تعاقب على رأس الدبلوماسية الجزائرية 16 شخصية منذ الاستقلال، وكانت أبرز تلك الشخصيات التي تولَّت وزارة الخارجية الجزائرية الرئيس الحالي «عبد العزيز بوتفليقة»، والذي شهد عصر تولّيه للدبلوماسية عدّة أزمات، استطاع «عبد القادر المالي» – لقب بوتفليقة – حينها تجاوز تلك الأزمات بعبقريةٍ منقطعة النظير، ليوصف عصر تولي بوتفليقة للخارجية في الجزائر بـ«أزهى عصور الدبلوماسية في البلاد».
نافس بوتفليقة على هذا الشرف شخصياتٌ عدّة كان أبرزها «محمد الصديق بن يحيى» إضافة إلى «الأخضر الإبراهيمي» و«كريم بلقاسم»، لكنّ التصريحات الأخيرة للوزير الحالي للخارجية «عبد القادر مساهل» ضدّ المغرب افتقدت الكثير من هيبة الدبلوماسية الجزائرية التي عمل بوتفليقة على الرفع من شأنها، وأعادت الجدل عن سبب ضعف الدبلوماسية الجزائرية منذ عجز الرئيس بوتفليقة، في هذا التقرير نستعرض أبرز وزراء الخارجية الجزائريين الذين نافسوا بوتفليقة إضافة إلى أبرز الدبلوماسيين الذين فشلوا في ملء فراغ بوتفليقة الوزير.
كريم بلقاسم» باكورة الدبلوماسيين الجزائريين
ولد «كريم بلقاسم» في 14 ديسمبر( كانون الأول) عام 1922 بقرية «تيزر نعيسى» بدوار أيت يحيى موسى بمنطقة القبائل في الشرق الجزائري، عرض عليه الاستعمار الفرنسي العمل في صفوفه لكنّه اختار الالتحاق بالثورة التحريرية سنة 1946، انضمّ إلى «مجموعة 22» ثمّ إلى «مجموعة الستة» التي تحمّلت مسؤولية تفجير الثورة الجزائرية، وفي مؤتمر الصومام سنة 1956 تفجرت طاقاته الدبلوماسية بعد أن تمكّن من إدارة الاجتماع الأهم في تاريخ الجزائر، ليتحوّل بعدها من قائدٍ عسكريٍّ إلى قائدٍ سياسي، ومع تشكُّل الحكومة الجزائرية المؤقتة وفي تشكيلتها الثالثة تقلّد «كريم بلقاسم» منصب وزير للخارجية في أغسطس (آب) عام 1961، ليشرع في مفاوضات إيفيان رفقة الوفد الجزائري، ليتكلل جهده بالتوقيع على الاتفاقية التي كلّف شخصيًّا بقراءة بيانها الختامي الموسوم بإعلان وقف إطلاق النار في الجزائر في 19 من مارس (آذار) عام 1962.
بعد الاستقلال دخل «كريم بلقاسم» في الصراع على السلطة، ليعارض كلًّا من «بن بلّة» و«هواري بومدين»، وبعد انقلاب بومدين على بن بلة عام 1965، عاد كريم بلقاسم إلى الواجهة الدبلوماسية من خلال معارضة حكم بومدين، ليتهم بتدبير محاولة اغتيال للرئيس بومدين وهي التهمة التي صدر بشأنها حكم بالإعدام في حقه وفي 18 أكتوبر (تشرين الأوّل) عام 1970، وجد «كريم بلقاسم» مشنوقًا في فندق بفرانكفورت بألمانيا، واتهم المجاهد الجزائري وصاحب مذكرات «شاهد على اغتيال الثورة» لخضر بورڤعة الرئيس الأسبق هواري بومدين الذي كان بوتفليقة من أكبر الرجال المقربين إليه بمقتل كريم بلقاسم بحكم أن بلقاسم كان من أبرز الشخصيات المنافسة لبومدين وبوتفليقة معًا، في وقتٍ وجّه فيه الدبلوماسي الجزائري «محمد العربي زيتوت» أصابع الاتهام في مقتله لبوتفليقة الذي كان حسب زيتوت الرجل الثاني في السلطة آنذاك، وكون بلقاسم كان من بين أبرز الدبلوماسيين الذين أنجبتهم الثورة التحريرية، من جهته لم يخفِ وزير الخارجية الأسبق محمد طالب الإبراهيمي شكوكه حول تورط بومدين وبوتفليقة في اغتيال كريم بلقاسم.
