مرحبا بكم في موقع أركانة بريس موقع اخباري إلكتروني مغربي .         ناقل الجهل جاهل: الريسوني ماكيفهمش النكليزية وجر معاه الجامعي فالفخ             علم الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاخرى             منهج نحو منظور حداثي لفلسفتنا التربوية للميثاق الوطني للتربية والتكوين             كيف بدأت الحياة على الأرض ومتى بدأت             اختصاصات رئيس الحكومة في القانون المغربي رئيس الحكومة             تعريف نظام الحكم في المملكة المغربية الشريفة             الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق             صحفية “إسبانيول” تفضح القناة الإسبانية الرابعة وتطعن في مصداقيتها             العلاقة بين التلميذ والأستاذ والإدارة             الرسالة الأكملية في فَضْخِ الكتاني ونصرة الأمازيغية             التاريخ كما ترويه الامكنة :حقائق عن قضية الصحراء المغربية            ريدوان يطلق أغنية عالمية             خطاب الملك محمد السادس التاريخي في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المغربي 2017            التيجيني يناقش مغربية الصحراء مع الدكتور العدناني - الجزء الأول            القناعة كنز لا يفنى            الدارجة؟؟            تعايش الأديان.            زوجات زوجات.           

  الرئيسية اتصل بنا
صوت وصورة

التاريخ كما ترويه الامكنة :حقائق عن قضية الصحراء المغربية


ريدوان يطلق أغنية عالمية


خطاب الملك محمد السادس التاريخي في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المغربي 2017


التيجيني يناقش مغربية الصحراء مع الدكتور العدناني - الجزء الأول


الشاب الذي أبهر المغاربة برسمه للملك محمد السادس بطريقة لا تصدق


الخطاب الملكي بمناسبةعيد العرش المجيد


جنازة مهيبة للأسطورة الظلمي


Le Maroc vu du ciel


المغرب الإفريقي


حقيقة ناصر الزفزافي و عمالته للمخابرات العدائية للمغرب

 
اخبار عامة

المقاطعة وديكتاتورية الأغلبية.. ماذا يقول علم النفس الاجتماعي؟


حكاية "حبنا" لهذا الوطن


هواري بومدين لم يقم بالثورة وكان مختبئا في المغرب وكان يكره المجاهدين + فيديو


مضاجعة العُهر لا تحتاج إلى وضوء بل إلى عازل طبي


بركات الجزائرية.. مغربية أيضا


الصحراء مغربية حتى لو بقيت الحدود مغلقة إلى يوم القيامة


"الربيع العربي" يزحف بمعاول التقسيم والتطرف والتمذهب


الجزائر لا وجود لها في تاريخ شمال إفريقيا


أضواء على الحقيقة.. في خطاب الديكتاتور بوتفليقة


"أنتم رجال أشرار"

 
أركان خاصة

حكام الجزائر للشعوب المغاربية : تعالوا للتفرقة وبعدها نفكر في الوحدة


سمير بنيس: الإعلام الدولي تواطأ مع البوليساريو في قضية "محجوبة"


دفع الصائل الارهابي: نحو تدويل النموذج المغربي-2-


دفع الصائل الارهابي: نحو تدويل النموذج المغربي-1-


معارك إمارة المؤمنين ابتدأت


البوليساريو، القاعدة، الجزائر.. ثلاثي يهدد الاستقرار بالمنطقة


بنيس يُشَرح نزاع الصحراء أمام أكاديميي جامعة برينستون الأمريكية


سمير بنيس: جبهة البوليساريو لم يكن لها أي وجود قبل إنشائها من قبل الجزائر وقذافي ليبيا في عام 1973


الملك والصحراء التي قد تضيع!


شيزوفرينيا الجزائر ضد المغرب

 
كتب و قراءات

كتاب"سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية" يفكك التطرف بمطرقة النقد الأخلاقي


قراءة في كتاب "الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب"


السوسيولوجي والباحث محمد الشرقاوي: مفهوم “الشعب الصحراوي” أسطورة اسبانية


رغم رحيله.. الدكتور رشدي فكار يبقى من عمالقة الفكر المعاصر


الفيلسوف طه عبد الرحمن.. نقد للحداثة وتأسيس للأخلاقية الإسلامية


الطاهر بنجلون : الجزائر لها "عُقدة" مع المغرب و هَمُها هو محاربته .


انغلاق النص التشريعي خدعة سياسية وكذب على التاريخ


متى يتحرك المنتظم الدولي لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بتندوف ؟؟


الهوية العاطفية: حول مفهوم الحب كتجربة تعالٍ


طه عبد الرحمن .. من زلزال "روح الدين" إلى تسونامي "بؤس الدَّهرانيَّة"

 
ثقافات ...

الجزء 2..تفاصيل إحدى أكبر عمليات المخابرات في التاريخ التي قادها الرسول (ص)


الجزء الأول..لكل هذا كان الرسول (ص) رجل استخبارات بامتياز!


نحن والجزائر


في ذكرى رحيله..... أجمل 50 مقولة لـ"جلال الدين الرومي"


حتى لا يباع التاريخ المغربي بحفنة من حروف صخرية


حتى لا يتحول الفقه الأمازيغي الاركامي الى فقه حنبلي..


الجزائر وعقدة المغرب


بوحمارة في ورش الظهير البربري


معطيات واضحة تحكم على جبهة البوليساريو بالاندحار والزوال


الخبير الياباني ماتسوموتو :«الجمهورية الصحراوية» مجرد تنظيم اختارتوصيف نفسه بلقب «الجمهورية»

 
ترفيه

كيف وصلتنا "كذبة ابريل" او "سمكة ابريل"


الحاجة أم الإبداع


interdit aux moins de 18 ans


أنواع الأسلحة المنزلية:


أبغض الحلال...

 
ذاكرة

أقوال للحسن الثاني شغلت المغاربة طيلة 38 عاما


“رجع بخفي حنين”


المعلمة.

 
 


"صحيح البُخاريّ" أمام باطل "عَبَدة الأهواء!


أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 16 نونبر 2017 الساعة 18 : 10




عبد الجليل الكور

من أشدّ الآفات في زمننا أنّ كثيرًا من أدعياء «الفِكْر الحُرّ» بيننا يَسْتسهلون إرسالَ الكلام على عَواهنه. وليس الأصل في هذه الآفة - كما قد يُظَنّ- كَوْن "الجهل" (بمعنى «الخُلُوّ من المعرفة») مُنْتشرًا وغالبًا من جَرّاء أسباب تَشْتغل موضوعيًّـا (تَخلُّف نظام "التّعْليم" ووَسائل "التَّضْليل" وهشاشة تَكْوين "الكفاءات")، وإنما لأنّ كَوْنَ هذا النّوع من "الجهل" مُحيطًا بالإنسان يَسْتلزم الإقرارَ به كواقع قائم على النّحْو الذي يُوجب لا فقط السّعْيَ إلى اكتساب ما يُسْتطاع من "المعرفة"، بل أيضا تَبَيُّن مدى صُعوبة فعل "المعرفة" نفسه بحيث يَصيرُ "الجهلُ" الحقيقيُّ ذاكـ "السَّفَه" الذي يُورِث الإنسانَ عادةَ نِسْيان واجب "التّواضُع" اعترافًـا بـ"الجهل" المُحيط جدًّا وبـ"الخطإ" المُحْتمل دائمًا. وفحوى هذا أنّ آفةَ تعاطي «الكلام المُرْسَل» تَجِد أَصْلَها في عدم استئناس "الأهواء" اجتماعيًّـا ومُؤسَّسيًّـا بالقَدْر الذي يُمْكِنُه أن يَسْمح بتَجلِّي "العقل" حُكْمًـا مُعَلَّلًا وقولًا مُحْكَمًا.

ومن ثَمّ، فإنّ «الخطاب المعقول» لا يَتأتّى إِلّا بأن يُبْنى القولُ بصفته يُعَبِّر - في آنٍ واحدٍ- عن تَوَجُّهٍ "خُلُقي" و"معرفيّ" لا يَقْبَل أن يُفْصَل فيه "النّظرُ" عن "العَمَل" كما لو كان الأوّلُ فِعْلًا "معرفيًّا" مُسْتقلًّا بنفسه وقابلًا لأن يُعْزَل أو يُجَرَّد تمامًا عن «سَيْر الحياة»، وكما لو أنّ الآخَر فِعْلٌ "وِجْدانيٌ" يُلابِس «المَعِيش اليوميّ» في صَيْرُورته الجارِفة ودَيْمُومته المُلْتبِسة.

وكُلّ مُشْكلة أدعياء «الفِكْر الحُرّ» قائمةٌ في كَوْنهم يُعْطُون لأنفسهم امْتيازًا حَصْريًّـا يُظْهِرُهم كأنّهم أقدر من غيرهم على إِتْيان "النّظَر" كفِعْلٍ مُجَرَّدٍ من كُلّ «الأهَواء» ومُنَزَّه عن كُلّ «الأغراض»، في الوقت نفسه الذي يُصِرُّون على وَصْمِ خُصُومهم بصفتهم وَحْدهم ضحايا "الجَهْل" كأهواء عمياء وأغراض مُضِلّة. والحال أنّ ما يُمَيِّز الإنسان، في إطار شُمُوليّة «الوَضْع البَشريّ»، إنّما هو الاشتراكـ الضّروريّ في مُكابَدة مُختلف الشُّروط المُحَدِّدة لـ"الوُجُود" و"الفِعْل" ضمن هذا «العالَم الدُّنْيَوِيّ». ولذا، فإنّ وَصْفَ الانْخراط البَشريّ في تَحَدُّده الموضوعيّ يَفْرِض نفسَه ابتداءً لفهم وتفسير كُلّ ما يُعاش ذاتيًّـا كمُلاحقة دَالّة لمُخْتلف الرِّهانات (والأوهام) المُتعلِّقة بهذا «اللَّعِب الاجتماعيّ» أو ذاكـ، ممّا يُفيد أنّ ما يُنْظَر إليه كــ«فِكْر حُرّ» لا يَنْفكّـ عن شُرُوط «المُكابدة الوُجوديّة»، بحيث لا يَصِحّ اعتبارُه امتيازًا خاصًّا بنُخْبة يُظَنّ أنها لا تُشاركـ في أَيِّ نوع من "الألعاب" المُلْهِية أو المُجْدِية اجتماعيًّـا ووُجوديًّـا.

وفي المدى الذي يُمَثِّل «صحيحُ البُخاريّ» نَمُوذجَ «الاتِّباع الدِّينيّ» في المذهب السُّنّيّ، فإنّ اتّخاذَه موضوعًا للنَّقْد المعرفيّ يَقْتضي تَجاوُزَ نمط «التّجْريد النَّظَريّ» (كاشتغال بإجراءت «التّفْكير الصُّوريّ» في قيامها، من جهة، على وَضْع «المَعايير» تَحَكُّمًـا أو تَشهِّيًا واقتصارها، من جهة أخرى، على تَرْتيب «النّتائج» على «المُقدِّمات» حسابًـا آليًّا أو نَظْمًا تَنْسيقيًّـا) نحو نَمَط «المُمارَسة العَمَليّة» في اشتمالها على مُختلف ضُرُوب «الاشتباه» وأحوال «التّبَدُّل» ودرجات «التّناقُض» المُحيطة بـ«أشكال الحياة» مهما بَدَتْ مُبْتذَلةً ومُتنافرةً.

