجديات الموسيقى الكناوية بمدينة أسفي على يد مجموعة من المعلمين، أحيا على مدى 18 عاما مجموعة من ليالي دردبة- (نفى) ما يُنسب للموسيقى الكناوية بكونها تتصل بقوى روحانية من الجن.
وأشار محمد إلى أنها لا تعدو مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة يروجها بعض الدجالين لتحسين مدخولهم المادي، وجوهر موسيقى كناوة لا يتجاوز إيقاعات موسيقية تتغنى بالأولياء والصالحين وتعدد مناقبهم.
وأضاف أن إحدى النساء اللواتي يمارسن الشعوذة حاولت استدراجه لكي يعمل معها لإيهام زبنائها أن إيقاعات معينة من موسيقى كناوة تخاطب ملوك الجن، مبررا اختيارها له برغبتها في تضخيم تأثيرها النفسي على ضحاياها للرفع من التكاليف المادية واستدراجهم لجلب الأضاحي وأنواع فاخرة من الأبخرة.
وأشار المتحدث ذاته أن أحد الدجالين بمدينة أسفي يدّعي مخاطبته للجن وفك طلاسيم السحر عرض عليه هو الأخر أن يعمل وإياه لمضاعفة مداخيله المادية، مفضيا له أن لا سلطة له على الجن والانس، وأنه قرر امتهان هذه المهنة الاحتيالية لتحقيق الربح المادي بعدما تعذر عليه ذلك عندما كان يشتغل عازفا متجولا على آلة الكنبري، وأن ما يقوم به أمام ضحاياه من إحراق للأبخرة وتلاوة بعض الطلاسيم لا يعدو مجرد تمثيل، يُسهّل عليه عملية الاحتيال كلما وجد في ضحاياه الاستعداد النفسي الكامل لتصديق كل ما يصدر عنه.
لكن من جهة أخرى أشار محمد أن العديد من المشتغلين على طقوس كناوة يمتهنون السحر والشعوذة بأصولها المعروفة ويوظفون الايقاعات الموسيقية الكناوية للتضليل تارة ولتبرير الخدمات التي يؤديها خدامهم من الجن بنسبها لكناوة تارة أخرى، وقد تأتى لهم بعد قيامهم بمجموعة من الطقوس والممارسات الشركية، مؤكدا أن الضحايا من المرضى الذين يقصدون هؤلاء لا يشفون أبدا، ويجدون أنفسهم في دوامة مستمرة من الابتزاز لتقديم المزيد من الهدايا والقرابين.
وشهد شاهد من أهل الطائفة الكناوية المعلم بوجمعة السوداني أحد الرواد الكناويين المعروفين أن الموسيقى الكناوية تتعرض في السنوات الأخيرة لمجموعة من الممارسات التي تسيء إليها كفن تراثي متأصل، حيث أقحمت فيها مجموعة من طقوس السحر والشعوذة والممارسات الشركية كما هو الشأن بالنسبة للذبيحة التي تُستهل بها "العادة".
وأشار إلى أن هذه العادة لا تمث بصلة لكناوة، فبحكم معاشرته للرعيل الأول من المعلمين الكناوين بما فيهم والده "المعلم حجوب السوداني" كانوا يرفضون العزف أثناء الذبح لإيمانهم الراسخ أن ذلك يدخل ضمن الممارسات الشركية، وحتى عندما يُريد زبون ما إكرام ضيوفه أثناء إحياء "الليلة" فعملية الذبح تتم بشكل عادي ولا يحضرها الكناويون.
ونفى المتحدث ذاته ما ينسب للإيقاعات الكناوية بأنها تستدعي الجن وتخلص أجساد المرضى المسكونين، مؤكدا أنها محض ادعاءات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة، مشيرا أن الموسيقى الكناوية لا تعدوا في أصلها مجرد إيقاعات غنائية روحية كسائر أنواع الموسيقى الروحية.
وأقر المعلم بوجمعة السوداني أن زاوية "سيدنا بلال" بالصويرة أصبحت في السنوات الأخيرة وكرا لمجموعة من طقوس السحر والشعوذة من قبيل قراءة الطالع باستعمال مادة الزئبق ولعبة الأوراق والإدعاء بعلاج بعض الأمراض المزمنة التي عجز الطب عن علاجها.
كما أوضح أن المقدمين الأوائل كانوا يقدمون بعض الخدمات العلاجية البسيطة التي تنهل من الثقافة الشعبية كمداواة بعض الالتهابات والتقرحات الجلدية عدى ذلك لم يقم المعلمون الأوائل بعلاج أي من الأمراض المزمنة، وما ينسب للموسيقى الكناوية من قدرات علاجية هي محض افتراءات إلا إذا تمت عن طريق طقوس السحر.
واستطرد المتحدث ذاته أن بعض الإيقاعات و"الطروح" التي يقال أنها تناجي "لملوك" كلالة ميرة، لالة مليكة، لالة عيشة، حمو...أو تتغنى ببعض الأولياء الصالحين كمولاي عبد القادر الجيلالي ومولاي عبد الله بن احساين...كلها إيقاعات و"طروح" دخيلة على الموسيقى الكناوية الأصلية موضحا أن المواضيع التي تقاربها الموسيقى الكناوية هي في جوهرها مواضيع تتغنى بمعاناة العبيد جراء الأسر ومواضيع أخرى تتغنى بخصال الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام وصفات بعض الصحبة رضوان الله عليهم.