وضع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية حدا لطموحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام بالتمديد، في الزعامة التاريخية للحزب، الذي لم يكن غرضه ولاية ثالثة ولكن ولايات متعددة إلى أن يتوفاه الله، لكن الحزب الذي عاش تحت الهيمنة الأبوية بحكم قنوات التواصل التي فتحها الزعيم مع جهات متعددة، لكن الظرف العام لم يعد يسمح لهذا الرجل بالعودة إلى قيادة الحزب، لأن بنكيران الذي كان مختبئا بنا مجده الوهمي على أركان الشعبوية، التي لا يمكن أن تصمد في أول فرصة ليقظة الوعي السياسي.
ما وقع ليست انتصارا لأحد ولكنه هزيمة لمشروع الشعبوية، الذي شيد بنكيران قصوره الوهمية على أساسه، ولأن الوضع العام لم يعد يقبل الظاهرة فقد انهارت رغم مقاوماتها الكثيرة، حيث لم يستسلم بنكيران بسهولة ولكنه أخرج كل أوراقه، وحاول أن يصور نفسه على أساس أنه هو من يحارب التحكم، في محاولة للهروب إلى الأمام ومحو تاريخ من التعامل مع ما يسميه اليوم "التحكم"، حيث لا يمكن أن يمسح من صفحات التاريخ أنه راسل البصري للتعاون قصد القضاء على الشيوعيين الذين يحاربون الله بتعبيره.
نهاية عهد بنكيران هو هزيمة مشروع متكامل الأركان والأضلاع، كان يعتبر الوصول إلى الحكومة هي مرحلة التمكين قصد القضاء على المؤسسات، حيث لم تكن تهمه الحكومة والوزارات إلا بقدر ما هي أداة وظيفية لتحقيق الاستراتيجية الكبرى.
خلال ولايته لم يعر بنكيران اهتماما بموقع رئاسة الحكومة، لكن بناه على أساس روح شعبوية صورت الأحلام واقعا وجعلت الجبناء أشجع الناس في تزوير واضح للتاريخ، فكيف لمن سكت دهرا أن ينطق يوم أصبح الكل يتكلم بما يشاء ويظهر ذلك على أنه شجاعة بينما من يتكلم لغة الهدوء يعتبر خائفا؟
كان المشروع يهدف أولا إلى احتلال المفردات، حيث روج بنكيران كثيرا بلغة ساقطة ومتصاغرة أنه حكا نكتا حامضة للملك، وأكثر من قوله "قال لي الملك قلت للملك"، بينما ظل يهاجم المحيط الملكي، وهي محاولة لشخصنة الحكم في المغرب، وهي أقرب وسيلة لإسقاطه أو إضعافه على الأقل في أفق السيطرة عليه.
ظل بنكيران يردد أنه يرفض التعامل مع المحيط الملكي، في محاولة لجعل الحكم في المغرب فرديا، كحكم السلطنات، التي يمتح بنكيران من أفكارها، حتى إذا تسنى له ذلك يلصق كل شيء سيء في المغرب الملك ويصوره حاكما مطلقا، ولا يمكن القبول بالحكم الفردي في القرن الواحد والعشرون، وهو مشروع عملت عليه جهات كثيرة، وأزعجها أن يخرج الملك في خطاب تاريخي حذر فيه الأحزاب من الاختباء وراء القصر الملكي، لأن الغرض ليس فقط تبرير الفشل في تدبير الشأن العام ولكن إضعاف صورة الملكية في المغرب.
المشروع الشعبوي انبنى على إضعاف كل المؤسسات بما فيها مؤسسة رئاسة الحكومة لأن هذا من شأنه أن يؤسس لبنيات هشة ودولة ضعيفة يصعب السيطرة عليها. اليوم ومع نهاية بنكيران، تكون أدوات "اللعب" قد تغيرت وانتصر المشروع المقابل الذي يمكن أن ينسجم مع الوضع العام في سياق مؤسسات الدولة لا العمل من داخلها بهدف تخريبها.
Annahar almaghribiya