يوم الأربعاء [21 أكتوبر 2015] انعقد المؤتمر الصهيوني العالمي بمدينة [القدس] العربية؛ وقد صغتُ وقْتها مقالةً توقّعتُ فيها إعلان هذه المدينة عاصمةً أبدية لإسرائيل في أي وقت.. وخلال هذا المؤتمر، أخذ الكلمة [نتانياهو]، رئيس وزراء حكومة الاحتلال الصهيونية، وأطلق العنانَ للسانه في التهم والأكاذيب، وادّعى أن [هتلر] عمل برأي [أمين الحُسَيني]، مفتي (القدس) في إبادة اليهود؛ ونسي أن أستاذه في الإرهاب، المدعو [شامير] اتصل بالنازيين، والحرب على أشدِّها، وسلّمهم رسالةً إلى [هتلر] يقول فيها: [.. فمن ناحية المفهوم، فنحن نتطابق مع مفهومكم؛ فلماذا لا نتعاون مع بعضنا البعض]، وفي هذه الرسالة، طلب منه قتْل اليهود، وترْك الصهاينة.. وفي مقال نُشر في جريدة [أديعوت أحرونوت]، بتاريخ [04 فبراير 1983]، أكّد أحد الرؤساء التاريخيين لمجموعة [شتيرن] الإرهابية، صحة المباحثات بين حركته والممثّلين الرسميين لألمانيا النازية؛ وأكد صدْق ما جاء في [سيرة غولدمان الذاتية] حول مناداة [شامير] بتحالف مع [هتلر]..
صحيح أن [أمين الحسيني] التقى بالمستشار النازي [هتلر] عساه يجد عنده السند والمدد لتحرير [فلسطين]، وقد كان واهما في ذلك؛ لكنه أبدا لم يطلب من [هتلر] قتْل اليهود في أوربا، كما فعل [شامير].. و[الحُسيْني] مفتي القدس، ارتكب أخطاء فادحة إذ أفتى بقتل [فاروق النّشاشيبي] سنة (1941)، لأنه كان يرى أن التفاوض يجب أن يكون مع الإنجليز الذين يحتلّون أرض (فلسطين)، وليس مع النازيين؛ ومعلوم أن [النشاشيبي] كان سياسيا، و[الحسيني] كان رجل دين.. وهذا المفتي الساذج، التقى حتى مع الزعيم الفاشي [موسّوليني] الذي كان جنوده يقْطعون رؤوسَ الليبيين، ويأخذون بها صورا تذكارية؛ فكيف له أن يساهم في عودة [فلسطين] إلى أصحابها، مع العلم أن [موسّوليني] كان قد التقى [وايزمان] في (03 يناير 1923)؛ ومرة أخرى في (17 شتنبر 1926)؛ كما التقى وتحدّث مع [ناحوم غولدمان]، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، في (26 أكتوبر 1927) يعني قبل أن يكْفر [موسّوليني] بالماسونية التي أوصلتْه إلى السلطة، ويمنع [محافلها] في [إيطاليا]؛ فانتقمتْ منه، وعلّقتْ جثّتَه في الشارع سنة [1944].. الخطأ نفسه يصرّ على ارتكابه العرب بمراهنتهم على أمريكا زعيمة الإمبريالية، وحامية الصهيونية؛ وعلى بريطانيا صاحبة الوفاء لوعد [بلفور]؛ وعلى فرنسا مقرّ [آل روتشيلد] الذين كانوا وراء هذا الوعد المشؤوم………
لكن ماذا دار في المؤتمر الصهيوني العالمي بالقدس، في [21 أكتوبر 2015]؟ لقد نوقش ما تحقَّق، وما لم يتحقق من المخطط الصهيوني في الشرق العربي.. فما تحقق هو تشرذُم الدول العربية باسم دينهم، وعمّت الفتنة كلاَّ من مصر، وليبيا، تمشّيا مع المخطط؛ ولكنّ الأهم فيه هو تفكُّك سوريا، والعراق، إلى مناطق محدّدة على أساس المعايير العِرقية، أو الدينية، وقد كان من المفروض أن يتم ذلك الآن، بعد سنوات طويلة، وهو ذو أولوية كبيرة من أجل [إسرائيل]؛ وتفكيكُ سوريا هو الأهم، لأنها تشكل أخطر تهديد للكيان الصهيوني، بعد تدمير العراق، وإعدام [صدّام حسين]؛ لأن القضاء على [صدّام حسين] قد أزال خطر أقوى بلد عربي في منطقة الشرق الأوسط.. وأما [التطبيع]، والاختراق السياسي، والاقتصادي، والثقافي، فكلّها جبهات ما زالت دون المستوى المطلوب بالنسبة للدول البعيدة من إسرائيل؛ أما المجاورة لها، فقد أصابها الوهنُ، والدمار، والخراب، وانتعشتْ فيها الطائفية، والعِرقية، والضغائن العقائدية، ويجب تحفيز الجماعات (الصهيونية ــ الإسلامية) على العمل أكثر في البلدان العربية والإسلامية، كلٌّ في ميدانه السياسي، والاجتماعي، والديني، والثقافي، تحت مسميات تحجب الطابع الخفي، وتجعلها وكأنها سياسات تخدم مصالح هذه الدول؛ وانتهى المؤتمر..
فإعلان [ترامب] القدسَ عاصمةً لإسرائيل، ما هي في الواقع إلا جسٌّ لنبض الشارع العربي، وعملية لقياس مدى الهزّة التي ستصيب الشعوبَ، مع معرفة تفاوُت هذه الشعوب من حيث ردّاتُ الفعل، ومراقبة استجابة الحكّام، وتوافقِهم مع شعوبهم، ودراسة ذلك بطريقة علمية، تمهّد لاتخاذ خطوة أخرى مستقبلا، على ضوء نتائج هذه الدراسات الميدانية.. لقد أثبت إعلان [ترامب] أن المشاعر الدينية ما زالت متوقّدة عند الشعوب، رغم ما حل بها؛ والضمير الجمعي ما زال حيّا، وأن الطريق أمام الصهيونية ما زال طويلا، وشاقّا، ما دامت هذه المشاعر حيةً في أعماق الشعوب.. فالربيع العربي حقّق بعضًا من أهدافه، ولكنّه لم ينسف العروبةَ، والإسلام، والثوابت من الأنفس، وتلكم معضلة الصهيونية، وفشل عملائِها السياسيين، والمتخفّين وراء ستار الدّين، ثم الحمد والشكر لربّ العالمين.