نجيب كومينة*
في عدد من الإدارات تتكون عصابات تمضي الوقت كله في نسج المؤامرات وحبك السيناريوهات لتوزيع الغنائم وعزل كل من يخرج عن الصف وتصفيته، ولأن هذه العصابات بلا حس وطني ولا شعور بالمسؤولية تجاه البلاد وشعبها ولا يهمها إلا المواقع ومردودها الشخصي، فإنها لاتتردد في صناعة الكذب وتزوير الأرقام والنفخ في الانجازات كي تحصل على المزيد من المال العام الذي يبدد في صفقات تخترقها الشبهات وفي التعويضات والأسفار و"التريتورات" والتوظيفات المخدومة التي تركز التمييز بين المغاربة وتهبط بالكفاءة والأداء إلى الحضيض
وكما في السياسة، فإن الفاسد والمفسد يحظيان في الأغلب الأعم بحماية صاحب نفوذ ما ويستقوي بقربه من جهاز ما ويتصرف كما لو أن القانون وضع للآخرين ممن لاحول ولا قوة لهم ومن يحولهم إلى جمير في ضيعته
المشكلة أن هناك وراثة من جيل إلى جيل لهذه الممارسة وغالبا ما ينسيك رجال العصابة الجدد في رجال العصابة القدماء، لأنهم يزيدون على ماتعلموه من القدامى خبثا إضافيا
ولا يترددون في السعي إلى طحن من علموهم الخبث والممارسات الفاسدة كي يحرروا المجال منهم ويحتلونه لوحدهم بلا اقتسام
وبصراحة، عقلية العصابات هذه التي ترسخت في عدد من الإدارات مند زمن غيريسير تتجه لأن تصبح عقلية جماعية بسبب الانحدار الأخلاقي المتسارع في مجتمع لم ينتج قيم بديلة للقيم التقليدية ولم تتقدم فيه الديمقراطية والمحاسبة الفعلية لكل ذي سلطة أو نفوذ أأينما وجد ولم تتقدم فيه المأسسة كي تتحرر الدولة من المخزن وممارساته التي تنتمي إلى زمن آخر وتصبح قواعد الحكامة معروفة وواضحة ومحترمة ولاحق لأي كان في تجاوزها.
الزلزال الذي يجري الحديث عنه اليوم لن يكون ذا معنى أو أثر على المدى البعيد إذا لم تتلازم عملية تحرير الإدارة من العصابات المستهترة والمتحايلة مع مأسسة حقيقية شاملة وإنهاء استغلال النفوذ وصنع الفقاعات وتقوية "بوساقات" وإذا بقي المخزن حريصا على تطويع الأحزاب وتسخير الصحافة وتحويل الجميع إلى أولاد زروال يجب ألا ننسى أن مظاهرة ولد زروال ما تزال ذات أثر على الحياة العامة إلى اليوم، ما يعني أن الرجل الذي ضحك منه الجميع بات فاعلا تاريخيا.
صحافي وباحث*