خالد أخازي.
صارت تناقضات الخطاب السياسي و المواقف الدبلوماسية في هرم السلطة بالجزائر، مثار السخرية والتندر في الشارع الجزائري، ومثار أسئلة جوهرية حول مصير هذا البلد، من لدن متتبعين سياسيين...فالجزائر تعيش أزمة حكم و سلطة ليس بيدها القرار المركزي، فتعدد الناطقين باسمه، وباسم الرئاسة، أصبح لا ينتج إلا اللبس والاستغراب، حتى صارت المواقف زئبقية، قابلة للتغير بين ليلة وضحاها، و إن كان بعض المتتبعين والمحللين السياسيين، يوعزون الأمر إلى شلل الرئاسة الوظيفي، و إلى تشتت الأدوار والوظائف الرئاسية بين عدة أطراف تعيش في مربع السلطة لعبد العزيز بوتفليقة، ذات مصالح متنافرة أحيانا، فإن آخرين كانوا أكثر تشاؤما و اعتبروا الظاهرة مؤشرا خطيرا على تهلهل الحكم و اضطرابه في النفس الأخير من عمره، و أنه يعيش فترة إنعاش اصطناعي، و بالمنشطات التي انتهت مدة صلاحيتها.
فما وقع في "أحدوثة" ترشح الرئيس التي أعلن عنها الجزائري والرئيس السابق للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان فاروق قسنطيني، مستندا إلى رغبة بوتفليقة نفسه عبر له عنها شخصيا، وما رافقها من ردود فعل من الجانبين، أعاد سؤال "من يحكم " بالجزائر إلى الواجهة ، فهذا المحامي الذي يعتبر جزءا من شلة الحكم ،في تمظهرها الحقوقي صدم ببيان الرئاسة الجزائرية تكذب ما أعلن عنه وبلغة قاسية، شعور هذا الحقوقي بالغبن وهو جزء من المقربين، جعله يصف البيان " بالافتراءات" لصحيفة "الخبر" الجزائرية، حيث أكد أنه تفاجأ مثل كل الجزائريين بالبيان المنسوب إلى رئاسة الجمهورية والذي يكذب لقاءه بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، علما أن إفادته للصحافة ، تناولتها الصحافة الجزائرية نفسها، ب "مانشيتات عريضة" تؤكد قرابته من محيط الحكم ، كالعنوان البارز التالي" مقرب من الرئيس الجزائري: بوتفليقة ينوي الترشح لعهدة رئاسية خامسة" وهذا تعبير إعلامي جزائري حتى لا يقال إننا نفتري على أحد.
وللإشارة فهذه الضجة كانت عقب تصريح المحامي والحقوقي فاروق قسنطيني أفاد فيه أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لديه "نية" في الترشح لعهدة خامسة في الانتخابات الرئاسية عام 2019، و أن الرئيس أسر إليه حينها، بعزمه تقليص نفوذ رجال الأعمال في الساحة والحفاظ على الدولة الاجتماعية، في لقاء له معه بالإقامة الرئاسية في زرالدة، دام ساعة، واستمع خلال هذا اللقاء لرغبته في الترشح لعهدة خامسة، بينما الرئاسة الجزائرية نفت حدوث أي لقاء بين رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والمحامي فاروق قسنطيني، وفقا لبيان رئاسي نشرته الإذاعة الجزائرية الرسمية، مؤكدة أن كل ما تم تداوله حول اللقاء المزعوم بين المحامي فاروق قسنطيني والرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا أساس له من الصحة.
المحللون السياسيون فسروا ردة فعل من يقرر في مكان الرئيس، ليست ناجمة عن ترويج رغبة بوتفليقة في الترشح مرة أخرى، فكل المقربين في دائرة الحم يعملون في كل المناسبات على ترويج ذلك، بدءا من أحمد أويحيي رئيس الوزراء و وقوفا عند رئيس جبهة التحرير الوطني الحاكم، لكن تصريح المحامي أفاد جاء فيه أيضا أن الرئيس ينوي تقليص نفوذ رجال الأعمال في الساحة والحفاظ على الدولة الاجتماعية، الأمر الذي أغضب العصب المالي للحكم السياسي الحالي، وخوفا من انهيار التحالف المالي السياسي لجماعة بوتفليقة، وتراجع رجال الأعمال عن دعم النظام المهلهل، لم يكن للرئاسة من مخرج سوى إنكار الزيارة جملة وتفصيلا.
و في هذا الصدد أشار عدد من المحللين أن خرجات العديد من المرتبطين بالسلطة مباشرة وبطريقة غير مباشرة المتناقضة، تؤشر على انهيار النظام، و شلل الرئاسة، منعشة من جديد سؤال "من يحكم بالجزائر"،خصوصا و أن المفارقات في التدبير السياسي المركزي تكاثرت بشكل فوضي، في غياب رابط استراتيجي رئاسي لها، فخرجة رئيس الوزراء أويحيي نفسه، في تجمع خطابي انتخابيي ضد قطر في تناقض مع الموقف الرسمي للدولة، زاد من ضبابية الحكم السياسي في الجزائر، و التراجع عن "تضريب" الثروة" من لدن الأغلبية بضغط من رجال الأعمال والمال، صنفت كأعراض مرضية للنظام المشلول وكمؤشر آخر على سقوط الشلة الحاكمة التي رهنت مستقبل الجزائر في المجهول، في مطب التناقضات الكبرى والصراع الشرس حول المواقع الأمامية، في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي ترشح الجزائر لانفجار سياسي قريب .