بوتفليقة عرّاب الدبلوماسية الجزائرية
ولد «عبد العزيز بوتفليقة» في مدينة وجدة المغربية في الثاني من مارس (آذار) عام 1937، التحق بصفوف الثورة الجزائرية وعمره لم يتجاوز 19 سنة، أسندت له مهمة نقل العمل الثوري إلى أقصى الجنوب لفتح جبهة مالي عام 1960 ليُطلق عليه الاسم الثوري «عبد القادر المالي»، بعد استقلال الجزائر مباشرةً عيّن عضوًا في أوّل مجلسٍ تأسيسي ثم تولى منصب وزير الرياضة والسياحة عام 1963، ليتربَّع بعدها على وزارة الخارجية في وقتِ حكم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين لمدّة 15 سنة.
قرَّبه وقوفُه مع بومدين في انقلابه ضدّ بن بلّة وأعطاه فرصة الحفاظ على منصبه في وزارة الخارجية طيلة حكم بومدين، استطاع بوتفليقة من خلال منصبه في الدبلوماسية الجزائرية نسج علاقات مع معظم زعماء العالم آنذاك، كما ترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، وما ميّز الدبلوماسية الجزائرية في عهد الوزير بوتفليقة هو موقفها المدافع عن قضايا العالم الثالث والوقوف إلى جانب حركات التحرر، كان نتاجها اعتراف الجزائر بجبهة البوليساريو ممثلًا وحيدًا للشعب الصحراوي وبالجمهورية الصحراوية في 6 مارس (آذار) عام 1976، كما امتدَّت مساندة الدبلوماسية الجزائرية لتشمل حركات التحرر الوطني في المستعمرات البرتغالية وقتها، ولم تتردد الجزائر في رفض نظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا.
ولدى ترؤسه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، عمل بوتفليقة على كسب اعترافٍ أممي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك من خلال منحه الكلمة لياسر عرفات ليلقي خطابًا باسم فلسطين داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافةً إلى اتخاذ قرارٍ لا يقل أهمية وهو تجميد عضوية نظام جنوب أفريقيا العنصري في الأمم المتحدة، ناهيك عن مساهمته في حلّ النزاع القائم بين العراق وإيران على الحدود من خلال توقيع الطرفين على «اتفاقية الجزائر» سنة 1975، والتي بموجبها تمّ الاتفاق على نقطة خط القعر حدودًا بين الدولتين، ووقع الاتفاقية كلّ من «صدام حسين» و«شاه إيران» و«هواري بومدين» بحضور «عبد العزيز بوتفليقة»، كما كان للأخير دورٌ كبيرٌ في إنهاء احتجاز الرهائن الأمريكيين بطهران بعد أن بدأ عملية التفاوض التي انتهت بعد رحيله من الخارجية. جديرٌ بالذكر أن لبوتفليقة بصمات كثيرة في حلّ عدة أزمات دولية في تلك الفترة كان أبرزها حل أزمة اختطاف كارلوس 11وزيرًا للنفط كانوا في اجتماعٍ لأوبك عام 1975.
وتعتبر الفترة التي تربع فيها بوتفليقة على عرش الخارجية الجزائرية من أزهى فترات الدبلوماسية في البلاد حيث يرى المحلل السياسي «مخلوف ساحل»، أن الدبلوماسية الجزائرية في وقت بومدين استندت إلى مجموعة من المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية الجزائرية والتقاليد التي ميز بها بدءًا من ثورة الفاتح نوفمبر المباركة، فيما عرف آنذاك بالدبلوماسية الثورية، من جهته يرى الخبير الاقتصادي «أحمد حمادوش» أن: «الدبلوماسية الجزائرية اقتصاديًّا تمثَّلت في الخروج من سيناريو محسوم باستعمال أوراق ضاغطة وإستراتيجية الفاعلين ونظرية الألعاب إلى قراراتٍ تخدم توجهات إستراتيجية تخدم الجميع والنتيجة ستحسب بالدولارات – في إشارة منه – إلى اعتماد الجزائر في وقت بومدين على ورقة الضغط على فرنسا من خلال تأميم المحروقات من جهة ولعب ورقة المحروقات من جهة أخرى على الفاعلين في العلاقات الدولية»، في وقتٍ شبّه الكاتب الفلسطيني «عبد الباري عطوان» في إحدى مقالات بوتفليقة بفيدال كاسترو العرب نظرًا للإنجازات الكبيرة التي حققها للعالم حسب قوله.
