تتساءل النخب المغربية عن الأسباب وراء عدم تعيين دولاند ترامب، الرئيس الأمريكي، لسفير جديد بالمغرب، رغم مرور حوالي السنة على شغور هذا المنصب وعلى انتخاب الرئيس الأمريكي. لا نريد أن ننظر إلى الموضوع من باب أن العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية متجذرة في التاريخ، وأن المغرب هو أول بلد في العالم اعترف بالدولة الجديدة، لأننا نعلم علم اليقين أن هذا البلد قائم على الفلسفة البراغماتية، التي ترتكز على مبادئ النفعية، وتقوم على المصلحة العامة الأمريكية، التي تعتبر فوق كل اعتبار والتي من أجلها يمكن محو شعوب من خارطة الوجود البشري.
والمصلحة الأمريكية تتمثل في أمن أمريكا الداخلي، وأمنها الداخلي، كما تفكر هي، لا يستقر إلا بخلق القلاقل في الخارج وتكثير الصراعات، ولهذا هي تسعى من خلال وجود لوبيات ومراكز وهيئات إلى خلق التوتر لتصريف صناعتها من الأسلحة في هذه المناطق.
ومع ذلك لا نريد أن نصف أمريكا بالبعبع المخيف ولا نريد أن نبحث عن جواب للسؤال المطروح حول عدم تعيين السفير بالرباط، ولكن نشير إلى سيدة هي القائم بأعمال السفارة، تقوم بدورها كاملا وزيادة، وتبدع في هذه الزيادات حدا يطرح علامات استفهام كبيرة، فهي تتحرك على مستوى المغرب وتصول وتجول على مستوى الرباط والدارالبيضاء، وتلتقي النخب الفكرية والسياسية، وأساسا النخب الإدارية، فهي تجالس الكتاب العامين للوزارات والمدراء المركزيين، في جلسات مفتوحة تستمع إلى شكاواهم، ولأنها ترتبط بالأجهزة المعروفة فإنها تجمع أكبر قدر من المعلومات، وتجتمع بالمسؤولين الرئيسيين مباشرة، وأخيرا عقدت لقاءً مع كتاب عامين للوزارات ومدراء مركزيين، حول كوكتيل مفتوح جمعت فيه هؤلاء واستمتعت إليهم.
لنكن ساذجين ولا نعرف شيئا، لكن هناك سؤال يحيرنا: ماذا تريد قائمة بأعمال السفارة من لقائها مع مسؤولين إداريين؟ والسؤال الأهم كيف سمح هؤلاء لأنفسهم بأن يكونوا رهن إشارة المسؤولة الأمريكية؟ ولو بحثوا قليلا في سيرتها المهنية، المليئة بالمرور غير الكريم في بؤر التوتر، لعرفوا كيف تنظر هاته السيدة للمغرب؟
اليوم القائمة بالأعمال في السفارة الأمريكية، وهي فوق العادة، تتحرك في اتجاه فتح ملف الأقليات الدينية بالمغرب. ماذا تريد واشنطن من الرباط؟ هل تفكر في أجندة جديدة بعدما فشل ما يسمى بالربيع العربي؟ هل فشلت في تحريك شباب 20 فبراير وجماعة من الشباب غير الواعي بقيمة الدولة والأمن والاستقرار؟ فهل تسعى لاستغلال موضوع الأقليات لخلق البلبلة داخل المغرب؟ هل فشلها في توظيف الأقلية الدينية الحقيقية، أي اليهود، الذين يعبرون عن ارتباطهم بوطنهم وخدمته والحرص على استقراره دفعها لخلق أقليات مفبركة؟
قد لا تكون أمريكا في حاجة إلى توظيف آني لموضوع الأقليات وحتى ليست لديها خطة مرسومة في الأفق لاستعمالها، لكن طبيعتها هي صناعة الأدوات التي تستعملها متى شاءت وإذا لم يتم استعمالها فإنها ترميها كمناديل الورق. وهي تركز دائما على الأدوات الطيعة، ودراري الدروب الضيقة الذين لم يستطيعوا جمع بضعة أشخاص يتخاصمون على التمثيلية، لكن العاقلين لا يتبعونها.