محمد وعويشة.
الفلسفة وما أدراك مالفلسفة، وأنت تعيش حالة شك وريب تجاه بعض الأحداث والوقائع الاجتماعية، مشوشة ومثيرة أحيانا أو رائعة أحيانا أخرى. سرعان ما تكون في غالب الأمر مخبئة وراء معتقدات أو أعراف تتحول وتتطور حسب فترات تاريخية متعاقبة. ما يستوجب منك طرق باب الفلسفة لتلقي الاجابة بكل آمان متسلحا بالرغبة في المعرفة عبر مباحثها الثلاثة: الوجود، المعرفة، ثم مبحث القيم، وهي مباحث واسعة ومتشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وتشمل جوانب الحياة. الغرض منها محاولة وضع الحجر الأساس عبر ترسانة من المقاربات والمناهج العلمية للعديد من النوازل الجوهرية في حياة الانسان انطلاقا من التساؤل والمناقشة النقدية، والجدال بالمنطق، وتقديم الحجج بنسق منظم.
وبالعودة للمبحث الأخير ضمن المباحث الكبرى المتعلق بمبحث القيم Axiologie نظرا للحاجة الماسة له خلال هذه الأيام الأخيرة داخل المجتمع المغربي الذي يعيش حالة احتقان غير عادي على مستوى القيم؛ جراء حدثين هز الرأي العام، الأول تجلى في ما بات يعرف "بقُبلة القسم" بثانوية محمد الخامس في مكناس، حيث ضبطت أستاذة علوم الحياة والأرض كل من التلميذة وزميلها يقبلان بعضهما خلال فترة الإستراحة، ما جعل المجلس التأديبي الخاص بالمؤسسة يقدم على الإقرار بطرد الفتاة مقابل تنقيل الفتى إلى مؤسسة أخرى، لتجيب وزارة التربية الوطنية بمذكرة إلى مدير ثانوية محمد الخامس، تطالبه من خلالها إلغاء قرار الطرد في حق التلميذة، وتحديد نفس العقوبة للتلميذين، والمتمثلة في التوقيف المؤقت، والعودة للدراسة بعدها. ما جعل الإدارة تعقد اجتماعا بينها وبين الأساتذة للاستجابة للمذكرة، ثم الخروج بقرار يقضي بإرجاع التلميذة وزميلها، إلى فصول الدراسة، شرط أن يكونا في قسم مختلف، مع إمكانية الاتفاق بالتراضي مع أولياء الأمور لتغيير مدرسة ابنيهما.
أيضا الحدث الثاني المتعلق بتعنيف الأساتذة الذي جاء على يد تلميذ قاصر، يبلغ من العمر 17 سنة، وذلك على خلفية ظهوره في مقطع فيديو يوثق لتعريضه لأستاذه للعنف الجسدي بالثانوية التأهيلية سيدي داود بورزازات، تم توقيفه من طرف مصالح الأمن بورزازات، بعدما انتشر المقطع كالنار في الهشيم، أصدر في حقه قرار إيداعه بالسجن، ومتابعته في حالة اعتقال. كان ذلك بمثابة فاجعة غير مسبوقة على المستوى المحلي والوطني ثم الدولي، ثم من خلاله دق آخر مسمار في نعش التعليم بالمغرب، لتتوارى الأحداث تباعا على نفس المنوال.
ما يستدعي عودة مفهوم القيم إلى الواجهة وإشكالياته المتداخلة فيما بينها من قبيل ما وجه الصواب في العمل الصائب؟ وما وجه الخطأ في العمل الخاطئ؟ إننا اليوم بحاجة لتكوينات متتالية في الجانب القيمي، أكثر من أي وقت مضى، لكل فرد من أفراد المجتمع الذي نعيش ونتعايش بداخله، باعتباره مبحث يهتم بالإنسان بالدرجة الأولى وسيرته وشخصيته وقيمه ثم مبادئه، أيضا باعتباره القناة المثلى لفهم طبيعة الأمور الصائبة والخاطئة والتمييز بين كل ما هو خير وشر في حياة الفرد تجاه ذاته وتجاه الآخر ثم المجتمع المحلي والكوني، و معرفة المثل العليا والقيم المطلقة وأصنافها ومعاييرها بطرق علمية بطبيعة الحال.
يمكن اعتبار أن ما يعيشه المجتمع المغربي اليوم من تحولات شاملة، سوسيو-سياسية بالخصوص جراء قرارات متغيرة بشكل يومي. طبيعيا ما سيفرز مثل هذه الحالات؛ حالة إضطراب نفسي، جنسي، إجتماعي، قيمي... داخل المجتمع. بأطره ونخبه ورؤساء مصالحه ومدرائه ومسيريه وموظفيه وأباء وأولياء تلاميذه وأسره وأبنائهم. ما يبين أننا نعيش ما يعرف بغياب المعايير في كل الميادين؛ المعايير المحددة للأنموذج، المدير/الأستاذ الذي يقدم التربية قبل التعليم، التلميذ المجد الذي يعتبر الأستاذ يتولى مسؤولية عظيمة، واحترامه أمر واجب.
أحيانا يعتبر إصدار بعض القررات التي تكون غير صائبة، تجاه بعض القضايا الموجودة داخل المجتمع بشكل خفي، باعتبارها أمرا جلل، لكن ما إن تبدو للعيان حتى يصاب المسؤولون بالإنهيار والحيرة، مع غياب آليات المرونة في التعامل معها، وذلك بطبعة الحال ناتج عن غياب تجديد للأفكار لتتماشى مع زمن غير زمنهم، ومحاولة بناء الذات بعيدا عن الإملاءات الفوقية باستعمال العقلانة ثم الحكامة في التسيير.
إن غياب محاولة تطوير آليات التعامل مع مثل هذه النوازل إن صح التعبير، الناتجة عن جيل لا يلام جيل يتصل أكثر منه يتواصل مع من حوله ...مئات القبل إن لم نقل آلاف القبل التي تمر أمامه بشكل يومي، في غياب لأي خطوة نحو إرساء ثقافة جنسية إلى جانب الثقافات الأخرى تمده وتحصنه من مثل هذه الزلات. أنتم مطالبون بالتجديد مرغمين لا مخييرين؛ تجديد المناهج وتكوين التلاميذ جنسيا نفسيا اجتماعيا.. وذلك لا يتأتى إلا بإعطاء الأهمية والأولوية للفلسفة وللعلوم الإنسانية فهي الحل والمخرج من هذا الوضع.