«الصديق بن يحيى».. شهيد الدبلوماسية الجزائرية
يعتبر «الصديق بن يحيى» من خيرة ما أنجبته الدبلوماسية الجزائرية، فاسمه ارتبط بالكثير من الإنجازات التي تفتخر بها الدبلوماسية الجزائرية، فكلما ذكر اسم بن يحيى جال في عقول السياسيين نجاحه في إتمام التفاوض حول إنهاء أزمة الرهائن بين أمريكا وإيران سنة 1981، إضافة إلى مساهمته الجليّة في استرجاع الجزء الأول من أرشيف الجزائر المسروق من طرف فرنسا إلى أرض الجزائر بفضل حنكته السياسية، وصولًا إلى حرصه على إنهاء الحرب بين العراق وإيران التي شرع في الوساطة فيها.
ولد «محمد الصديق بن يحيى» سنة 1932 بمدينة جيجل، وتلقَّى تعليمه بالعاصمة الجزائر، وكان اهتمامه بالسياسة منذ الصغر إذ تأثَّر بأستاذ اللغة العربية الشيخ «عمر بو الدوحان» المنتمي إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة العلامة الجزائري «عبد الحميد بن باديس» ليتربَّى على يديه، ويأخذ منه حب الوطن والدفاع عنه وكذلك الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية، ليترأس الصديق بن يحيى الاتحاد العام للطلبة المسلمين سنة 1956، ويشق بعد ذلك مساره الثوري، ليلتحق بالثورة الجزائرية، وبعد اكتشاف أمره من طرف المستعمر الفرنسي، يتمّ تهريبه إلى مصر، ليعمل بها محررًا ثمّ مذيعًا في صوت العرب الذي كان يبث من القاهرة، وقد شارك في الندوة الأفروآسيوية المنعقدة بـ«باندونغ» ممثلًا للثورة الجزائرية في سنة 1958، بعد الاستقلال عيِّن سفيرًا للجزائر بموسكو، قبل أن يعيَّن في عدّة وزارات كان آخرها وزارة الخارجية سنة 1980، خلفًا لعبد العزيز بوتفليقة، ليبدع الصديق بن يحيى فيها، ويكمل مسار بوتفليقة بنجاح، بعد أن نجح في إتمام صفقة الرهائن بين أمريكا وإيران.
وفي إحدى جولاته الدبلوماسية إلى بوركينافاسو للمساهمة في حلّ قضية الصحراء الغربية وأثناء رحلة العودة، سقطت طائرة «محمد الصديق بن يحيى» في يونيو (حزيران) من عام 1981 بباماكو المالية وذلك إثر تقلب مفاجئ للأحوال الجوية ولحسن الحظ نجا الوزير محمد الصديق بن يحيى من الحادث بأعجوبة، لكنّ حظه بعد سنة لم يكن مرافقًا له، إذ تتكرر حادثة السقوط يوم 3 يونيو (حزيران) عام 1982 في حادث الطائرة الذي عرف باسم «حادثة كرومان 62» التي فجرها صاروخ سوفيتي على الحدود التركية الإيرانية والتي كانت متوجهة من العراق إلى إيران في مهمة سلام، لم تتبن أي جهة حتى الآن مسؤولية إسقاط طائرة بن يحيى الذي كان يهمّ في رحلته تلك إلى إنجاز اتفاق ينهي الحرب بين العراق وإيران التي استمرت بعدها حتى 1988.
واعتبر الصحفي «عز الدين بوكردوس» الذي نقل خبر وفاة بن يحيى أنّ الأخير اغتيل لأنه كاد أن يجد حلًّا لحرب الخليج الأولى، وأنّ من اغتاله كان يريد إطالة أمد الحروب في المنطقة وفي برنامج «شاهد على العصر» الذي تبثه «قناة الجزيرة» قال وزير شؤون رئاسة الجمهورية والإعلام والخارجية العراقي الأسبق «حامد الجبوري» في لقائه مع الصحفي «أحمد منصور» أنّ صدام حسين هو من اغتال بن يحيى بعد أن عزم الوزير الجزائري في التوسط لإيقاف الحرب مع إيران، وفي مذكراته قال الرئيس الجزائري الأسبق «الشاذلي بن جديد» إن تكليفه لبن يحيى بالشروع في الوساطة بين إيران والعراق كان لإدراكه التام لقدرة بن يحيى في النجاح في هذه المهمة.
الأخضر الإبراهيمي.. المنافس الشرس لبوتفليقة على لقب أسطورة الدبلوماسية الجزائرية
يعتبر «الأخضر الإبراهيمي» من أبرز الدبلوماسيين الجزائريين الذين قدّمتهم الجزائر للأمم المتحدة، أكسب هذا الشرف للإبراهيمي شعبية كبيرة، استغلها بوتفليقة أكثر من مرّة للتعبير عن تحسُّن صحته بعد الأزمة الصحية التي عصفت به، وذلك باستقباله الأخير للأخضر الإبراهيمي وجاء ذلك في تصريح أدلى به الإبراهيمي للتلفزيون الحكومي الجزائري عقب استقباله من قبل بوتفليقة، وأوضح الإبراهيمي من خلاله: «أشكر الرئيس على هذا الكرم الكبير، وأنا سعيد أنني دائمًا ألتقي به وصحته في تحسن، ممكن (التحسن) بطيء، ولكنه واضح».
