لا يوجد منطقيا حدث معزول. بل إن خبايا الحدث تتوالد مع الوقت، وكلما تقدم الزمن كلما ظهرت أمور كانت في السابق مجرد تخمينات مبنية على وقائع غير محددة بدقة، لكنها تصبح مع تقدم التحقيق حقيقة قائمة الأركان. ما وقع في الحسيمة كان يظهر للمتتبع، الذي لا يمتلك أدوات قوية للتحليل، مجرد خروج لجمهور الساكنة مطالبة بمجموعة من الحاجيات الاجتماعية، لكن من كان يملك حدا أدنى من الأدوات معززة بمجموعة من المعلومات على قلتها كان يفهم أن الأمر أكثر من ذلك بكثير.
نحن في النهار المغربية لم تنطل علينا الحيلة ولم ننخرط في جوقة الدفاع عن المعتقلين على خلفية حراك الريف بالجملة. لم نستبعد أن يكون البعض "مجرورا" لكن لم نستبعد عنصر "اللعبة" في القضية، وكتبنا أكثر من مرة عن الكيان الموازي، أو صراع الكيانات، الذي كان الغرض منه هو إضعاف مؤسسات الدولة قصد التحكم فيها، ولن نذهب بعيدا إلى حد الإقرار بأن هناك من كان يريد قلب النظام.
تركيزنا على الكيان الموازي أو حتى الكيانات كان الغرض منه البحث عن الفاعل الأكبر، وعدم تركيز كل الاهتمام على الحلقات الوسطى والصغرى، لأن عملا من هذا النوع يستحيل أن يقوم به أشخاص معزولون ومنهم من لا يكاد يلوي على شيء. مؤشرات كثيرة كانت تفيد أن العملية وراءها لعبة كبيرة، الغرض منها ليس تحقيق مطالب اجتماعية ولكن مطالب سياسية في حدها الأدنى إضعاف الدولة قصد التحكم فيها.
يدور اليوم تحقيق مركز حول تصريحات أدلى بها ناصر الزفزافي، المتهم الرئيسي في حراك الريف، يكشف فيها عن خيوط جديدة في القضية، لسنا في وارد التأكيد على ما قال ولا نفيه، لأن هذا من مهام هيئات التحقيق المتنوعة، ولكن نقول إن ما قاله يوحي بأن هناك عملا في الخفاء كان يجري الغرض منه زعزعة أركان الدولة قصد التحكم فيها.
عندما تحدثنا عن الكيان الموازي كنا نود القول إن معتقلي الحراك، الذين سيقول القضاء قوله فيهم، ليسوا هم كل شيء، ولكن هناك أدرع كثيرة لمؤامرة مكتملة الأركان، ونبهنا كثيرا إلى أن مؤسسة عمومية ودستورية تقود حربا ضد المغرب إن لم تكن تسعى إلى إدخاله تحت رحمة المنظمات الدولية، من خلال تقاريرها المغرضة بخصوص حراك الريف.
أحداث الحسيمة لا تقف عند شباب استغلوا الحراك الاجتماعي لارتكاب أفعال يجرمها القانون، ولكن تمتد إلى صراع بين كيانات كل منها كان يريد إضعاف الدولة بطريقته. من يقف وراء الزفزافي ومجموعته هم كيان متكامل وفي الجانب الآخر هناك من كان يستغل هذا التدخل في اتجاه إضعاف الدولة أيضا. نحن نتحدث عن أشخاص حزبيين بممارسات لا علاقة لها بالعمل السياسي. المطلوب اليوم ألا يقف التحقيق عن حد. التحقيق أمرت به النيابة العامة بعد استقلالها الدستوري. إذن يجب أن يكشف حدود اللعبة. ومن حق الشعب المغربي أن يعرف حقيقة ما جرى ويجري فالأمر يتعلق بمحاولات لقلب البنيات كاملة ومحاولة لتيارات كانت تسعى للحكم بطريقة أو بأخرى إلا طريقة القانون والدستور.
Annahar almaghribiya