محمد البودالي
كشفت الكلمة التي ألقاها "الزفزافي الأكبر"، أو باصطلاح أدق والد ناصر الزفزافي، المحرض الرئيسي لما جرى في أحداث الحسيمة، وصاحب الفتنة الكبرى التي شغلت ملايين المغاربة طيلة شهور، الصيف الماضي، أن من "المغاربة"، مع تحفظنا عن إطلاق هذا النعت على الخونة، لا زالوا يحنون إلى نظام الحماية الأجنبية، ولا يجدون ضيرا أو حرجا في الاستقواء بالأجنبي، على وطنهم الأم.
وليت كان الأمر بكلام صدق، ولكن مع كامل الحسرة والألم، مجرد افتراءات تستحيل مطابقتها والواقع.
ففي كلمته أمام أحزاب مشبوهة داخل البرلمان الهولندي، الذي تم تدنيسه من طرف أباطرة التهريب والمخدرات واستغلاله بشكل بشع لمصالحهم الشخصية، اعتبر والد الزفزافي، أمام الأحزاب الهولندية التي نعرف من أين تمول حمل حملاتها الانتخابية، ويغتني زعماؤها وقادتها، أن ابنه، ناصر الزفزافي، قد قضى في "الكاشو"، أي الحبس الانفرادي، ما لم يقضه نيلسون مانديلا في السجن.
كنت أود أن أقول شيئا آخر لوالد الزفزافي، إلا أن المقام لا يسمح، وأكتفي بتذكيره بالمثل القائل مع بعض التحوير البسيط: "إن لم تستحي فقل ما شئت".
ولكن، وما دام الشيء بالشيء يذكر، فيحق لنا قذف "الزفزافي الأكبر" بالسؤال: هل كان نيلسون مانديلا خائنا لوطنه؟ وهل كان أيقونة النضال هذا، يدافع عن أباطرة المخدرات، ويتحرك كدمية بين أيديهم؟ وهل سبق له الاعتزاز بعهود الحماية، وتفضيلها على بلده بعد استقلالها من نير الاستعمار الأجنبي؟
لا مجال للمقارنة بين نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، الذي كرس حياته لمناهضة الاستعمار الغاشم وتفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية، وبين المسمى ناصر الزفزافي، الذي طفا فجأة على السطح، وركب على مطالب اجتماعية بسيطة، مأجورا من بارونات مخدرات مغاربة مقيمين بالخارج.
المغاربة، عن بكرة أبيهم، لن ينسوا أبد الدهر، تلك العبارة المستفزة التي أطلقها الزفزافي وكانت عربون حقد وكراهية، عندما صرح بأن الاستعمار الأجنبي، كان أرحم، من نظام الحكم الحالي في المغرب. لذلك، فليس غريبا أن نسمع كلاما أكبر من "الزفزافي الأكبر".
إن مقارنة ناصر الزفزافي بنيلسون مانديلا، ليست سوى مجلبة للسخرية والاستهزاء والعار من رجل شاب شعر رأسه في خدمة الدولة، واستفاد من سكن تابع للأملاك المخزنية، قبل أن يتحول فجأة إلى منظر للنضال، وناطقا من البرلمان الهولندي باسم أباطرة المخدرات المستقرين هناك، والذين تكلفوا بنفقات سفره، وإقامته في الخمس نجوم، مع مصروف الجيب، وأشياء أخرى، لا يعلمها إلا الله.
إن سعي والد الزفزافي إلى إعطاء قضية اعتقال ابنه ومتابعته أمام العدالة بعدا حقوقية ونضاليا واستغلالها للطعن في مصداقية المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها السلطة القضائية، لهو أكبر دليل على الإفلاس الحقيقي لعائلة الزفزافي، كما أن التصريح بمثل هذا الكلام أمام الجهات المعلومة المعروفة بعدائها الشديد للمغرب دولة وشعبا ومؤسسات، يؤكد حقيقة واحدة، وهي أن أفول عهد الحماية لم ينهي بالضرورة حنين البعض إلى الاستقواء بالأجنبي وتخليه عن كل القيم الوطنية مقابل تسهيل أجندات خارجية تمس استقرار المغرب ومصداقية مؤسساته.