وإن كان الإبراهيمي لا يشغل حاليًا أي منصبٍ، إلا أنّ الكثير بات يرشحه حتى لخلافة بوتفليقة في رئاسة الجزائر نظرًا للّقاءات المتكررة التي تجمع الشخصيتين والتي فاقت ستة لقاءات في ظرف سنتين فقط، وإن صرّح الإبراهيمي مرارًا بأنه لا ينوي خلافة بوتفليقة.
ولد الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي يوم الفاتح من يناير (كانون الثاني) عام 1934 في بلدة عزيزة بالجنوب الجزائري، ويعدّ والده «محمد البشير الإبراهيمي» من أكبر المصلحين والدعاة في الجزائر، ورغم صغر سنه الذي بلغ 22 عامًا قام بتمثيل جبهة التحرير الوطني الجزائرية في جاكرتا في الفترة ما بين 1954 و1961.
بعد الاستقلال تقلّد العديد من المناصب، إذ عُين سفيرًا للجزائر في المملكة المتحدة بين عامي 1971 و1979، وأصبح مساعدًا للأمين العام لجامعة الدول العربية في الفترة 1984-1991، وفي عزّ العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي أسنِدت للإبراهيمي مهام وزارة الخارجية بين عامي 1991- 1993 تميّزت فيها فترة تولي الإبراهيمي للخارجية بانفجار في العلاقة ما بين الجزائر وإيران وصلت إلى حد القطيعة، ليغادر بعدها الخارجية الجزائرية ويلتحق بالأمم المتحدة ليعيّن مبعوثًا خاصًا إلى جنوب أفريقيا، وهاييتي، ونيجيريا، والكاميرون، والسودان. وفي عام 2001 أصبح ممثلًا خاصًا للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق.
وفي عام 2012، وبعد اندلاع الثورة في سوريا وتأزم الأوضاع بها نتيجة القصف الكثيف على المدن، واستقالة المبعوث الأممي إلى سوريا «كوفي عنان»، ونظرًا لحِنكته السياسية والدبلوماسية ومرونته في التعامل مع الملفات التي أسندتها له الأمم المتحدة في السابق اختير الإبراهيمي مبعوثًا مشتركًا للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا؛ بهدف إيجاد حلٍ بين المعارضة ونظام الأسد، وفي منتصف عام 2014 حذا الإبراهيمي حذو عنان واستقال من مهمته في سوريا معتذرًا للشعب السوري لعدم القدرة على مساعدته، وإلى جانب مهامه الدبلوماسية، كلف الإبراهيمي بمهام خاصة في الأمم المتحدة، ففي سنة 2000 أعد تقريرًا للأمين العام للأمم المتحدة عرف بـ«تقرير الإبراهيمي» حول عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في العالم وكشف التقرير فشل الأمم المتحدة السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات.
كما ساهمت جهود الوساطة التي قام بها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بانعقاد «مؤتمر الطائف» في 1991 الذي أنهى الحرب التي استمرت 17 عامًا، ومن بين الإنجازات التي يفتخر بها الأخضر الإبراهيمي هو ترك بصماته واضحةً على عملية تصفية نظام التفرقة العنصرية الأبارتيد في جنوب أفريقيا حيث كان شاهدًا على انتخابات 1994 وتولي «نيلسون مانديلا» السلطة.
مدلسي ولعمامرة.. بداية الفشل
شهدت الفترة التي تربَّع فيها كل من «مراد مدلسي» و«رمطان لعمامرة» عرش الدبلوماسية الجزائرية سبيلًا للفشل بدايةً من الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين الجزائر ومصر بعد المباراة الشهيرة في كرة القدم والتي انتقدت فيها الخارجية الجزائرية بشدّةٍ نظرًا لعدم تعاملها مع الأزمة بما تستحق مرورًا بتعامل الجزائر مع الربيع العربي الذي طبع على السياسة الجزائرية في تعاملها مع الثورات العربية دعمًا للحكام ضد الشعوب، وصولًا إلى فشل الدبلوماسية الجزائرية في إيجاد حلٍ للأزمة في ليبيا التي شكلت تهديدًا كبيرًا للأمن القومي الجزائري، فطوال ست سنوات من الوساطة بين الفرقاء في ليبيا، فشلت الجزائر في إيجاد موقفٍ لها من الأزمة، غير تجنيب ليبيا خطر التدخل الأجنبي، كما شكلّ السماح لعائلة القذافي باللجوء إلى الجزائر انتقادًا كبيرًا لها، دون أن ننسى سماح الجزائر لفرنسا باستعمال مجالها الجوي في حربها في مالي.
