فجر الحدث الكارثي، الذي وقع نواحي الصويرة وذهب ضحيته 15 سيدة وعدد من الجرحى نتيجة التدافع خلال توزيع مساعدات غدائية، العديد من الأسئلة وما زال يفجرها، لكن الوقوف عندها لن يجدي نفعا، وذهب كثير من المحللين إلى حصر القضية و فيما وقع والمطالبة بالتحقيق في القضية، وهذا ما تم بالفعل حيث شرع قاضي التحقيق بجنايات مراكش في الاستماع إلى عامل إقليم الصويرة ومساعديه وتم إعفاء القائد الجهوي للدرك الملكي قصد التحقيق معه أيضا، ناهيك عن التحقيقات المفتوحة من قبل الجهات المعنية.
لكن الوقوف عند الحدث لا ينتج معرفة به وبالتالي نبقى محصورين وسط نطاق ضيق ولا نبحث عن معالجات دقيقة للموضوع. بالأمس تحدثنا عن الحزب الحاكم والعمل الاجتماعي، واليوم نتحدث عن رجل السلطة والعمل الإحساني، بحثا عن دور متطور لهاته الفئة من الدولة، في انتظار أن تقدم الحكومة على مناقشات جذرية لإعادة النظر قانونيا في الإحسان العمومي وفق أوامر جلالة الملك.
فما هو الدور الذي ينبغي أن يلعبه رجل السلطة في ضبط عمليات الإحسان العمومي؟ رجل السلطة دوره هو تأطير الفضاء العام وضبطه من أجل حماية استقرار المواطنين، وهو المسؤول في الإقليم إن كان عاملا وفي الدائرة إن كان باش وفي المقاطعة إن كان قائدا، عن مراقبة الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن أن تشكل خطورة على حياة المواطنين.
فرجل السلطة معني بمراقبة الأنشطة السياسية في الحي والدرب وفي كل مكان، ليس من باب التشويش كما يعتقد كثير من "المناضلين" ولكن حتى يكون على أهبة الاستعداد للتدخل في أي طارئ بل يحدد مسبقا ما إن كانت شروط الممارسة السياسية متوفرة في المكان أم لا؟ كما يراقب أنشطة البناء وكل الأنشظة التجارية من باب ألا تكون مضرة بالساكنة، كما هو مطالب بمراقبة العمل الاجتماعي عموما والعمل الإحساني خصوصا، باعتبارهما من الأنشطة التي تنتج الرأسمال الرمزي الذي يتم توظيفه في الانتخابات وغيرها من القضايا السياسية.
اليوم لم يعد مطلوبا من رجل السلطة فقط مراقبة مدى انضباط العمل الإحساني لقواعد القانون بعدم استغلاله في السياسة والحملات الانتخابية، ولكنه مطالب بضبط العمل الإحساني حتى لا يتحول عن مساره الطبيعي، وحتى لا يصبح مجرد "حرفة" لإهانة كرامة المواطن.
طبعا يوجد قانون ينظم التماس الإحسان العمومي، لكن لا يوجد قانون ينظم أوجه صرف الإحسان العمومي، مما يجعل مهمة رجل السلطة معقدة أحيانا، ونقف أمام معادلة صعبة، معادلها الأول هو عمل الجمعيات وفق القانون ومعادلها الثاني هو حماية المواطنين من كل أنواع الاستغلال.
في غياب قانون ينظم أوجه صرف العمل الإحساني يقف رجل السلطة حائرا. لكن الحيرة لن تكون إلا نتيجة الجهل بالقانون، وإلا فإنه لا توجد منطقة فراغ تشريعي نهائيا، لن الاجتهاد يحيل على القانون المنظم لرجال السلطة ويمنحهم سلطة لتقدير مدى قانونية تنظيم نشاط معين وفق الإمكانات الموضوعة رهن إشارة المنظمين ورهن إشارة السلطة.
Annahar almaghribiya