في سياق لا ضَرَر ولا ضِرار، وبعد موجة الغضب التي تدحرجت مثل كرة ثلج لمسافات طويلة على أطراف الفيسبوك والوات ساب، إلى أن سقطت واستقرَّت في البحر الإفتراضي عُرضة للذّوَبان، هل يا تُرى أخي التّاجر، قَد حقّقتَ نتيجةً مَلموسة مِن كلّ نداءات المُقاطعة، التي مَلَأَتْ مواقع التّواصل الإجتماعيّة ضجيجا؟
في سياق ما سبقَ وتلَا توزيع مُراسلات "سُوء الفَهم" يُمنة ويُسرة، والتي احتَدمَت مِن أجل نَيلها والظّفر بها حروبٌ دنكشوتيّة. هل تعتقد أخي التاجر أنّك قادرٌ على الإستغناء عَن منتوجات شركاتٍ، ظَلَلْتَ وظَلَّ مَن سبقوك لسنين طَويلة، تمنحونَها أرجاءً واسعة مِن دَكاكينِكم، ومجهودات جبّارة مِن أتعابكم، وأقساطاً مُقتطَعة مِن حياتِكم ومِن رِعايَة ذَويكم، وتنازلات خارقة لإستيطانِكم، والكثيرَ الكثيرَ مِمّا مَنحتُم وتَمنحون، حتى تُقرِّرَ في لحظة "سُوء فَهم" الإحتجاجَ عن أشياءَ، نَقشَتها السّنين في أذهان السّواد الأعظم مِن إخواننا التّجار؟
يَحِزّ في النّفس أن نُواصل خِداعَ أنفسنا، ونحن الضّعفاء رغم كَثرَتنا كغثاءٍ السَّيْل، لأنّنا فقط صدَّقنا ذَوَاتنا في لحظة نزوةٍ خاطفة، أنّنا فِعلا قد حَرّكنا رُكنا من أركان البَسيطة، وأنّنا أقَمناها ولن نُقعِدها، مع أنّ واقِعنا يَشهد بعكس ما نَنسُج مِن تخيُّلات غيرَ ذاتِ جَدوى، ومِن ذلكم مثلا أنّنا، ولِعِلمِنا بالإرتباطات التّي تُكبّلنا بقوة الحديد إلى شركاتٍ، اشتَدَّت غَطرَسَتُها، وَلا بديل لها عن نوعيّة خدماتنا المُتَرَنِّحة، لا نزال نُراهن من حين إلى آخر على تمرُّدٍ، لا يختلف نوعا ما عن نَفثِ تراكمات دَفينة، لعَلّنا نَحظى بطَبطَبَةٍ أو لَمسَةِ أنامل ناعمَة، تتخَلّلُ شُعورنا ومَشاعيرنا المُبَعثرة، كأطفالٍ مُدلَّلين يَرجون مِن وراء الشّغَب، لَفتَ إنتباهِ أمٍّ، تَطبَعُ بُعَيْدَ كُلِّ حِصّةِ ضَربٍ غيرِ مبرحٍ قُبلةً على خُدودِهم الوَرديّة.
هي إذن مَسألةُ فِكرٍ صَدِئٍ ضارب بأطنابه في أعماق عقليّاتنا الفُولاذِيّة، وَجَبَ اليوم إعادة النظر في تَركيبَتِه الشادَّة، لإنتاج فِكر بديل مُنسجم مع ظروف المرحلة الآنيّة، لأن الطّرَف الآخر يَعتمدُ أساليبَ مُتطورّة وخُططاً مدروسَة في تَناولِ كلّ مُستجدٍّ على حِدىً، بينما نحن نُراهن على سلاح المُقاطعة في جانبه المادّي لا أكثَر، وأَوْصَالُنا مُمزّقَة مِن الدّاخل، فَلا نَكادُ نَستجمعُ مِن شَتاتِنا النّزرَ القليل، حتّى نَسمعَ عَن جَبهةِ تَمرّد حديثة النَّشأة، تدعُو إلى مقاطعة منتوجات شركة ما للأسبابِ ذاتها، مَع العِلم، وهنا تكمُن الغَرابَة، أنَّ جِيرَانَ المُقاطِعين، هُم أوَّلُ مَن يَشُقّون الصُّفوف، ليس لأنّهم ضدّ روح المُبادرات، ولكن لأنّهم يَغارون مِن إخوانِهم، ويُفسِدُون عليهم مُتعة الإحساس بنشوة الدّلال.
تَقتَضي مُستَويات المِيزاجية المُتقلِّبَة التي بَلَغَتها مُعظم شرائح المُجتمع، أن نَنأى بأنفسنا عن التّفاهات، وأن نركن إلى الصّوَاب بالإعتماد في تَقييم الأمور على مُعطيات عِلميّة ومَوضوعيّة صِرفَة، حتّى إذا ما قَرّرنا مَواجَهة شركةٍ مَا، يكون النِّدّ لِلنِّدّ، أن نختارَ مُمَثِّلين أكفاء في مُستوى مجابهة أعضاء مجلس إدارتها وعلى درجة من الوَعي بأصول المُفاوَضات، يُقايضُون الحُجّة بالحُجّة، والمَطالب بالمُكتَسبَات، ويَضعُون النُّقط فوق الحروف لا في جُيوبهم!!
الله يتجَاوْزْ علينا، إيلَا كَانْ عَقلِي يَنفَعنِي، رُبّما هذا دَوْر الغُرف المِهنيّة بالدّرجَة الأولَى؟ وِيلَا كانت "التّخمِينَات" ذيَالِي صائِبَة، فَشْكُون خَصُّو يَعتَاذْر لمُول الحانُوت: الشَّرِكات الرّبحِيّة أوْلَّا المُؤسَّسَات الدُّستُوريَّة؟
الطيب آيت أباه من تمارة