مقدمة مفاهيمية
تحبل الألفية الثالثة بتراكم القضايا البشرية واشتداد حدة الفقر والجوع في مناطق جغرافية واسعة ، مقابل تكدس الثروات لدى أقلية من أصحاب الجاه والثراء الفاحش ؛ وفي كلتي الحالتين يظل القلق Anxiety السمة البارزة في شخصية هذا القرن ، فقيرا كان أو موسرا ، بيد أن النهم واللهث وراء إشباع غريزة البقاء Survival instinct كثيرا يفضيان بصاحبهما إلى حالة التدمير الذاتي Self-Destruction إذا انعدم لديه وازع أخلاقي أو روحي ( ديني بالدرجة الأولى ).
لكن يجدر بنا قبل بسط الموضوع التوقف عند مفتاحي العنوان ؛ الإدمان والفراغ الروحي ، فماذا نعني بكل منهما؟
أولا : الإدمان Addiction " .. حالة إدمان شيء ؛ كوكايين ؛ كحول ؛ مشاهدة ألعاب ؛ البورطابل/الموبايل ؛ قمار ؛ " أو " ... الاهتمام المفرط بشيء أو الرغبة الجامحة لفعل شيء ما . ويمكن ؛ وفي ذات السياق ؛ التساؤل : متى تنشأ لدى الشخص حالة الإدمان ، أو متى يصبح مدمنا؟
لقد أثبت علم النفس المرضي الحديث Modern Psychopathology أن حالة الإدمان تظهر وتنمو لدى الشخص تبعا لقوة الدوافع وراءها والتي يمكن إجمالها في عدة متغيرات منها على سبيل المثال : الفراغ والهروب من الواقع ؛ أو تلقي صدمة ما أو التفكك الأسري أو التخفيف من الشعور بالوحدة ؛ أو الاكتئاب ... إلا أنها لدى الشخص الثري تنشأ عادة عن رغبة في تحقيق مزاج عال أو السعادة المدمرة . ولعل أقرب الأمثلة لدينا تأمل حالات سلوك المدمنين من نجوم السينما والغناء والرياضة ، وأثرياء النفط ...
ثانيا : النشاط الروحي Spiritual Activity ؛ فيأتي تعريفه : " .. نشاط حفظ الصحة دون اللجوء إلى استعمال العلاجات أو طرق مادية أحيانا كجزء من طقوس دينية ... وقد يكون عبارة عن مشاعر عميقة ومعتقدات ذات طابع ديني بدلا من الممارسات المادية .."
وبهذا المعنى يكون الفراغ الروحيvacuum Spiritual عموما هو : " ... خلو اعتقاد الشخص من قوة كبرى غير مرئية تتحكم فيه وما حوله من موجودات فيزيقية ، فهو يستشعر صاحبه أنه هباء ؛ جسد بلا روح ، أو موجود لكن بدون إحساس باطني ؛ وهي حالة نفسية مرضية قريبة من الانفصام Schizophrenia الذي يصيب الكثيرين.
ولعل أقرب الموارد الروحية تتواجد بدور العبادة ؛ بالمساجد والكنائس والأضرحة ، واستحضار أرواح الأجداد من السلف... والطوطميات عموما . والمجال الروحي خصب بدراسات وتمثلات ؛ يطغى عليها الجانب الديني والصوفي على وجه الخصوص ، كما لا يتأتى استشعار مقدار الروحانية التي تملأ المكان ( المساجد تحديدا ) أو الجسد إلا من طرف شخص ذي روحانية عالية ( لصلته القوية بالله ورسوله وآل البيت والتابعين ...).
ماذا وراء الإشباع المادي أو الروحي
لا ريب في أن الإشباع المادي لدى الشخص ؛ بما فيها نزواته وميولاته وطموحاته ... ؛ أحيانا تصل درجة إشباع فنفور أو دوران في حلقة حياة غير ذات معنى ( مثال طفل إذا شبع من لعبة عمد إلى تهشيمها ) ، وهو مستوى من السكون والخمول والتذمر وأخيرا اليأس والإحباط وربما في مرحلة متقدمة الاكتئاب فالفناء ... وهو ؛ في نهاية المطاف ؛ يبحث عن روابط جديدة تشده بالوجود فيلجأ صاحبها إلى وسائل بديلة كالإدمان بمختلف أنواعه وصوره ؛ يرتمي في أحضانه حينا ليصل به إلى مستوى اللاعودة ومن ثم تدمير الذات وإفنائها بما اتفق له من وسائل { كمعاقرة الخمرة وإدمان القمار والمخدرات والقتل والتعدد المثلي Homo Sexual، والاقتران بالحيوان ، وإتيان الغريب من السلوكات ، وإهدار الوقت بكل ما هو مضر ... }.
