في مقال لبنجامين ميللر، أستاذ العلاقات الدُّولية بجامعة حيفا بمجلة “ناشونال إنترست”( المصلحة الوطنية) الأمريكية قال فيه: إن أربعة حوادث أسهمت بتعزيز التأثير الإيراني بالمنطقة. مشيرا إلى أن طهران هي الرابح الأكبر من الاضطرابات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، التي عرفت بالربيع العربي حيث نجحت روسيا بتحقيق أهدافها في سورية، وأسهمت بالحفاظ على نظام بشار الأسد. وأصبحت بالتالي العراب الرئيسي لسورية ما بعد الحرب. وفي الوقت نفسه قوّت إيران من تأثيرها في أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وفي الوقت الذي يلقي فيه بعضهم اللوم على الرئيس السابق باراك أوباما والسياسة اللينة بالمنطقة. فهو الذي وقع الاتفاقية النووية للحد من نشاطات إيران، إلإ أنه لم يفعل اللازم كي يحد من تأثيرها بالمنطقة. ويرى ميللر أن أوباما ربما لم يكن قادرا على وقف التمدد الإيراني، ولكن الأسباب الحقيقية وراء صعود إيران قوة إقليمية مهيمنة مرتبطة بأربعة أحداث في الدول العربية التي توسع تأثيرها فيها. وفي كل واحدة منها لعب منافسوها ومن دون قصد دورا مهما في تقوية وضع إيران من خلال الرابطة الشيعية العابرة للحدود. وبعبارات أخرى عمل كل تدخل خارجي على تقوية الجماعات الشيعية المؤيدة لإيران في كل واحدة من هذه الدول العربية. وفي بعض الحالات وليست كلها فقد تأثرت الهيمنة بالمنافسة التي أبدتها المعارضة الوطنية للتدخل الأجنبي. ومع ذلك فقد لعبت العلاقات الإقليمية الطائفية العابرة للحدود دورا مهما في تحقيق الطموحات الإيرانية لكي تصبح قوة إقليمية. ويضيف الباحث إن إسرائيل هي العدو الرئيسي للنظام الإسلامي في إيران إلا أنها بطريقة غير مقصودة كانت عاملا مهما في بروز أول حالة من التأثير الإيراني في العالم العربي. وحدث هذا في لبنان عام 1982 في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال جنوبه حتى أيار /مايو 2000.
وكانت النتيجة غير المقصودة للاجتياح هي ظهور حزب الله. واستلهم الحزب الذي أصبح قوة عسكرية وسياسية أفكاره من الثورة الإيرانية. إلا أن القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي عبأ الشيعة في لبنان ما أدى لظهور جماعة إيرانية وكيلة في النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية. وضمن هذا لطهران تأثيرا واسعا فيه حتى لو أثار حنق بقية الجماعات الأخرى غير الشيعية التي تشكل المشهد السياسي اللبناني. وكان نتيجة التدخل الإسرائيلي في لبنان هو وصول عدو لها إلى الحدود القريبة منها وأدى إلى نزاع شرس عام 2006 وإمكانات أخرى لاندلاع العنف. وفي الوقت نفسه سمحت “المقاومة” ضد إسرائيل لبناء حزب الله شرعيته وبناء دولة داخل دولة.
العراق
الحالة الثانية كانت العراق حيث أصبح هذا البلد الذي كان في مقدمة الدول المعادية للثورة الإسلامية الإيرانية، ومن دون قصد مساحة للتأثير الإيراني. ولعبت الولايات المتحدة في هذه الحالة دورا مهما. فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 للعراق حاولت واشنطن نشر “الديمقراطية” في البلد. وفي بلد منقسم وموزع عرقيا وإثنيا يعني إجراء انتخابات أن الجماعة الإثنية أو الطائفية الأكبر هي التي ستفوز، ومن هنا فالعلاقة الطائفية العابرة للحدود بين شيعة العراق وإيران ضمنت للأخيرة تأثيرا كبيرا. ومن هنا فقد أدى الغزو الأمريكي وجهود الدمقرطة لفوز القوى العراقية المؤيدة لطهران، حتى لو كان التحالف معها ليس مرحبا به بين الكثير من العراقيين ومن بينهم الشيعة.
