يسابق المغرب الزمن لاستكمال بنيته التحتية والمنشآت الاقتصادية، التي كان أطلقها قبل 10 سنوات ويرغب في إنجازها قبل نهاية العقد الجاري، لتعويض فرص النمو الضائعة، والإعداد لمرحلة التنافس ضمن الاقتصادات الـ30 الأولى في العالم خلال العقد المقبل. وتشمل المشاريع قيد الإنجاز شبكة للقطار السريع بين طنجة والدار البيضاء، ومحطات للطاقة الشمسية والرياح لإنتاج نصف الحاجة من الكهرباء «النظيفة»، وبناء ألفي كيلومتر من الطرق الحديثة السريعة والقناطر والجسور، وموانئ للصيد البحري وأخرى لتصدير الفوسفات، وميناء إقليمي لربط شمال أفريقيا بجنوب الصحراء في الداخلة على المحيط الأطلسي، وتوسيع 18 مطاراً دولياً وتحديثها لزيادة حركة النقل الجوي، وبناء مصانع لتجميع مليون سيارة سنوياً. يضاف الى ذلك تطوير إنتاج قطاع غيار الطائرات التجارية، فضلاً عن مشاريع سياحية وفنادق ومنتجعات، ومراكز لتكنولوجيا المعلومات، ومشاريع لتحديث أساليب الإنتاج الزراعي والري، عبر برامج «المخطط الأخضر والسدود» المقدرة قيمتها بـ20 بليون دولار، وتوسيع المدن عبر بناء مليوني وحدة إضافية، وإنشاء مركبات إدارية وجامعات ومستشفيات صحية ومختبرات علمية.
وقدرت قيمة المشاريع التي أطلقها المغرب خلال السنوات الـ10 الماضية بنحو 200 بليون دولار، وهي نتاج شراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمارات المغربية والأجنبية والعربية والتمويلات الدولية والمساهمات الخارجية.
وأشار تقرير «المنتدى الاقتصادي العالمي» في زيوريخ إلى أن «البنية التحتية في المغرب باتت عصرية وبمعايير دولية، جعلته يحتل المرتبة الأولى في القارة الأفريقية وينافس أغنى الدول».
ولفت إلى أن «الرباط أطلقت قبل 10 سنوات مشاريع ضخة في مجال البنية التحتية، بدأتها بميناء طنجة المتوسط الذي دخل الخدمة عام 2007 بسعة 9 ملايين حاوية، ثم ضاعفها 4 مرات». وبعد توسيع الميناء، أصبح المغرب عام 2014 يحتل المرتبة 16 عالمياً في مجال النقل البحري، بعد الإمارات التي تحتل المرتبة 15 وإيطاليا المرتبة 14 وإسبانيا 13 وفرنسا المرتبة 12. ويرتبط ميناء طنجة على المتوسط بـ161 ميناءً في 5 قارات و63 دولة.
وأتاح الميناء التجاري الأكبر في جنوب البحر الأبيض المتوسط تطوير تجارة صادرات السيارات من 250 ألفاً إلى 400 ألف وحدة سنوياً، وبات يؤمن تجارة في الاتجاهين تتجاوز قيمتها 60 بليون دولار سنوياً، وعزّز تدفق السياح والمهاجرين الذين كانوا قبل 10 سنوات يستخدمون ميناء طنجة القديم وسط المدينة، الذي تحوّل إلى مرفأ لليخوت وبواخر الترفيه والرحلات العابرة للمحيطات.
وأكدت مؤسسة «ديلويت أند توتش توهمتسو ليمتد» أن «المغرب ينجز البنية التحتية الأغلى في إفريقيا، وقارنته بدول عربية، مثل الجزائر ومصر، مشيرة إلى أن «المغرب تفوّق على الدول الإفريقية والعربية في مجال النقل عبر السكك الحديد، واحتل المرتبة 33 عالمياً ضمن إحصاء شمل 144 دولة، وتفوّق على البرازيل وأستراليا ونيوزيلندا، وجاء قبل السعودية التي احتلت المرتبة 46 وتونس المرتبة 57».