ومن المُؤْسف أنّنا ٱبْتُلِينا، منذ عُقود، بزُمْرةٍ من أدعياء "العقل" و"العلم" من الذين يَصْدُرون عن «معقوليّة اختزاليّة» انتهتْ بين أيديهم نُتَفًا مُهَرَّبة ونُسَخًا مُتقادمةً فتَراهُم مُبْتهجِين بإعْمالها في كُلّ موضوع إلى الحدّ الذي لا يَتَردّدُ أحدُهم عن تعاطي "التّقَوُّل" كيفما يَتّفقْ له من دُون أن يُكَلِّف نفسه عناء مُساءَلة حاله من حيث كَوْنُه يَخْضَع لراسخ عوائده ويَسْتهلكـ آليّاتٍ لم يُنْتِجها أصلًا ويَدّعي التَّفرُّد بالنُّبُوغ تَقْلِيبًـا لرِمَم الأموات بدلا من أن يُثْبِت مدى اقتداره على إقامة بُنْيانه الفِكْريّ بالاستقلال حتّى عن مُعاصريه من الأحياء!

ولعلّ المُتقوِّلين على «السُّنّة النّبويّة» عُموما، وعلى «صحيح البُخاري» بالأخص، يُمَثِّلُون أبرز أُولئكـ الأدعياء الذين تجدهم يَتوسّلُون بكُل الذّرائع المُمْكِـنة لجَعْل أَيِّ «شُبْهة ظاهرة» تستوي كما لو كانت «حُجّةً بالغةً». والحال أنّ الاشتغالَ بـ"التّفْكير" لا يَنْفكّـ عن «عبادة الهوى» ما لم يُخْضَع لسَيْرُورة "التَّوْضِيع" تَوْصيفًـا وتَحْليلًا بحسب ما تَقْتضيه إقامةُ سِلْسلة «الأسباب الموضوعيّة» في تَمَيُّزها الضّرُوريّ عن الارْتهان لدُوّامة «الدّوافع الذَّاتيّة». فعلى أساس الانخراط في مُمارَسة "التَّوْضِيع" كتَنْسِيب دائم ومُتبادَل، يَصيرُ مُمْكِنًا أن يُحَرَّر "الفِكْرُ" من تَوَحُّد "الهَوى" فيُخْضَع لـ«سَيْرُورة البحث» اشتراكًـا في مُقْتضيات "البناء" وتَبادُلا لإكراهات "المُراقَبة" بما من شأنه أن يَكْفُل ضبط إجراءات "التّفْسير" و"التّعْليل" والابتعاد عن غَوائل "التّحَكُّم" و"التَّسَيُّب".

ومن أجل ذلكـ، فإنّ المُتقوِّلين على «السُّنّة النّبويّة» من أدعياء "العقلانيّة" و"العَلْمانيّة" بيننا ليسوا - من حيث كونُهم أحرص النّاس على الطّعْن في «عُلوم الحديث» تَضْليلًا وتَشْغيبًا- سوى عَبَدة للأهواء. إِذْ كيف يَكُونون من أُولي الألباب وهُم يَعْرِضُون تَخَرُّصاتهم بكُلّ مظاهر «الحقّ» الذي لا يأتيه «الباطل» من بين يديه ولا من خلفه في الوقت الذي يَغْفُلون عن كَوْن الأمر – حتّى عند خُصومهم المُتَّهمين- يَتعلّق بـ«الاجتهاد» في تَحْصيل ما يُمْكِـن من الأسباب و(العِلَل) المُرَجِّحة لقَدْرٍ من «الظَّنّ» يَكْفي لإقامة «العَمَل» اعتقادًا واتِّباعًا؟! وكيف يَتكتّمون على دوافعهم الدّفينة وأغراضهم المشبوهة فلا يَتوَرّعون عن إسْقاطها على خُصومهم في الحاضر والماضي؟! وأَيُّ عقل لدى من يَدّعي الدِّفاع عن «التَّجْديد» و«الإصلاح» في "الإسلام" وهو يَعْمَل لا فقط على هَدْم أحد أهمّ أُصُوله، بل على هَدْم كُلّ أَصْلٍ فيه باعتبار أنّ «القُرآن» نفسه لم يُنْقَل إِلَّا من طريق «الرِّواية» أو لم يَثْبُتْ إِلَّا على شاكلتها؟!

وإجمالًا، فإنّ النّاظرَ في أقوال أُولئكـ الأدعياء يُمْكِـنُه أن يَتبَيّن أنّ هُناكـ تِسْع شُبُهات كُبرى كثيرًا ما يَلُوكُونها تَصْريحًا أو تَلْويحًا:

تَقُوم الشُّبْهة الأُولى على القَوْل بأنّ "القُرآن" بصفته «كلامَ اللّـه المُوحَى» ليس في حاجة إلى ما سواه، بحيث لَمْ يَكُن مُحمَّد بن عبد اللّـه (صلّى اللّـه عليه وسلّم) سوى «بَشَرٍ رَسُول» أُنْزِل عليه "القُرآن" ليُبَلِّغه للنّاس من دُون زيادة أو نُقْصان. وبالتّالي، فليستْ هُناكـ أصلًا أَيُّ حاجة إلى ما يُسَمّى "الحديث" أو «السُّنّة النّبويّة». والغرض من هذه الشُّبْهة إِثْبات أنّ "النُّبُوّة" ليستْ «وساطة بَشريّة بعناية إلاهيّة» وأنّ "الرِّسالة" تَنْحصر في «التَّبْلِيغ الأمين». وكُلّ ما يُمْكِن أن يُوصَف بأنه «تَجْرِبة نبويّة» إنما هو «تَجْرِبةٌ بَشريّةٌ» و«حُدُوث تاريخيٌّ» من دون أدنى «تَدَخُّل إلاهيّ». ولهذا، فإنّ أصحاب هذه الشُّبْهة يُؤكِّدون تنافي بَشريّة "النَّبيّ" و"الرّسول" مع "الاصْطفاء" و"العِصْمة" حتّى يَتسنّى لهم نفي "الحديث" و"السُّنّة". لكنْ، لو صحّ أنّ "النَّبِيّ" و"الرّسُول" ليس سوى بَشرٍ عاديٍّ، لما كانت ثمّة حاجةٌ إلى أن «يُبَعْث في قَوْمه بلسانهم» وتأكيد أنه «صُنِع على عَيْن اللّـه» وأنه «يُوحَى إليه بواسطة سَيِّد الملائكة» وأنه «أُمِرَ أن يَتْلُو القُرآن على مُكْثٍ» وأنه «أُرْسل إلى النّاس ليُعَلِّمهم "الكتاب" و"الحِكْمة" وليُزَكِّيهم». وإِلَّا، فما كان اللّـهُ – سُبْحانه وتعالى- ليَعْجِـزَ عن أن يُنَزِّل "القُرْآن" كتابًـا مَسْطُورًا من السّماء فيَضعه بين يَدَيْ كُلّ إنسان. ويكفي في بيان تَهافُت هذه الشُّبْهة أنّ آيات "القُرآن" تُكذِّبها تَكْذِيبًا، إِذْ تجعل "الرّسُول" ذلكـ «البَشر المُصْطفى» الذي يَتلقّى «الأمر الإلاهيّ» بما يُقِيمه "بَشيرًا" و"نَذيرًا" و"هادِيًا" و"مُذَكِّرًا" و"مُعَلِّمًا" و"مُبَيِّنًا" و"شاهدًا" و"حاكمًا".

