في البداية أرجو من السادة القرّاء الكرام، أن يتحمّلوني قليلا، لأني سأُطيل عليهم الحديث، وآخذهم إلى أدغال التاريخ، وهي غابة مُدْلهِمّة لعلّ بعْضَهم لم يتوغّل في مجاهلها أبدا.. تأتي هذه المقالات، بعد اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية [دونالد ترامب] بالقدس كعاصمة أبدية لدولة [إسرائيل]؛ وكيف لا، وهذا الرئيس الذي أوصلته المحافلُ الماسونية، والمنظّمات الصهيونية إلى سدّة الحكم، رغم أمّيته في السياسة، وجهْله بالتاريخ، ضحّى حتى بالمناخ، وبمستقبل العالم، حيث أخرج بلدَه من اتفاقيات المناخ، ومن منظمة الثقافة والعلوم، فكيف لا يتهوّر في مسألة [القدس] وقد وصل إلى [البيت الأبيض] خصّيصًا لهذا الغرض.. فهذا الرئيس يذكِّر بالزعيم الإيطالي [موسُّوليني] في تهوّره، واندفاعه، وتناقضاته؛ فلقد قيل إنّ خُطبَ [موسوليني] يجب أن تشاهَد، بدلا من أن تُسْمع، لأنها مُمَسْرحة، وتثير الضحكَ بواسطة إيماءاته، وحركاته الجسدية، وعباراته، وكذلك هو الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي، غريب الأطوار، وعجيب الأفكار، [ترامب]..
فيوم الأربعاء 06 دجنبر 2017، خلال كلمة له، قال [ترامب] إنّ [القدس] هي عاصمةُ [إسرائيل] الأبدية، وأن [فلسطين] لا وجود لها.. ونحن نقول له إنّ هذا الكلام يلقيه الجهلاءُ بالتاريخ للجهلاء الذين لا يفقهون قيد أُنْمُلة.. هذا الكلام لا يُلْقى للعارفين بالتاريخ الحقيقي، لا التاريخ الكاذب، المروي عبر وسائل الإعلام المضلّلة التي يرأس مملكتها [مردوخ] الصهيوني عبر العالم.. إنّ الكنعانيين [أي الفلسطينيين] كانوا في [فلسطين] منذ [6000] عام؛ والمسيحيين منذ [2000]؛ والمسلمين منذ [1500]، وكل معجزات السيد [المسيح] كانت هناك، والصهاينة كان يسمّيهم [خِراف بني إسرائيل الضالة]؛ وأما [القدس الشريف]، فهو مباركٌ من قبل الله عزّ وجلّ؛ فماذا بقي للصهاينة الجبناء، واللصوص، إذ كانوا مجرّد قبائل ضالّة تدفع شرفَها كثمن لمن يدافع عنها، فشبّهها [الإنجيل] بأختين داعرتين [أهولة: يهودا] و[أهوليبَة: السّامِرة]، مارستا دعارتهما مع رجال [أشوريين وبابليين] وكانتا من أمٍّ واحدة فشُغِفتا بعُشّاقهما برجال بدوا أشبه بالأمراء، فرسانًا يركبون الخيل، في ثيابهم الزرقاء، وقد تمنطقوا فوق عوراتهم بما يبْرزها، فسلّمتهما لعشّاقهما، فمارستا دعارتهما معهم؛ معهم جميعا مع رجال لحمهُم كلحْم الحمير، ومنيُّهم كمنيّ الخيل]: سِفْر [حزِقْيال]، الإصحاح (23)، ومعذرة للسادة القرّاء، لأنه هذا ما ورد في الكتاب المقدّس بإيجاز غيْر مخلّ عن [خِراف ضالّة] عاشت [4000] سنة في العبودية..
عبوديتُهم الأولى كانت تحت يد [كوسان] ملِك ما بين النهرين في [1413] قبل الميلاد، ودامت [08] سنوات.. عبوديتُهم الثانية كانت تحت يد [عَجلُون]، ملك [مُوءَاب]، ودامت [18] سنة.. عبوديتهم الثالثة كانت تحت يد مملكة [أريحَة]، وهي مملكة الفلسطينيين.. عبوديتهم الرابعة كانت تحت يد الملِك [حاصور]، وهو ملك [يَابِين]، ودامت (20) سنة.. عبوديتهم الخامسة كانت تحت يد [المدْيانِيين] سنة (1252) قبل الميلاد، ودامت (07) سنين.. عبوديتهم السادسة كانت تحت يد [العَمُّونيِين] (أهل عَمّان).. بعدها دفعهم الله مرة أخرى إلى يد [الفلسطينيين] مدّة [40] سنة: اُنظر [سِفْر قُضاة] (13)، عدد (01).. وفي سنة [1116] قبل الميلاد، حاربوا الفلسطينيين الشّجعان، فانهزموا شرَّ هزيمة، فاستولى الفلسطينيون على أقدس المقدّسات، ومنها [تابوت العهد]، ولم يكنْ هناك [هَيْكَل] يُذْكَر.. في سفْر [التّثْنية]، ادّعى الملك [شَالاَ] أنه وجد نسخةً من الشريعة بالصّدفة، وكانت [السامرة] قد انتهتْ، وانمحتْ من الوجود؛ فاكتشف الملكُ أن [بني إسرائيل] قد ابتعدوا كثيرا عن شريعة [موسى]، فقرّر كتابةَ تاريخ جديد منذ الخليقة حتى وفاة [موسى]، ومتى مات [موسى]؟ لا أحد يعرف.. وأين دُفن؟ لا أحد يعرف.. كل ما يُعْرف هو أن عمره [120] سنة في آخر مرّة رأوه فيها، حين قال له الرّب: (وإذا رأيتَ أرضَ كنْعان، [لا أرض الصّهاينة]، فلا تدخلْها.]، وأخذ [موسى] عصاه ومضى نحو الشرق؛ أين؟ لا أحد يعرف؛ ولكنْ فُتِح البابُ للأضاليل، والأكاذيب، وهي قائمةٌ إلى يومنا هذا.. و[العهد القديم] أصبح تاريخا دينيا لا تاريخا واقعا، وعجّ بالأكاذيب، وهو تاريخ كتبتْه [إسرائيلُ] الجنوبية، يعني [يهودا] ضد صهاينة الشمال [السّامرة]، وكلّما أخبروا عن أيّ ملك، كان النص ينتهي دائما بـ: [وعَمِل الشّر في عيْني الرّب، وصار في طريق [يَرُبْعان] الذي جعل (إسرائيل) تُخْطِئ]؛ وهذه الأسْفار متحيِّزة للجنوب؛ وهؤلاء هم الذين سيكُون منهم أشرّ الصهاينة عبر التاريخ.. وغدًا نتحدّث عن قصة الهيكل إن شاء الله..