وعدّدت «توهمتسو» مشاريع المغرب قيد الإنجاز، مؤكدة أن استثمارات القطار الفائق السرعة بلغت 4 بلايين دولار، وهو أكبر مشروع من نوعه في المنطقة، ويتفوّق على مشروع الغاز الجزائري الذي بلغت استثماراته 2.7 بليون دولار ومشروع الطاقة «إيجيبت شمال الجيزة» الذي بلغت استثماراته 2.2 بليون دولار. واعتبرت أن مشاريع المغرب متنوعة وعالية القيمة، منها محطة «نور وارزازات» للطاقة الشمسية التي قدرت استثماراتها بـ2.7 بليون دولار العام الماضي، بينما بلغت استثمارات «ميناء الناطور» غرب المتوسط بليون دولار، واحتل المرتبة الثامنة في شمال إفريقيا.
قصة القطار
يعود حلم القطار السريع في طنجة إلى بدايات القرن الماضي، عندما كانت مدينة البوغاز تحتضن قنصليات الدول الأوروبية المتنافسة على التجارة في المغرب، والتي كانت تتنقل إلى الجنوب، خصوصاً أغادير والصويرة، عبر البحر، وإلى فاس ومراكش والدار البيضاء عبر وسائل نقل بطيئة. وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان التنقل إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط يحتاج إلى يومين من السفر الشاق والمكلف، ما جعل شمال البلد وجنوبه يعيشان شبه عزلة عن بعضهما بعضاً فترة امتدت نصف قرن ساهم الاستعماران الفرنسي والإسباني في تكريسها، حتى أن سكان الشمال كانوا يطلقون على بقية سكان المغرب اسم «الداخل»، لجهلهم بما يقع وراء جبال الريف.
وخلال السنوات الـ50 الأخيرة من تاريخ المغرب، كان القطار نحو طنجة بوابة المغرب إلى أوروبا، وعبره هاجر ملايين الشباب طلباً للعلم والعمل في السوق الأوروبية المشتركة. وعبر الخط الحديد ذاته كان يأتي السياح الأوربيون لاكتشاف أقرب أرض غير أوروبية إلى أوروبا. ولعقود طويلة بقي التفكير قائماً في إنشاء نفق للسكك الحديد تحت البحر الأبيض المتوسط يربط طنجة في المغرب وطريفة في إسبانيا بطول 20 كيلومتراً، على غرار نفق المانش. ولكن عوامل سياسية واقتصادية وحتى جيولوجية وجغرافية حالت دون تحقيق حلم جمع قارتَي أوروبا وأفريقيا، التي تقول الأسطورة الإغريقية إن هرقل باعد بينهما بعضلاته بسبب قصة حب فاشلة.
وعند وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى قصر الإيليزيه عام 2007، اقترح على الملك المغربي محمد السادس دعماً فرنسياً لمشروع القطار الفائق السرعة، الذي تولّت تنفيذه مجموعة «إلستوم» الفرنسية. يومها قدّرت قيمة المشروع بنحو 2.2 بليون يورو، وهي تقريباً كلفة صفقة طائرات «ميراج» التي كان المغرب يعتزم شراءها من باريس، قبل أن يغيّر الوجهة إلى واشنطن لشراء مقاتلات «أف 16» التي دعمها الرئيس السابق جورج بوش، والذي وضع المغرب في مرتبة البلد الحليف للحلف الأطلسي من خارج الحلف.
ومنذ البداية، كان واضحاً أن القطار السريع ليس مجرد وسيلة نقل حديثة وحكراً على الدول المتقدمة، بمقدار ما هي اعتراف بدور إقليمي للمغرب داخل القارة الإفريقية بعدما تعذّر تسيير القطار باتجاه الشرق، بعد ثورات «الربيع العربي» في تونس وليبيا والشرق الأوسط عموماً. وفي وقت كانت الإحداث الأمنية تطغى على دول المنطقة، سعى المغرب إلى أن يكون أول من يمتلك تجربة القطارات السريعة وتكنولوجيا الطاقات المتجدّدة. وبدلاً من صيغة استلام قطارات جاهزة، فضّل الصيغة الصينية، أي تلقي الأجزاء من فرنسا وإعادة تركيبها في طنجة لامتلاك الخبرة والتقنية، وتوفير تجهيزات تمكّن من إنجاز الصيانة للقطارات الفائقة السرعة التي قد تمتدّ جنوباً لاحقاً. وأتاحت «ورشة مغوغة» تركيب أجزاء 3 قطارات بعد وصولها إلى المغرب، ليتحوّل من بلد مستورد للتكنولوجيا إلى مشارك في تصميمها.