وتُفيد الشُّبْهة الثانية أنّ "الحديث" يُمَثِّل "النّقْل"، فهو «قَوْلٌ منقولٌ» أو «سُنّةٌ مُتناقَلةٌ»؛ ممّا يَفْصِلُه عن "العَقْل" الذي يَتحدّد - بحسب ظنّهم- ضدّ "النّقْل" ("العقل" عندهم «وَضْعٌ مُتَجدِّد» أو «إِحْداثٌ دائمٌ»؛ وبخلافه "النّقْل" الذي ليس سوى "اتِّباع" و"تقليد" و"جُمُود"). ولو صَدّقنا ظَنّهم هذا، لصِرْنا إلى القول بأنه لا شيء من "العَقْل" في "النّقْل" و، من ثَمّ، لا شيء من "النّقْل" في "العَقْل". لكن، وعلى الرّغم من أنّ الأمر يَتعلّق بمُقابَلة مُبْتذَلة ومَكْرُورة لدى مُختلف عُلماء المُسْلِمين (مُتكلِّمين، فقهاء، مُفسرِّين)، لا يُسَلَّم لهم ذلكـ الفَصْل الحادّ والمُراد بين "النَّقْل" و"العَقْل": أَوّلا، لأنّ الأصل فيه جِناسٌ لُغوِيٌّ ظاهرٌ (اشتراكـ لفظيْ "نَقْل" و"عَقْل" في حرفَيْن/صوتَيْن مُتتابعَيْن هُما "القاف" و"اللّام")، ولا يَصِحّ رَفْع ما كان بمثابة «عَرَض لُغويّ» إلى درجة «حقيقة وُجوديّة» أو «أَمْر وُجُوبيّ»؛ وثانيًـا، لأنّ افتراض كون "النَّقْل" يَخْلُو تماما من "العَقْل" لا يَثْبُت إِلّا بالتّحكُّم أو التَّشهّي؛ وثالثا، لأنّ "العَقْل" لا يَقْبَل أن يُؤَسّس في الواقع الفِعْليّ إِلَّا بفضل "النَّقْل" اكتسابًا وشهادةً. وإِلّا، فإنّ ما يَعُدُّونه عَيْنَ "العقل" ليس ابْتكارًا أصيلًا من لَدُنِهمْ، بل هو «نَقْلٌ» محضٌ ممّا وَضَعه قَبْلَهم غيرُهم!

وتَتمثّل الشُّبْهةُ الثالثةُ في القول بأنّ الاشتغالَ بـ"الحديث" لا يرقى إلى درجة "العِلْم" المُنَظَّم منهجيّا والمَبْنيّ موضوعيّا. ومن الغريب أنّ القائلين بهذه الشُّبْهة يكتفون بالإحالة على النّمُوذج التّقليديّ لـ"العِلْم" كما يَتعيَّن في «عُلوم الطّبيعة» (مثل "الفيزياء" و"الكيمياء" و"الطب") أو في «العُلُوم الصُّوْريّة» (مثل "المنطق" و"الرياضيّات"). ومبعث الغرابة من جهتَيْن: أُولاهما، أنهم يَغْفُلون عن كون الاعتراض على «علم الحديث» (وأيضا على «علم الفقه» و«علم الكلام» و«علم التفسير») بالمُقارَنة مع تلكـ العلوم لنْ يَكُون مُوَجَّها إِلَّا إذَا اعْتُرِض، أيضا، على كُلّ «عُلوم الإنسان» («علم التاريخ»، «علم اللُّغة»، «علم النّفْس، «علم الاجتماع، «علم القانون») من حيث اختلاف موضوعها ("الإنسان" بما هو "ظواهر" يتجلّى فيها "الوعي" و"الإرادة"؛ ولكونه "أحداثًـا" لا تَنْفكّـ عن "المعنى" و"القيمة")؛ وثانيتهما، أنهم لا يُبَيِّنون مُقْتضَيات "العِلْميّة" كمَعايير مُحْتتِنة وكُليّة فيما وراء الصُّورة المُبْتذَلة والمُخْتزَلة التي تُظْهِر "العلم" كما لو كان واحِديًّا في إجراءاته المنهجيّة ومُتَّسِقًا في نتائجه النّظريّة رغم تَعَدُّد المجالات وتَبايُن التّطبيقات. لكنْ، لو سَلَّمنا – على الأقلّ- بالمعنى المُوَسَّع لـ"العِلْم" من حيث هو «موضوع مُحَدَّد» و«منهج مُعْتمَد» و«نتائج مُؤكَّدة» لدى المُشْتغلين به، فلَنْ يَكُون مفرٌّ من الإقرار بأنّ هُناكـ عِلْمًا للحديث له موضوعه (كُلّ ما يُنْسَب إلى الرَّسول) ومنهجه (الانتقاء من الرِّوايات بالجَرْح والتَّعْديل) ونتائجه (مسانيد الحديث) وَفْق حُكْم أهله المُخْتصّين به. وأشدّ من هذا كُلّه، فلو أنّ أصحاب هذه الشُّبْهة كانوا فعلا يَعْملُون بنموذج "العلميّة"، لوَجدوا أنفسهم يَحترمون "التّخَصُّص" فيَرْبأُون بأنفسهم عن اقتحام أَيِّ مجال ليستْ لهم الأهليّةُ الكافيةُ للبَتّ فيما يَخُصّه (لا يَجْرُؤ أَيُّ دَعِيٍّ من هؤلاء على أن يَتقوّل على ما يَتعلّق بـ"الفيزياء" أو "الرياضيّات" أو "الطبّ" حتّى لا يَجعل نفسه عُرْضةً للسُّخْريّة من قِبَل حُرّاسها الأشدّاء والأيْقاظ!). ومن هُنا، يتـأكّد كيف أنّ القولَ بعدم علميّة «دراسات الحديث» إنما يُراد به فسحُ المجال للتّقوُّل عليه دُون قيد أو شرط.