سوريا
في الحالة الثالثة التي أدى فيها التدخل الخارجي لزيادة التأثير الإيراني هي سوريا. وهنا أدى تدخل روسيا- وهي ليست عدوة لإيران حاليا- إلى تقوية ساعد طهران. ولكن العلاقة السورية- الإيرانية قديمة وتعود للثورة الإسلامية عام 1979 كما ان العلاقة بين طهران وموسكو سابقة على التدخل الروسي. وعلى أية حال فقد لعب القصف الجوي الروسي منذ أيلول /سبتمبر 2015 على حماية نظام الأسد. وكانت المليشيات المؤيدة لإيران وحزب الله قد بدأت القتال إلى جانب النظام في دمشق قبل أن يرسل فلاديمير بوتين قواته بمدة طويلة. ومثل الحالتين السابقتين انبنى دعم إيران وحلفائها الشيعة للأسد على أبعاد طائفية. ومن هنا ضمن اعتماد نظام الأسد العلوي على إيران والشيعة في النهاية تأثيرها في الحالة السورية. وفي الوقت الذي كان فيه الطيران الروسي مهما لبقاء النظام لعبت القوات البرية التي وفرها الحرس الثوري والمليشيات الشيعية وحزب الله، دورا مهما في حماية المصالح الإيرانية وبالضرورة نظام دمشق. وعليه تخشى إسرائيل من وجود إيراني متواصل ولحزب الله في مناطق ليست بعيدة عن الحدود مع إسرائيل. وهناك قبول روسي لهذا الوجود وإن كان على مسافة بعيدة عن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وهناك مخاوف من تصعيد مستمر بسبب وجود قواعد متقدمة لإيران في سورية.
اليمن
أما الحالة الرابعة، فهي اليمن الذي تستمر فيه الحرب، بثمن باهظ على المدنيين. ولا نعرف نتيجة الحرب بعد إلا أن الشيء الواضح هو فشل القصف السعودي المستمر في هزيمة الحوثيين وإخراجهم من صنعاء. وأكثر من كل هذا فقد أدت الحملة التي تقودها السعودية لتعزيز التحالف بين الحوثيين وإيران وبالضرورة تنفير قطاعات واسعة من اليمنيين من السعوديين وحلفائهم السنّة بشكل خلق قاعدة جديدة للإيرانيين في العالم العربي. وفي هذه الحالة أصبحت قريبة من الحدود السعودية التي تعتبر طهران العدو الألد لها. ووضع كهذا يفتح مجالا لتصعيد حالة ترجمت الحرب الباردة بين السعودية وإيران لمواجهة.
مستقبل
ومع ذلك فاستمرار النزاع في الشرق الأوسط يثير أسئلة حول مستقبل إيران بالمنطقة. إلا أن التطورات في العقدين الماضيين التي بلغت ذروتها في الاحتلال الأمريكي للعراق وتداعيات الربيع أدت إلى هيمنة إيرانية بعيدا عن برنامجها النووي. ويرى الكاتب أن أسباب الصعود مرتبطة أولا بالبعد الطائفي والعلاقات العابرة للحدود بين الدول التي ناقشها وكذلك آثار التدخلات الخارجية حيث ربحت إيران من كل هذه الحروب. وهو ما يضع الكثير من التحديات أمام السعودية وحلفائها السنّة وكذا إسرائيل. ومن هنا كانت الهيمنة الإيرانية السبب الحقيقي وراء التقارب السعودي- الإسرائيلي، الذي بدا من تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إزينكوت وتحدث فيها عن استعداد للتشارك الاستخباراتي مع السعودية. واصطفاف كهذا قد يترك آثاره في المنطقة. وهناك ملامح مواجهة متزايدة بين إسرائيل وحلفاء إيران بالمنطقة إلا أن محاولات تحييد من الطرفين قد توقف احتمالات المواجهة. ويرى الكاتب أن التقارب السعودي- الإسرائيلي بناء على قاعدة “عدو عدوي صديقي” ربما أسهم في التقدم على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني. وفي هذا السياق يأتي الدور الأمريكي حيث ظلت إدارة ترامب برغم الخطاب المتكرر تفككك علاقتها مع المنطقة. ويعتقد أن التحديات ستتزايد مع تدمير تنظيم الدولة في العراق وسورية.
إبراهيم درويش