وأفاد بيان لـ «المكتب المغربي للسكك الحديد» بأن المشروع المهيكل للقطار الفائق السرعة طنجة- الدار البيضاء، يسجل اليوم نسبة تقدم في كل مكوّناته تبلغ 92 في المئة، إذ أنجزت الأشغال المتعلقة بالهندسة المدنية. أما التجهيزات السككية فستنجز قبل نهاية العام الحالي، كما ستبدأ تجارب سير القطارات الفائقة السرعة على مسافة 110 كيلومترات بسرعة تصل إلى 320 كيلومتراً في الساعة، على أن يخصّص الربع الأول من عام 2018 لتجارب المصادقة وترويض النظام والاستغلال.
ويُنتظر أن ينطلق التشغيل التجاري للقطار الفائق السرعة في صيف عام 2018 من محطة جديدة للمسافرين بلغت استثماراتها 360 مليون درهم (40 مليون دولار)، على مساحة 10500 متر مربع، تتضمن فضاء تنقّل المسافرين ونوافذ وقاعات خاصة بصعود الركاب، ومتاجر، كما تشمل 77000 متر مربع من الهيئات الخارجية عبارة عن أقطاب متعددة الوظائف.
وجه المغرب الجديد
وليس القطار السريع سوى الوجه الآخر لمغرب جديد يكلّف عشرات بلايين الدولارات من الاستثمارات، ويسابق الزمن لاستكمال ما يحتاج إليه البلد من بنية تحتية وتجهيزات. ولولا ميناء طنجة المتوسطي، لما كان سهلاً على المغرب الدخول في مغامرة تركيب السيارات ثم الطائرات وتصنيعها.
وقال وزير الصناعة والتجارة والاستثمار مولاي حفيظ العلمي، إن «البنية التحتية تسبق الاستثمار الخاص، وهذا هو الاقتصاد العصري الذي يربط بين مجموعة مكونات متداخلة». والكلام ذاته ردّده رئيس مجموعة «رينو نيسان» كارلوس غصن الذي مدح البنية التحتية في المغرب، من موانئ وطرق سريعة ومناطق صناعية وشبكات اتصالات حديثة، واعتبرها عنصراً حاسماً في نجاح تجربة المغرب في جذب الاستثمارات الصناعية وتبوؤ مكانة مرموقة في صناعة السيارات. ودفع مجيء «رينو» إلى طنجة، «بيجو ستروين» إلى استثمار نحو 600 مليون دولار في بناء مصانع في القنيطرة شمال الرباط لإنتاج 200 ألف عربة سنوياً. وترغب الشركات الفرنسية في تقاسم النجاح المغربي ومنافسة مثيلاتها الكورية انطلاقاً من شمال إفريقيا، في حين أعلنت الصين استثمار 10 بلايين دولار لبناء مدينة صناعية في طنجة، وتصدير سلعها تحت علامة مغربية مستفيدة من قواعد المنشأ.
وأعلنت مؤسسة «أكسفورد غروب بزنس» البريطانية، أن الصين في حاجة إلى المغرب القريب من أسواق الاتحاد الأوروبي، وترغب في موقع قدم في طنجة على البحر الأبيض المتوسط ومينائها الدولي، مستفيدة من عقود الشراكة الأوروبية - المغربية، واتفاقات المناطق التجارية الحرة مع الولايات المتحدة وتركيا، وقواعد المنشأ مع دول «إعلان أغادير» العربية، والإمارات والقارة الإفريقية.
وأشارت تقارير إلى أن الشركات التي تستثمر في طنجة، تنجح في إيصال منتجاتها إلى داخل الأسواق الأوروبية بعد 6 ساعات فقط عبر الخط البري. ودخلت بريطانيا على الخط واشترت شركات للنقل البري والشحن البحري، بين طنجة وجبل طارق، لتثبيت وجودها في المتوسط حتى بعد «بريكزيت». وخلص المستثمرون إلى أن المغرب أقرب إلى أوروبا من بعض الدول الأوروبية، فهو أقرب إلى باريس ومدريد ولندن وبروكسيل من بولونيا ورومانيا وبلغاريا واليونان، وهذا الكلام صحيح جغرافياً قبل أن تؤكده التجارة والاقتصاد، ولكن المغرب يحتاج إلى تحديث البنية التحتية والطرق والمواصلات للاستفادة من موقعه الجغرافي. ويعتقد خبراء في صندوق النقد الدولي أن الظروف كانت في مصلحة المغرب، بسبب تزامن الرهان المغربي مع الأزمة الأوروبية والربيع العربي وحال الضبابية الدولية، لأنه نفّذ إصلاحات صعبة في وقت لم تجرؤ دول عدة في المنطقة على ذلك، أو كانت لديها أولويات أخرى أمنية وسياسية.