وتَذهب الشُّبْهةُ الرّابعةُ إلى تأكيد تأخُّر «تَدْوين الحديث» باعتبار ثُبُوت نهي الرّسول عن كتابة "الحديث"، وهو ما يُشير إلى البُعد بين «زمن النّبوّة» و«زمن جَمْع الأحاديث»، ممّا يُؤدّي إلى الشّكّـ في صحّة كُلّ ما يُنْسَب إلى رسول اللّـه. ولا بُدّ من أن يُميَّز، في هذه الشُّبْهة، بين القول المبنيّ على النّهي عن كتابة "الحديث" كسبب لـ«تأَخُّر التّدْوين» وبين القول المُطْلَق بهذا الأمر. فمن يَستند إلى مسألة النَّهْي يُقِرّ، على الأقل جزئيّا، بصحّة بعض الأحاديث (المُتضمِّنة للنّهي). ومثل هذا الإقرار يُوجب على صاحبه أن يَنْظُر لا فقط في علّة النّهْي، بل أيضا في الأحاديث الأُخرى التي تَأْذَن بكتابة الحديث (بعد زوال عِلّة النّهي). وأمّا القول بتَأخُّر «تدوين الحديث» مُطْلقًا، فلا يَصحّ عند أهل الاختصاص الذين يُثْبِتون وُجود «صُحُف للحديث» لدى بعض الصحابة على الأقلّ منذ السنوات الأخيرة من حياة النبيّ. وإِلّا، فإنّ "التدوين" نفسه يبقى تابعًا لـ"الحِفْظ" في مُجتمع كانت فيه "الذّاكرة" مُستودع الماضي. وإِذَا كان «الشِّعْر الجاهليّ» لم يُدَوَّن منهجيّا إِلَّا بعد "الإسلام"، فإنّه يَتّضح كيف أنّ مذهب الشَّكّـ في صحّته لم يُسْلَكـ إِلَّا كتمهيد للشَّكّـ في "الحديث" و"السُّنة"، بل في "القرآن" نفسه. ومن البَيِّن أنّ قَبُول تَدْوِين «الشِّعْر الجاهليّ» لا يَتْرُكـ فُرصةً للاحتجاج بتَأَخُّر «تَدْوين الحديث». وأكثر من ذلكـ، فإنّ وُجود الدّافع إلى حِفْظ عُموم "الدِّين" يُمَثِّل سَببًا أقوى للعناية بنُصوصه (لم تنتشر الكتابة إلَّا بفضل "الدِّين" وخدمةً له!).

وتَتعلّق الشُّبهة الخامسة باعتبار أنّ «تاريخيّة الحديث» تَجعلُه استجابةً لحاجات اجتماعيّة مُحَدّدة مكانيّا وزمانيّا. فـ"الحديث" يَدُلّ، بالأساس، على «حَدَث تاريخيّ» ليس فقط من حيث كونه نتاجَ عمل "المُحَدِّثين" بما هُم بَشرٌ عاديُّون، بل أيضا من حيث كونه في الأصل يرجع إلى "النّبيّ" في تَنَزُّله البَشريّ أو، بالأحرى، في تَنْزيله البَشريّ لـ"الوحي"؛ ممّا يقتضي أنّ "الحديث" – بالمعنَيَيْن كليْهما- تعبيرٌ عن «التّجْرِبة البشريّة» في محدوديّتها ونسبيّتها. لكنّ من يقول بـ«تاريخيّة الحديث» مُلْزَمٌ، كذلكـ، بأن يقول بـ«تاريخيّة حُكْمه على الحديث» من مُنْطلَق أنه - كفاعل بشريّ- يخضع للصّيرورة التّاريخيّة بما هي تلكـ "الضّرُورة" التي تتَعالى على «الفاعليّة البَشريّة» كإرادة ووعي محدودَيْن موضوعيًّا أو من مُنْطلَق أنّ توصيفَ «الفعل البَشريّ» وتفسيرَه غيرُ مُمْكنَيْن إِلّا باعتبارهما - هُما أيضا- مشروطَيْن زمنيًّـا كفعلَيْن بشريَّيْن. ثُمّ، إنّ مَـنْ يقول بأنّ «التّاريخ حاكمٌ على كُلّ شيء» يُسَلِّم بأنّ "التّاريخ" - في كيفيّة وُجوده وفعله- "مُطْلَقٌ" بحيث يَفْرِض نفسَه بالشّكل الذي يَجعل كُلّ ما سواه يَتحَدّد فقط بالنِّسبة إليه (كأنه البديل الأرضيّ عن "اللّـه"). والحال أنّه إذَا كان "التّاريخ" بشريًّـا بالتّحديد المُعْتاد، فهو لا يَنْفكّـ عن "المحدوديّة" و"المشروطيّة" البشريّتَيْن. وبالتالي، فإنّ "التَّوْضيع" كتَنْسيبٍ تاريخيّ (أو كــ"تَأْرِيخ") لا يَصحّ أن يُتّخذ كمعيار مُتعالٍ للحُكْم على حدَثَيْن مُتميزَيْن من حيث خصوصيّتهما التاريخية، ممّا يقتضي "التّغاير" المانع من كُلّ مُقارنَة أو مُفاضَلة. ولا سبيل لتَجاوُز نسبيّة «التّوْضيع التّاريخيّ» من دُون الانفتاح على ما يُقَوِّم "الإنسان"، في أصل وُجُوده وفِعْله، بصفته يَمْلِكـ أن يَتعالى على «الضّرُورة التّاريخيّة». ولأنّ "المُحَدِّثين" كانوا – على غرار سائر عُلماء المُسلمين- يُؤْمِنُون بإمكان "التّعالي" على أساس «المُمارسة الدِّينيّة»، فإنّ إرادةَ حَصْر عَمَلهم كمُجرَّد نتاج تاريخيّ تُعَدّ إرادةً تَجْمَع بين التَّحَيُّز لـ«التّدْهير» (كإكْراه مُترتِّب على تَعْطيل أو تَحْيِيد "الدِّين") والنُّزُوع إلى العمل بـ"الإكراه" في انتزاع نوع من "التّعالي" لفَرْض ما يَرْتأُونه صوابًـا.

