أحيانا عدو المناصفة والمساواة هي المرأة نفسها.
لم أكن لأقوم بهذا التشخيص الحارق لولا المحطات التي مررت بها، والتي تبين بشكل واضح أن الطريق لازال طويلا من أجل تقلد المرأة مناصب معينة ومواقع القرار تطبيقا لمقتضيات الدستور، الذي يمتع الرجل والمرأة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ويشجع على تكافؤ الفرص بين النساء والرجال، وييسر أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في ولوج الوظائف العمومية؛ كما أنشأ هيئة دستورية للمناصفة والسهر على محاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
كل هذه المقتضيات الدستورية والقانونية تجعلنا نرفع القبعة وننتظر التدرج من مرحلة سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة إلى مرحلة الوجوب والالتزام بتطبيق هذا المبدأ. لكن كلما تعلق الأمر باستحقاقات معينة في إطار الديمقراطية التمثيلية أو التشاركية أو الحزبية، أو التعيينات أو الاستحقاقات المهنية، إلا وطرحت إشكالية المناصفة، المناصفة لا المساواة، لأن المساواة لا تطرح إشكالا ما دام الرجال والنساء يتمتعون بالحقوق والحريات بقوة الدستور.
وما تمت ملاحظته أن المرأة في أغلب الحالات لا تصوت ولا تمنح ثقتها للمرأة؛ بل إن المرأة المثقفة، سواء تعلق الأمر بانتخابات مهنية أو نقابية أو جمعوية، تستكثر على المرأة منح الثقة وتفضل عليها الرجل؛ ما يتبين معه أن الخلل لا يوجد في الترسانة القانونية الدسمة، ولا في العقلية الذكورية أحيانا. مثال ذلك لو شاءت محاميات هيئة الدارالبيضاء وضع ثقتهن في محامية نقيبة لتمكّن من ذلك بحكم عددهن المرتفع، لكن الأمر لم يحصل، وبالتالي تتخوف النساء من تقديم طلبات الترشيح لهذا المنصب الذكوري. ليس المعيق هو الرجل إذن، ولا يمكن التجني عليه، لأن التصويت حر. ولا يمكن أن نتصور أن يكره الرجل المرأة على التصويت لفائدته بدل التصويت على بنات جنسها. الأكثر من ذلك قد يحدث أن تحرض المرأة الرجال على عدم التصويت على المرأة بشراسة ومنهجية مذهلة، بقناعات متجذرة بداخلها مفادها تفوق وسيادة suprématie الرجل، بل ومنتصرة للفيلسوف شوبنهاور Shopenhauer الذي كان يصف المرأة بالطفل الكبير، والتي تشكل نوعا من المرحلة الوسطى بين الطفل والرجل، الذي يعتبر الكائن البشري الحقيقي على حد تعبيره. أو فريديريك نيتشه الذي أشار إلى أن منح المسؤوليات للمرأة سيؤدي حتما إلى تقبيح enlaidissement أوروبا !.
لذلك هل يمكن أن ننسب انعدام ثقة المرأة في المرأة إلى عداء تاريخي متجذر ظل حبيسا في اللاشعور ويطفو إلى السطح كلما تعلق الأمر بالتصويت ومنح الثقة؟ أم أن الأمر يتعلق بالحقد والغيرة والحسد؟ أم رغبة المرأة الدفينة في خبايا الضلوع برغبتها في ممارسة الرجل الذكر سلطاته التي تضفي على رجولته رونقا وجلالا بدل تواجد هذه المسؤوليات عند بنات جنسها، وعدم رضاها عن ذلك؟ المساواة ثابتة بمقتضى القانون..ألم يسبق للمجلس الدستوري سنة 2015، المحكمة الدستورية حاليا، أن رفض تخصيص كوطا للنساء داخل المحكمة الدستورية، لعدم مطابقة هذا التخصيص للدستور الذي يحظر كل أشكال التمييز بسبب الجنس؟.
ولا يمكن للمشرع تخصيص نسب مضمونة مسبقا لأحد الجنسين في الوظائف العمومية، لكون التمييز بين الجنسين يحظره الدستور. وتبقى العضوية في المحكمة الدستورية مشروطة بامتلاك الكفاءة القضائية أو الفقهية أو الإدارية، والتكوين العالي في مجال القانون وممارسة المهام لمدة تفوق 15 سنة، وللأشخاص ذكورا أو إناثا، المشهود لهم بالتجرد والنزاهة؛ وبالتالي بالإمكان أن يكون جميع أعضاء هذه المحكمة إناثا، نعم إناثا، ولا مانع قانوني من ذلك شريطة توفرهن على الشروط المذكورة أعلاه.
فلم التجني على الدستور والقانون؟ لم التجني على الرجل؟..من معيقات عدم تمكن المرأة من الوصول إلى مراكز القرار هي المرأة نفسها في أغلب الحالات، وبدل تكثيف الندوات والموائد المستديرة المكلفة لنفقات باهظة، بشراكة مع منظمات دولية، من أجل مناقشة التمكين القانوني والسياسي للنساء والفتيات والحديث عن مكافحة التمييز والعنف والإقصاء ودور المجتمع المدني في الرفع من مؤشرات مشاركة النساء في الحياة العامة، وضعف آليات المساءلة المؤسساتية في إدماج النوع، ألم يحن الوقت لمعالجة الداء من مكامنه والسهر على تلقين الفتيات داخل الأسرة والمدرسة والمحيط المجتمعي مبادئ مفادها أن للمرأة قدرات موازية لقدرات الرجل، واقتلاع النظرة الدونية من المرأة للمرأة، وأن العالم الغربي تمكن من الدفع بنساء لمع نجمهن وقادرات على تسيير الشأن العام بإرادة مشتركة اقتسمها عبر التاريخ رجال ونساء، وأصبحوا يقيمون مسؤوليهم والقائمين على شأنهم بما يتوفرون عليه من قدرات وكفاءات بدون خلفيات أو رواسب تاريخية معيقة للتنمية؟. وأختم بما قاله فيلسوف ألماني، ومفاده أن "الكل يحلم بالحرية، ولكن يظل مغرما بأغلاله والسلاسل المقيدة له