شيءٌ من حتى بَقِيَ في نفوسنا منذ وَقْف الانتفاضة الفلسطينية، وقبول منظمة التحرير الفلسطينية بمعاهدة أوسلو التي جرى توقيعها مع الكيان الإسرائيلي تحت رعاية أمريكية، بواشنطن في الـ13 من شتنبر 1993.
نَصَّت الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، مقابل اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل على 78% من أراضي فلسطين (كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة)، مع التزام منظمة التحرير الفلسطينية بِنَبْذِ الإرهاب والعنف عبر منع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.
وكان من المفترض، وِفقا للاتفاقية، أن تشهد السنوات الانتقالية الخمس مفاوضات بين الجانبين، بِهدف التوصل إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338. كما نصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات سوف تُغطي القضايا المتبقية، بما فيها: القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.
كثير من بنود هذه الاتفاقية لم يُطبَّق على أرض الواقع !
واليوم مع اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وإعلان عزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبالرغم من أن الصفعة كانت قوية فإنها صفعة سَتوقِظ النائمين وتُنَبِّه الغافلين منا.
فمن جهة، عَرَّت عن الحكام العرب المتآمرين والمشاركين فيما عُرِفَ بصفقة القرن، والذين أخبرهم ترامب بقراره قبل إعلانه. ومن جهة أخرى، كشفت الوجه الحقيقي للحكومة الأمريكية، مِما أفقدها الشرعية في لعِب دور الوسيط وراعي السلام.
كما أن هذه الخطوة قد تحرر الفلسطينيين من الالتزام بِبُنود معاهدة أوسلو، بما أنها لم تحقق السلام المنشود. ولعله تُعيد شرارة الانتفاضة من جديد، التي نتمناها ألا تتوقف حتى النصر بحول الله !
هكذا يعود خيار المقاومة إلى صدارة الحلول المطروحة لحل المشكلة الفلسطينية... "وَأَن ليْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى".
أما شعوبنا من الخليج إلى المحيط، وإن كانت ترى نفسها "مغلوبة على أمرها" في ظل أنظمة متواطئة أو لها مصالح مشتركة مع إسرائيل، فهي قادرة على رفع صوتها بالتنديد والاحتجاج والعمل على تحسيس الرأي العام والرأي الدولي.
كما أنها تملك في يدها سلاحا قويا ألا وهو المقاطعة: مقاطعة المنتجات الصهيونية والقوى الداعمة لها، لأن الضربة الاقتصادية أكثر وقعا. وهنا دور الآباء والمربين والمعلمين والمدرسين لتوعية الناشئة والمراهقين، بما أنهم الأكثر إقبالا على هذه المنتجات، والأقل وعيا بحكم سنهم وجهل الكثير منهم بالقضية الفلسطينية.
وَلِمَن يعتقد أن القضية شأنٌ داخليٌّ للفلسطينيين والإسرائيليين، ويُفَضِّل إعطاء الأولوية للقضايا المحلية العالقة، فَلْيعلم أن مسألة تحرير الشعوب هي القضية نفسها؛ لأنها ترمي إلى التحرر من الاستبداد والهيمنة الإمبريالية والصهيونية العالمية، وهي نفسُها التي تتجلى تَبِعاتُها إنْ على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو القاري !