وتأتي الشُّبْهة السّادسة تَبعًـا للشُّبْهة السّابقة، إذْ أن القول بـ«تاريخيّة الحديث» لا بُدّ أن يَقُود إلى القول بأنّ الاشتغال به يُمثِّل انْخراطا في حَمْأة "التّاريخ" كصراعات اجتماعيّة وسياسيّة و، من ثَمّ، فِكْرَوِيّة بما يُفيد أنّ عمل "المُحَدِّثين" لم يَكُن سوى مُحاوَلات لإنتاج خطابٍ مُتحيِّز من أجل "تَشْريع" أو "تبرير" وقائع مُعيَّنة. وإذَا جاز - من النّاحية المبدئيّة- أن يَكُون الأمر كذلكـ بالنِّسبة إلى عمل "المُحَدِّثين"، فلَأن يَجُوز بالنِّسبة إلى الطّاعنين عليهم أَوْلى. فلا شيء يَمْنع من أن يَكُون عملُ هؤلاء، أيضا، انْخراطًا في صراعات اجتماعيّة وسياسيّة وفِكْرَويّة تَتعلّق بالإكراهات التاريخية في الواقع المُعاصر. وعليه، كيف يَحِقّ للمُحْدَثين أن يَدّعُوا التّفَرُّد بالقُدرة على الحُكم على أعمال القُدامى من دُون الخضوع لأيِّ ارْتهان ظَرْفيّ أو تَحَيُّز فِكْرَويّ؟! أَلَا يجب عليهم أن يُبَرْهِنُوا عَمَليًّـا على الكيفيّة التي مَكَّنتهم من أن يَستأثروا بصُكُوكـ «النّزاهة الأخلاقيّة» و«الحياد القِيْميّ» من دون غيرهم؟!

وتَستند الشُّبهة السّابعة إلى القول بأنّ عمل "المُحَدِّثين" في ادِّعائهم جَمْعَ «السُّنّة النَّبويّة» (بصفتها جُزءًا من «الوحي الإلاهيّ») لا يَزيدُ عن كونه عملًا بَشريًّـا غرضه إيجاد "التّقْديس" المُناسب للعمل «الدُّنيويّ/المُدَّنس» كما يَتجلّى، بالخصوص، في تَشْريع "الاستبداد" على أساس التّغَلُّب وتَبْرير "الغَزْو" كوسيلة للسَّلْب والسَّبْي والرِّقّ في الماضي؛ وكذا في التّوَسُّل بـ"المُقدَّس" لتَبْرير «الإجرام الاسترهابيّ» وإدامة «الطُّغْيان الاستبداديّ» في الحاضر. ويبدو أنّ هذه الشُّبْهة تنبني على افتراضَيْن: يُفيد أوّلُهما أنّ كُلّ «التُّراث الحديثيّ» (أو، على الأقلّ، مُعظمه) يَرْجع إلى "التّقْديس" المُنْصَبّ على أُمور «دُنيويّة/مُدنَّسة»؛ ويُشير ثانيهما إلى أنّ "المُقدَّس" يَحْمِـل في ذاته إِمْكانَ تَوْظيفه لأغراض "دُنيويّة" بشكل لا يُستطاع تفاديه. ومن يُريد الطّعْن في "الحديث" من هاتَيْن النّاحيتين، فهو يُجازِف بـ"التّعْميم" من دون سَنَدٍ كافٍ إمّا جهلًا وإمّا تَضْليلًا. ذلكـ بأنّ «السُّنّة النّبوِيّة» لا تَقْبَل أن تُخْتزَل في «تَقْديس المُدَنَّس»، بل تشتمل – بالأساس- على ما يُمَثِّل مَنْع نَقْل "المُدَنَّس" إلى رُتْبة "المُقَدَّس" باعتبار أنّها تُنْكِـر على "الظّالِمين" و"الفاسِقين" و"المُجْرِمين" و"المُفْسِدين" ما يَرْتكبونه من صُنوف "الباطل". كما أنّ كُلّ ما يُعَدّ حقًّـا في عصر ما يُواجِهُ حتمًـا إِمْكان تَوْظيفه كـ"مُقَدَّس" لتَبْرير أشكال "المُدَنَّس". وهذا الأمر يَصْدُق الآن على «مُكْتسَبات الحداثة» و«حُقوق الإنسان» و«نتائج العُلوم» التي تُتّخذ من قِبَل كُلّ أصحاب الأطماع لتَشْريعِ وتَبْريرِ أعمالهم. فالمُشْكل لا يَخُصّ "الحديث" و"المُقَدَّس الدِّينيّ" وحدهما، بل يَشْمَل كُلّ شيء في حياة الإنسان باعتبار أنّ "التَّقْديس" آليّةٌ اجتماعيّةٌ وحِيلةٌ رَمْزيّةٌ يُتوَسَّل بها لرَفْع "المُدَنَّس" إلى مُستوى "المَقْبُوليّة" و"المَعْقوليّة" كوَجْهَيْن لتَجلِّي "المُقدَّس" لا يَنْفكّـ عنهما الطّلَبُ البَشريُّ أبدًا.