بيد أن الإشباع الروحاني ؛ على النقيض من المادي؛ لا يحد بحدود ... لكن يزداد قوة وصلابة وإمعانا في تأمل الكون ، وتزداد النفس سموا عن الدنايا والماديات وكل الأشياء الفانية ، وفي هذه الحالة يركبها نوع من الطهر والنقاء والصوفية والنظرة الثاقبة التي لا تتأثر بالمحسوسات ولا النزعات النفسية والأشياء الطارئة.
الثلاثية المدمرة الشهرة والمال والسلطة
أجمعت العديد من مدارس علم النفس في العالم على أن الأشخاص الذين يجمعون بين الثراء الفاحش والشهرة النجومية والسلطة النافذة ليسوا بأسوياء في سلوكاتهم ومواقفهم وطموحاتهم ، فهم على صلة كبيرة بتضخم الأنا وجنون العظمة والعيش في أبراج عاجية؛ تتراءى لهم المخلوقات البشرية وكأنها حشرات وجب سحقها بوسيلة أو أخرى ، فهم بالكاد يفتقدون التوازن النفسي والذي كثيرا ما يطيح بوجودهم عبر الارتماء في أحضان المقامرة بالغالي والنفيس أو التعاطي للمخدرات أو إدمان سلوكات شاذة..
مغاربة مدمنون فمتدينون ولكن ..
تفيد الإحصائيات ، وكذا تقارير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض المعدية أن عدد المغاربة المدمنين على المخدرات في تصاعد رهيب ؛ يكاد حاليا يصل إلى مليون شخص ، منهم الآلاف يدمنون المخدرات القوية كالهيروين والكوكايين ، أو بديلا عنها كالحشيش والأقراص المهلوسة والتي اتسعت دائرة انتشارها بين الشباب القاصرين من ذوي الأعمار 15 إلى 28 سنة بنسبة 70% ، كما أن هناك مخاوف من تزايد نسب الانتحار بينهم بين الأعمار 25 إلى 50 سنة لأسباب وصفت بحالات التدمير الذاتي Self-Destruction.
وفي إطار الفراغ الروحي وعلاقته بالإدمان فقد أكدت دراسات سوسيولوجية وكذا الملاحظة الأمبريقية ( ذات المنهجية العلمية ) وجود علاقة سببية / رابط ديني بين أشخاص كانوا مدمنين بكيفية أو أخرى فأقلعوا عنه بمجرد احتمائهم بالدين وأدائهم لبعض شعائره، ومنهم من أشهر إسلامه ـ بالنسبة للمسيحيين وغيرهم ـ ومنهم من اعتزل عمله ( في المجال الفني السينمائي ... وانقطع إلى عبادة الله وغشيان دور العبادة.
ومن المغاربة من أفرط في هذا المجال الروحي وأغرق إلى درجة الصوفية Sufismأو البوهيمية Bohemianism والبعاد كليا عن الحياة المادية ، وهناك من الحالات أشخاص كانوا مدمنين فتحولوا إلى متدينين وارتموا في أحضان جماعات راديكالية ، فأصبحوا بين عشية وضحاها "علماء" يفتون في كل شيء ومنهم من غشيته جماعات متطرفة تدعو إلى الجهاد بالسيف.
ونخلص إلى القول بأن الإدمان له علاجات طبية بوصفات عديدة ومتنوعة ، بيد أن الشفاء منه كليا يعتمد على الحالات التي يعانيها الشخص المدمن ، ومن بين طرق الاستشفاء الرياضة الروحية وغشيان دور العبادة وأخذ جرعات مركزة في التأمل الباطني وممارسة أنشطة رياضية جماعية والانخراط في أندية مختصة بمشاهدة عروض سينمائية في آفة الإدمان وطرق التخلص منه.