المختار لغزيوي
اهتزت أفئدة المغاربة كلهم، وفي مقدمتهم ملك البلاد، على وقع فاجعة الصويرة التي أحزنتنا جميعا الأحد، وهي تختطف بشكل مرعب خمسة عشر امرأة كن ينتظرن إعانات من جمعية خيرية في إحدى القرى القريبة من موغادور. اهتزت أفئدتنا وقلوبنا وأمضينا ليلة من الحزن الصادق امتزج فيها سؤال كبير مثل سؤال « لماذا؟ » بأسئلة أخرى من قبيل « من المسؤول؟ وما الواجب فعله أو قوله الآن؟ وكيف السبيل أساسا لتفادي تكرار ماوقع لأن الذي وقع لا يجب أن يتكرر مهما كانت التبريرات أو الأسباب أو الظروف التي جعلته يقع؟ »
الترحم أولا على أرواح الضحايا واجب وفرض ولا مفر منه، لأنهن ربات أسر كن يعتقدن أن تلك الكيلوغرامات القليلة من الدقيق ستكفيهن شر التفكير في المؤونة لأيام قليلة مما يبرع فيه فقراء هذا الوطن، ويجدون السبيل دوما من خلاله للالتفاف على الظروف القاسية التي يجدون أنفسهم فيها لمواصلة العيش أو محاولة العيش، مما لاداعي حتى للتذكير به طالما أننا بلد لازال يبحث عن شروط تنميته، وطالما أن عدد فقرائنا معروف، وهو واحد من منغصات الحياة علينا جميعا، لكنه أيضا واحد من أهم الرهانات التي يبحث المغرب باستمرار عن حل حقيقي لها، علما أنها ليست مسألة سهلة أو هينة.
التساؤل ثانيا عن هاته العمليات الإحسانية أو الخيرية التي تدخل في صلب طبيعة المغربي أمر واجب. هذا تقليد عشنا على وقعه، وعاشت أجيال عديدة على تفاصيله باستمرار معلنة التضامن بين المغاربة وسيلة لكي يساعد من لديه الذي لا شيء لديه على الحياة وعلى مواجهتها.
لعله السبب الذي يجعل أغلبنا يحمل هم أسرته مهما بلغ تعداد أفرادها، ويتكلف بمصاريف إخوته وأحيانا أبناء عمومته أو أقاربه إن كان قادرا دون أن يطرح على نفسه السؤال « لماذا أفعل هذا الأمر؟ » لأننا نعتبر هذ الأمر ضروري الفعل، ولسنا مثل مجتمعات يقفل أفرادها على أنفسهم أبواب منازلهم ولا يحملون هموم الأضعف فيهم.
لهذا وجب القول إن هذا العمل الخيري أو الإحساني عمل نبيل ويجب أن يستمر، وأن يتقوى وأن يتمأسس، خصوصا وأن عدد الجمعيات التي انخرطت فيه عدد يزداد كبرا يوما بعد يوم، مايفرض هنا ثالثة النقط في فاجعة الصويرة أي العمل على تقنين هذا العمل الخيري أو الإحساني، والعمل على عقلنته لأجل أن تكون ظروفه إنسانية أولا تحفظ كرامة من يمدون أيديهم، وتضمن لهم عدم المرور في التلفزيونات أو على صفحات الجرائد بوجوه مكشوفة، وأيضا تضمن عدم تكرار حوادث مثل هاته قد تقع بسبب تدافع الرغبة في الحصول أولا على المراد تقديمه.
يجب هنا التذكير أن عدد النساء اللائي كن يقفن في فاجعة الصويرة كان يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف امرأة، وهو مايجب أن يستدعي فينا سؤالا آخر حول هذا العدد الكبير من الفقراء، وحول دورنا جميعا في الاستجابة لمطالبهم وللتقليل من حدة قسوة الحياة عليهم، مع الإيمان أننا في المغرب لا نعيش المجاعة مثلما أراد بعض سيئي النية في مواقع التواصل الاجتماعي أن يقنعونا، لكننا - وهذه حقيقة لا تقبل جدلا - بلد فقير بفقراء كثر، ويجب أن نضع هاته المسلمة في أذهاننا في كل تحركاتنا وأحاديثنا، والدولة اقتنعت أن النموذج التنموي المغربي حوله أسئلة عديدة جسدها بصراحة وشجاعة خطاب ملكي مؤخرا تساءل عن مدى اقتناع الأكثر غنى من بيننا بأن عليهم واجبا تجاه الأكثر فقرا لابد من أدائه لأننا نعيش في نفس البلد، ونركب نفس المركب ولا نجاة لأحدنا دون نجاة الآخر بطبيعة الحال.
آخر النقط التي لابد من طرحها بكل ألم في فاجعة الصويرة هي نقطة الوجوه الظلامية الكالحة التي تتربص بنا الدوائر والتي لا نرى لها أثرا إلا في المصائب والأحزان، حتى أصبحت وجوهها مرتبطة لدى الشعب المغربي بالكوارث فقط وبالركوب على هاته الكوارث.
هاته الوجوه التي غابت مثلا عن فرحة شعبنا مؤخرا بتأهله للمونديال لأنها تستكثر علينا ولو هنيهة سعادة عابرة، استيقظت من مضاجعها الأحد، وعاثت فسادا وعويلا كاذبا وندبا شامتا متاجرة بأرواح الفقيرات اللائي لقين ربهن من أجل لقمة عيش، ومذكرة الكل أن أعينا خبيثة تتمنى لهذا البلد الأمين السوء فقط لكي تجد ماتقوله ولكي تنفس عن أحقادها التي بقيت حبيسة أوهامها التي لم ولا ولن تتحقق أبدا في هذه الأرض المباركة.
هؤلاء لايجب أن نعطيهم مرة أخرى الفرصة لكي يتاجروا بأحزاننا نحن البسطاء ولكي يشتروا بدماء المغاربة والمغربيات ثمنا قليلا.
ولكي لا تأتي لوجوه الظلام الكارثية هاته الفرصة مجددا علينا أن نتشدد في عديد الأشياء التي تمس حياة الناس فهي أقدس مافي الكون، وعار فعلا أن تموت نساؤنا بتلك الطريقة وأن نجد الأمر عاديا وأن نواصل الحديث، وعار أيضا أن نمنح مجددا لهؤلاء الشامتين فينا جميعا من محترفي الركوب على المآسي الفرصة لكي يخرجوا من الجحور مجددا.
هذا البلد أمانة في يد كل واحد منا، وهاته الأمانة لا تقبل لعبا أو هزلا أو استهتارا أو أي شيء من هذا القبيل.
رحم الله ضحايا الأحد الحزين، وعساها تكون آخر الأحزان فعلا ياوطني.