وتَقُوم الشُّبْهة الثّامنة في القول بأنّ «أهل الحديث» لم يَعْتنُوا إلّا بنقد "السّنَد" بما يقتضي أنّهم أهملوا نقد "المَتْن" على النّحو الذي جَعلَهم يُصَحِّحُون ما يتناقض مع آيات "القرآن"، بل ما يُخالف حُكْم "العقل" أو "الواقع" أو ما صار يُكَذِّبه "العِلْم" في عصرنا. وتَنْبني هذه الشُّبْهة على سُوء فهمٍ كبير يَتعلّق بحقيقة وأساس حُجِّيّة "الحديث" (و"السُّنّة" عموما). ذلكـ بأن حُجِّيّة "الحديث" لا تأتي أصلًا من مضمونه أو مَتْنه، بل تأتي من مَقام قائله. ومَثَلُ "الحديث" في هذا كمَثَل "القرآن". إِذْ كُلٌّ منهما مصدرُه «الوحي الإلاهيّ». وفقط بتَبَيُّن مصدر حُجيّة "الحديث" و"السُّنة"، يُفْهَم لماذا يُقَدَّم "السَّنَد" على "المَتْن"، ولماذا لا يَنْبغي أن يُتّخذ «العقلُ المُجرَّد» ومُقْتضياتُه معيارًا لنَقْد مَتْنٍ صَحّ - بالرِّواية والدِّراية- سَندُه. ورغم هذا، فإنّ قولَهم بأنّ عنايةَ "المُحَدِّثين" اقتصرتْ على «سَند الحديث» لا يَصِحّ مُطْلقًـا، لأنّ عملَ "المُحَدِّثين" لم يَكُن يُفْصَل فيه بين «نَقْد السَّنَد» و«نَقْد المَتْن»، بل كان أحدُهم لا يَشْتغل ابتداءً بالنّظر في "السّنَد" إِلّا على أساس أهميّة مَتْنه تبعًا لما وَرَد في "القُرآن". ولعلّ خيرَ ما يَشْهَدُ على ذلكـ أنّ "البُخاريّ" نفسَه كان كثيرًا ما يأتي بمُتُون "الأحاديث" بعد عناوين كُبْرَى أصلها آيات قُرآنيّة صريحةٌ. وإِذَا ظَهَر هذا، فإنّ اعْتدادَ الطّاعِنين بهذه الشُّبْهة مَرَدُّه إلى إرادة الانْتقاص من قَدْر "المُحَدِّثين" بصفتهم كانوا يَنْقُلون كيفما اتّفَق لهم من دُون إِعْمال عُقُولهم أو من دُون الالْتفات إلى مُقْتضَيات "الدِّين" كما أُحْكِمتْ وفُصِّلتْ في «القُرآن الكريم». والحال أنّ الدّافعَ الأساسيَّ وراء عمل كبار "المُحَدِّثين" لم يَكُنْ شيئًا آخر غير حِرْصهم الأكيد على "الدِّين"، كما لم يَنْفَكّـ عملُهم عن الاحْتكام إلى «أَمْر العقل» المُوجَب شرطًـا للتَّكْليف والمُسَدَّد بالشَّرْع الحنيف. وبالتّالي، فمَنْ يَجْرُؤ على اتِّهام "المُحَدِّثين" في دِينهم وعَقْلهم، فدُونه والإتْيان ببَيِّناتٍ عمليّة تَشْهَد على أنه بَلَغ في "الدِّين" و"العَقْل" ما لم يَبْلُغه غيرُه.

أخيرًا، تَدُلّ الشُّبْهة التّاسعة على أنّ بُطْلانَ صِحّة "الحديث" يَثْبُت بقدر ما يَثْبُت أنّ "القُرآن" (كنَصّ دِينيّ) فيه الكفاية وأنه لم يُجْعَلْ غيرَ مُحْكَمٍ وغير مُبِينٍ إِلّا لكَيْ يُحَرَّر "العَقْلُ" ويُفْسَح له في "الاجتهاد" لمُقارَبة ذلكـ النّص الذي يَصيرُ، من ثَمّ، مفتوحًـا أمام لانهائيّة من التّأْوِيلات. ولا يخفى أنّ هذه الشُّبْهة تُمَثِّل الغاية من وراء كُل الشُّبهات السّابقة. والفحوى منها هي بالضّبْط أن يُؤكَّد أنّ الأصلَ ليس هو «الوحي الإلاهيّ» كهُدًى يُؤْتَى وذِكْرٍ يُتْلَى، وإنّما هو «العقل البَشريّ» كنُور طبيعيّ مُعْطًى لكُلّ إنسان وبإمكانه أن يَتحقّق مُسْتقلًّا ومُتَحرِّرًا. ولهذا، يُنْظَر إلى "الحديث" و"السُّنّة" كتَقْيِيد "غَيْبيّ" و"أسطوريّ" لحُريّة "العقل". لكنْ، لو كان «عقلُ الإنسان» بمثابة «الأصل المُؤسِّس» و«المعيار الحاكم»، لما كانت ثمّة أيُّ حاجة إلى "الوحي" و"النُّبُوّة"، بل لجاز أن يَكُون "الدِّينُ" كُلُّه نافلًا بما قد يَقتضي أنّ "اللَّـهَ" نفسَه افتراضٌ لا ضرورة له في واقع الإنسان بهذا العالَم!