ساهمت هذه السقطات الدبلوماسية في تدنِّي وانخفاض سمعة الدبلوماسية الجزائرية خصوصًا بعد أن فشلت الجزائر في استرجاع دبلوماسييها المختطفين من طرف تنظيم القاعدة في مالي بعد أن تم إعدامهم، وإن أعاد نجاح الوساطة في مالي للخارجية قليلًا من البريق، بعد أن تمّ توقيع اتفاق الجزائر بين الأطراف المتصارعة في مالي لينهي تمرد الأزواد في الشمال المالي.
ويبقى الموقف الجزائري من الأزمة في سوريا النقطة السوداء في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية؛ إذ لم تخفِ الجزائر دعمها للنظام السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية، ويرى المحلل السياسي «محمد الصغير»، أن «الدبلوماسية الجزائرية تمرّ منذ أكثر من عقد من الزمن بأسوأ أوضاعها، وتؤدي أسوأ أدوارها أيضًا»، ولعلّ أبرز حدث بدأت بموجبه الدبلوماسية الجزائرية في الانهيار هو المعاملة المهينة التي تعرض لها وزير الخارجية الأسبق مراد مدلسي خلال زيارته لواشنطن للتباحث مع «هيلاري كلينتون» في شؤون التعاون بين البلدين، حيث قام موظفو المطار بتعرية وزير الخارجية الجزائري حتى يُسمح له بالدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
مساهل يقضي على الدبلوماسية الجزائرية
في 25 من مايو (أيار) 2017 عين الرئيس الجزائري «عبد القادر مساهل» في منصب وزير الشؤون الخارجية خلفًا لـ«رمطان لعمامرة»، وذلك في حكومة «عبد المجيد تبون» التي خلفت حكومة عبد المالك سلال، كان الكثير من الجزائريين ينظرون إلى هذا التغيير بنظرة سلبية، نظرًا لفشل مساهل في الملف الليبي عندما كان وزيرًا منتدبًا لدى وزير الشؤون الخارجية مكلفًا بالشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، ورغم زيارته إلى ليبيا وعقده اجتماعات منفصلة مع رئيس مجلس النواب الليبي «عقيلة صالح»، واللواء المتقاعد «خليفة حفتر» في شرق البلاد، وأعيان ومسؤولين محليين بمدينة الزنتان جنوب غرب العاصمة طرابلس، إلّا أنّ الفشل كان حليف مبادراته.
ومع توليه حقيبة الخارجية، سنحت لمساهل فرصة البروز أثناء اندلاع الأزمة الخليجية بين قطر والدول الأربع، فطار سريعًا في الجولة الإقليمية التي ضمت دول الأزمة، وذلك للترويج لطرح توسيع دائرة الوساطة العربية في الأزمة الخليجية لتضمّ الجزائر والأردن وسلطنة عُمان، لحل الأزمة في الخليج، لكنّ مبادرة مساهل اصطدمت برفض مصر والإمارات؛ فكان مصيرها الفشل.
فشل أراد مساهل تغطيته بإشعال أزمة جديدة مع المغرب، وذلك بعد أن اتهم البنوك المغربية بغسل الأموال، واتهامه للخطوط الجوية المغربية بتهريب المخدرات، تصريحات فجَّرت أزمة بين البلدين وصلت إلى استدعاء المغرب لسفيرها وللسفير الجزائري بالرباط للاحتجاج على تلك التصريحات التي وصفتها الرباط بغير المسؤولة.
الاستياء من تصريحات مساهل تلك وصل حتى للرئيس الجزائري بوتفليقة الذي استهجن تصريحات وزيره ووصفها بالصبيانية وكشف مصدر دبلوماسي أن مصالح رئاسة الجمهورية قامت باستدعاء عاجلٍ لعبد القادر مساهل وتمّ إبلاغه من طرف مدير ديوان الرئاسة الطيب بلعيز أنه ورّط الجزائر في إساءة غير معهودة لأنه لطالما اتسمت مواقف الجزائر وحتى ردود فعلها بالرزانة والتعقُّل والاحتكام إلى المنطق وليس بالتهور والاندفاع والتسرّع.
عبد القادر بن مسعود