في الحقيقة منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أحاول استنباط معاني ونتائج تصرفين في شكلهما متشابهين لكن أحدهما في باطنه يتناسل أكثر من سؤال..
فلدى الشعوب التي عادة ما نسميها نحن المسلمون بالكفار، عندما تلج جامعاتهم ومتاحفهم وتحضر محاضراتهم وندواتهم كثيرا ما تجدهم يتحدثون ويستشهدون بمقولات وسلوكات الفطاحل من قدماء العلماء كعلماء الفلك "أبو حامد الأسطرلابي، أرخميس،ألبرت مات، ثابت بن قرة...."و علماء الرياضيات والفيزياء "ألبرت إينشطاين، الخوارزمي، إسحاق نيوتن، البيروني...." وعلماء الطب ومتفرعاته " توماس أديسون، الفارابي، ألويس ألزهيمر، ابن سينا، جان ماري شاركوه، أبقراط...." صه فطاحل في مختلف العلوم أفنوا حياتهم من أجل المساهمة كل من موضعه في رقي الإنسان وتطوره، وفي النهاية أدركت أن مرجع هذا التصرف هو بناء جسر بين الماضي والحاضر، من خلاله يتأتى خلق وتكوين الخلف وفعلا ورغم صعوبة الطريق والمسالك في هذا الباب، فهناك دائما علماء جدد في كل الميادين ليس فقط ضامنون لاستمرار علوم السلف، بل يطورون ويجددون ويكتشفون..
أما نحن المسلمون " أحدهما في باطنه يتناسل أكثر من سؤال.. " فتجدنا غارقين حتى النخاع في الحديث عن ما أتى به القرآن وما أتى به رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم والذي تم تجميعه في الأحاديث النبوية، ونتحدث عن الصحابة رضوان الله عليهم وما كانوا يفعلونه ويقولونه.." عمر بن عبد العزيز، أبوهريرة، جعفر ابن أبي طالب، أبو بكر الصديق، علي ابن أبي طالب، فاطمة ، خديجة، واللائحة طويلة..." وكلها تصب وتتحدث عن مكارم الأخلاق، أخلاق الإسلام، عدم الكذب، إكرام الضيف، عيادة المريض، التصدق، التضامن، عدم الغيبة، الحلال والحرام، الطريق إلى الله، الطريق إلى الجنة، الطريق إلى النار، و،و،و،و،و،وغريها كثير، كثير..
وإذا كان "الكفار" عليهم سهر الليالي، وتقديم تضحيات مادية ومعنوية للحفاظ على إرث علمائهم وعلمائنا الأقدمين... فإننا ولبلوغ المطلوب منا من مكارم الأخلاق والتشبه بالسلف الصالح، لسنا في حاجة لتضحيات، ولا لمراجع أكاديمية، فمثلا الطريق للجنة عبر جمع الحسنات، لم يعد محفوفا بالتضحيات والمشاق وسهر الليالي، فيكفي الآن أن ينخرط المسلم في الشبكة العنكبوتية، ويدخل في هاتفه المحمول تطبيق الوات ساب لتنهال عليه إرساليات دينية وقد تأتيه من أحدهم لا سابق معرفة له به، وسيؤكد له أنه إذا قرأ الإرسالية فله الرقم الفلاني من الحسنات، أما إذا أرسلها إلى خمسة أشخاص فستتضاعف حسناته ,, وكلما "بارتجاها أكثر" كلما كثرت حسناته واقتربت أكثر من الجنة، لدرجة لم تعد الجنة على ما يبدو تحت أقدام الأمهات.." لم لا وهن ناقصات عقلا ودينا؟؟ !! "
منذ أن يبدأ المولود المسلم في التأتأة " باه، ماه " والحركة تبدأ معه مرحلة تعلم مكارم الأخلاق فتنهال عليه النصائح، والتوجيهات، "كخ، فوفو ، طاح طاح....." ومع كل مرحلة عمرية تتوسع قائمة مكارم الأخلاق التي عليه التمسح بها... فيجد المسلم نفسه من المهد إلى اللحد وهو يسمع ويتعلم مكارم الأخلاق التي أتى بها الإسلام والتي يجب أن يتحلى بها كل مسلم، لأننا خير أمة أخرجت للناس...
جل المسلمين يتحدثون عن الأخلاق الحميدة التي أتى بها الإسلام، ومع ذلك فإن المشكل الأساسي لديهم الآن هو غياب الأخلاق، وهم خير العارفين بأن "الأمم الأخلاق ما بقيت، إن هي ذهبت ذهبوا " بل أكثر من هذا كم سمعنا عن ذاك المستشرق الذي انتهى به ما راه في بلدان المسلمين، وبلدان الكفار، إلى أن في الأولى مسلمون لكن دون إسلام، وفي الثانية إسلام دون مسلمين.....
من بين مكارم الأخلاق التي تحدثث عنها الصدقة فلها عدة فضائل ومن بين قاله عز وجل في شأنها " قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ "
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ )كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق (رواه الترمذي .وقال أيضا "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة" فضائل الصدقة إذن لا تحصى ولا تعد، مجرد الابتسام هو صدقة، لا يحتاج فيها الإنسان إلى أي مجهود ولا إمكانيات، دون احتساب فضائلها على وجه الإنسان ذاته، ومع ذلك لا ابتسام في الإدارات، ولا ابتسام في الشوارع، ولا ابتسام في المستشفيات، ولا باتسام في الكوميساريات، ولا ابتسام بمراكز الدرك، ولا ابتسام في الشركات، ولا ابتسام في المدارس والثانويات، ولا ابتسام في القيادات، ولا ابتسام في المساجد .. ولعمري فحتى تحية الإسلام تؤدى بلا ابتسام ....ولا ابتسام ولا ابتسام.....