الطاقات المتجددة
عندما أعلن المغرب نيته استثمار 9 بلايين دولار في مشاريع للطاقة الشمسية في وارزازات، بحضور وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون إلى جانب الملك محمد السادس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، شكّك عدد من الخبراء والمهتمين بجدوى المشروع اقتصادياً وتقنياً. وبعد 7 سنوات، وفي قمة المناخ «كوب 22» في مراكش، اكتشف العالم أن البلد الذي كان ينفق 11 بليون دولار سنوياً لاستيراد حاجته من الطاقة، يقود ثورة في مجال الطاقات النظيفة لإنقاد ملايين المزارعين في إفريقيا من تبعات التغير المناخي والاحتباس الحراري، ويستعد لتصدير الطاقة الكهربائية المستخرجة من الألواح الشمسية إلى ألمانيا، قائدة مشاريع حماية البيئة.
والتحوّل من بلد مستورد إلى بلد مصدّر للطاقة عنوان نجاح غير مربوط باستكشافات أحفورية غير متوقعة، بل بتفكير استباقي أملته الحاجة. وفي فترة الثورات العربية والأزمة الأوروبية، تحوّلت واردات الطاقة إلى قضية سياسية واقتصادية واجتماعية بعدما بلغ دعم المحروقات 5 في المئة من الناتج الإجمالي، وتهاوت بسببه احتياطات البلد من العملة الصعبة إلى ما دون 120 يوماً. وكان الاقتصاد على شفا أزمة جديدة بعدما ارتفع العجز التجاري إلى 10 في المئة وعجز الموازنة إلى 7 في المئة. وتوقعت دراسات في مجال نجاعة الطاقة أن تتوافر للرباط 53 في المئة من الكهرباء النظيفة من مصادر غير تقليدية، وأن تصدّر جزءاً من الفائض عبر الشبكة الكهربائية الأوروبية، بعد استكمال بناء 4 محطات للطاقة الشمسية في وارزازات، ومثلها من طاقة الرياح في ميدلت وطنجة وبوجدور وطرفاية وعين بني مظهر. وقد تنخفض كلفة واردات الطاقة من 17 إلى 7 في المئة في النصف الأول من العقد المقبل، وبذلك قد تشهد تجارة المغرب الخارجية عودة إلى تسجيل فائض كما كانت قبل عام 2007.
الرافعات
وبهدف التباهي أمام الضيوف الأجانب، كثيراً ما يشير المسؤولون إلى عدد الرافعات التي تغطي مناطق عدة ويعتقدون أنها عنوان حركية الاقتصاد. وبعد أن كانت مباني المغرب في معظمها لا تتجاوز 30 طبقة، أعلاها «توين سانتر» في الدار البيضاء التي بنتها مجموعة «أوني» في تسعينات القرن الماضي، تتحوّل الرباط لتضم أكبر عدد من الأبراج في المغرب وشمال أفريقيا. وتبني مجموعة «تشاينا ريلوي كونستركشين كوربوريشن» الصينية برجاً في الرباط سيكون الأعلى في المغرب بارتفاع 250 متراً ويضم 50 طبقة تتوزّع على 86 ألف متر مربع. وبلغت قيمة المشروع نحو 380 مليون دولار تتقاسمها المجموعة الصينية «سي أر سي سي» التي حازت 60 في المئة من حصة التشييد، وشركة الأشغال الكبرى المغربية «تي جي سي سي» التي تملك 40 في المئة في البرج، الذي يتمّ بناؤه على شكل لولبي مطل على المحيط الأطلسي ووادي أبي رقرار، ويضمّ مكاتب وفنادق وشققاً فاخرة ستعود ملكيتها إلى «البنك المغربي للتجارة الخارجية»، صاحب المشروع.
وتخطّط مؤسسات مالية وصناعية ومصرفية لبناء أبراج مماثلة في الرباط والدار البيضاء وطنجة، في توجّه عمودي للبناء والتصميم يعكس مغرباً جديداً يجمع بين أصالة الماضي وتطلعات الحداثة والتحديث. وأكّدت مصادر وزارة الاستثمار والتجارة والصناعة، أن كلما زاد اندماج الاقتصاد المغربي في الاقتصاد العالمي، زادت فرص التنمية وجذب الاستثمارات.
بطالة الشاب
ولكن البنك الدولي غير موافق على صيغة الاستثمارات الضخمة التي تكلّف بلايين الدولارات، ولا تؤمّن فرص عمل كافية للشباب. واعتبر أن الاقتصاد المغربي لا يخلق ما يكفي من فرص العمل على رغم حجم الاستثمارات المقدر بـ31 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وهي نسبة تزيد على مثيلتها في إسبانيا ومصر وتونس وفرنسا والمكسيك والبرتغال وإيطاليا وتركيا والبرازيل، وهي الثالثة عالمياً بعد الصين وكوريا الجنوبية.
واعتبر البنك أن الاستثمارات في المغرب لا تخلق ديناميكية مماثلة في سوق العمل، إذ تبقى نسبة البطالة مرتفعة لدى الشباب الجامعيين. وأكد في مذكرة إلى الحكومة أن المغرب حقّق تقدماً اقتصادياً لا يمكن إنكاره على مدى السنوات الـ15 الماضية، انعكس إيجاباً على النمو وتحسناً في مستوى المعيشة، وزيادة في فرص ولوج الجميع إلى الخدمات العامة الأساس، وتطوراً ملموساً في البنية التحتية. وفي حين كان عدد من المؤشرات الاقتصادية يسير على النهج الصحيح، بقي مؤشر واحد غير إيجابي حتى الآن، يتعلّق بدمج الشباب في التيار الاقتصادي والاجتماعي. وتشكّل فرص العمل للشباب تحدّياً مهمّاً، خصوصاً أن شاباً من أصل اثنين تقريباً تراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، يحصل على عمل غالباً ما يكون في القطاع غير النظامي والهشّ. ولا يحصل نصفهم على وظيفة مناسبة، ونصفهم الآخر يصنّف في خانة العاطلين من العمل. واعتبر البنك أن كل الاستثمارات المغربية العامة تركز على البنية التحتية والطاقات المتجددة والمشاريع المهيكلة والطرق السريعة والموانئ والمطارات والقطارات، وهي مجالات مهمة للتنمية وتستقطب موارد مالية ضخمة، لكن نتائجها تكون بعيدة المدى، ما يجعل ثمار النمو أقل انعكاساً على فئة واسعة من السكان.
ويعتقد خبراء أن نظراً إلى الحجم الكبير للاستثمارات في المغرب، كان يجب أن يكون النمو نحو 6 في المئة مثل دول جنوب شرقي آسيا وليس بين 3 و4 في المئة. وتجيب الحكومة أن العائد على الاستثمار في البنية التحتية غالباً ما يتطلب وقتاً طويلاً، لأن منافعه المباشرة على السكان لا تظهر إلا بعد تعدّد المتدخّلين والفاعلين الاقتصاديين، وهذا يتطلب وقتاً.
وفي سعيها إلى أن تصبح دولة صاعدة رائدة إفريقياً، تحتاج المملكة إلى زيادة حجم الوظائف بنحو 12 نقطة حتى عام 2040، ليزيد معدل العمل لإجمالي السكان على 55 في المئة، في مقابل 43 في المئة حالياً، في حين لا تنمو الوظائف حالياً أكثر من 1 في المئة سنوياً، ويجب أن تكون 2 في المئة لتقليص معدلات البطالة، والاستجابة إلى الأجيال المقبلة من طالبي العمل، عبر توسيع مشاركة القطاع الخاص في خلق الوظائف وتحسين مناخ الأعمال، والتحوّل إلى قاعدة صناعية دولية، نظراً إلى موقع المغرب الجغرافيّ والتجربة المحلية في كفاءة اليد العاملة.
وعلى رغم انتقادها بسبب ضعف انعكاس الاستثمار على معيشة السكان، تعتقد المؤسسات المالية الدولية، أن المغرب خطا الخطوات الأكبر نحو مراكز الدول الصاعدة. وقال ممثل البنك الدولي جان بيير شوفور، إن المغرب مرشح ليصبح ثرياً قبل أن يصبح مجتمعه مُسنّاً، ولكن تحقيق ذلك يتطلّب كسب رهان التعليم ودمج الشباب في التنمية وتنويع مصادر الدخل، في إشارة إلى توقعات 2040 الديموغرافية، والعالم الجديد في أواسط العقد الخامس من الألفية الثالثة.
الحياة اللندنية