وهكذا يَتّضح، بناءً على ما سَلَف، أنّ مُعْظمَ مُهاجِمي «السُّنّة النّبويّة» (بالخُصوص كما هي في «صحيح البُخاريّ») غَرَضُهم البعيد أن يُمَكَّن لتَعْطيلِ أو تَحْيِيد "الدِّين". وفي انْتظار أن يَصير بإمْكانهم أن يُعْلِنُوا مُعْتقدَهم ذاكـ بكُلّ جَراءة وصراحة، فإنّهم يَعْمَلُون في حُدُود ما يَسْتطيعون من أجل اطِّراح «أُصُول الدِّين» تَدَرُّجًـا وتَحَوُّطًا. ولهذا، فإنّ أمثالَ هؤلاء مُطالَبُون بأن يَأْتُوا بتَمام بُرْهانهم على كَوْنهم أحرصَ على "الدِّين" من كُلّ عُلمائه وأئمّته و، أيضًـا، على كَوْنهم أَصحّ عَقلًا وأشدّ وَرَعًـا من جميع من يُخالِفُهم. وإِذَا تَبَيَّن أنّ إِبْطالَ صِحّة "الحديث" يَؤُول، في نهاية المَطاف، إلى رَدّ ثُبُوت "القُرآن" ونَقْض عُرَى "الإسلام"، وثَبَت أنّ الطّاعِنين تُحَرِّكُهم أهواؤُهم الدّفينة وتَقُودهم أطماعُهم الدّنِيئة، فلَنْ يَعُود ثمّة شَكٌّـ في أنّ مَسْعاهُم إنّما هو التّمَكُّن من تَهْوِين «أُصُول الإسلام» تَمْهيدًا للتّخَلُّص منه بصفته دِينًـا لا يُرْضي أهواءَهم ويَأْبى إِلَّا أن يُخَيِّب أطماعهم. واللّـه غالبٌ على أَمْره، ولو كَرِه أهلُ الغِرّة به.

 



1803

0






 

 

 

 

 

 

 

 
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم

اضغط هنـا للكتابة بالعربية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق
  * كود التحقق



تحالف العدمية والإنتهازية:الطريق إلى الجحيم

الفيزازي: الملك أول ثائر على الظلم والفساد

مخطط إسرائيلي أمريكي لتقسيم العالم العربي

مفارقات مغربية

المقامة القدافية

الجزائر والفوضى الخلاقة في الصحراء الكبرى

السلفية موقف مرتبك من الديمقراطية

حضارة الإنسان قبل حضارة المكان

العدل والإحسان تفشل في تطهير الشوارع بالدماء

للكذب وجوه عدة... وحركة 20 فبراير أحد أبشعها

"صحيح البُخاريّ" أمام باطل "عَبَدة الأهواء!





 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  الجديد بالموقع

 
 

»  صحافة و صحافيون

 
 

»  الحياة الاجتماعيةوالسياسية بالمغرب

 
 

»  كتاب الرأي

 
 

»  أركان خاصة

 
 

»  كتب و قراءات

 
 

»  حول العالم

 
 

»  موجات و أحداث

 
 

»  صوت وصورة

 
 

»  الحياة الفنية و الأدبية والعلمية

 
 

»  دبلوماسية

 
 

»  كاريكاتير و صورة

 
 

»  أحزاب نقابات وجمعيات

 
 

»  جولة حول بعض الصحف الوطنية و العالمية

 
 

»  دين و دنيا

 
 

»  صحة، تربية و علم النفس

 
 

»  ترفيه

 
 

»  أعلام مغربية

 
 

»  ثقافات ...

 
 

»  اخبار عامة

 
 

»  ذاكرة

 
 

»  القسم الرياضي

 
 

»  الطبخ المغربي

 
 

»  الموارد النباتية بالمغرب

 
 

»  منوعات

 
 

»  مختارات

 
 

»  تكنولوجيا علوم واكتشافات

 
 

»  عدالة ومحاكم

 
 

»  تاريخ فلسفة وعلوم

 
 

»  

 
 
كتاب الرأي

علم الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاخرى


كيف بدأت الحياة على الأرض ومتى بدأت


اختصاصات رئيس الحكومة في القانون المغربي رئيس الحكومة


تعريف نظام الحكم في المملكة المغربية الشريفة


الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق

 
صحافة و صحافيون

الكحص: هذا الفيديو القديم..!


أخشى أن يصبح الحقد مغربيا


المغرب والخليج بين ثورتين


هل سَيَسْـتَـرِدُّ الشعبُ الجزائري سُلْطَـتَهُ التي سَرَقَـتْهَا منه عصابة بومدين يوم 15 جويلية 1961


ماهية الثّورة التي تسْتحِقّ شرَف لقبِها؟


الشرعي يكتب: الهوية المتعددة..


كيف نشكّل حكوماتِنا وننتقي وزراءَنا ونطوّر دولتَنا؟


منظمة تكتب رواية مائة عام من العزلة... ترهات جديدة على هامش قضية "أبو حجرين"


باحث يكذّب (ابن بطّوطة) بخصوص زيارته لبلاد (الصّين)


الكلاب تعرف بعضها... مدير موقع "هسبريس" يتكلبن في الإمارات


ملحوظات_لغزيوي: متفرقات من منطقة متفرقة!

 
تاريخ فلسفة وعلوم

الإسلام السياسي المفهوم والدلالات

 
الجديد بالموقع

الأمير هشام العلوي: من لا يقبل قمم الجبال يعش دائما بين الحفر..


أي شيء مُهْـتَرِئٍ و"بَالِي" أكثر من عصابتين في الجزائر :عصابة المرادية وعصابة الرابوني


مِنَ الظُّلم لتاريخ الجزائر الحديث اعتبارُ الذين اغْتَصًبُوا السُّلطة فيها ( نِظَاماً ) فَهُمْ مُجَر


حقائق حول قضية الصحراء المغربية تصيب حكام الجزائر والبوليساريو بالجنون


السعودية وسياسة نقيق الضفادع المزعج


أندية المعارضة


ملف الصحراء وما يحمله من تهديد خطير للأمن القومي المغربي


(ع.ن) مرحاض متنقل في خدمة الجماعة


تأملات في ظلال الطواحين الحمراء


معالم في طريق البناء: من "نظرية الحاكمية" إلى "الخمار والبيكيني"


بين الأب عبد السلام ياسين والأم تريزا


جريمة امليل: المنهج الإخواني في إدارة التوحش وبسط النفوذ


الشمهروشيون والشمهروشيات.. بعضهم أولياء بعض


نصف دستة من الديمقراطيين في ضيافة الإسلاميين.. ومنيب بين أنياب الخميني!


كائنات انتهازية حاولت الركوب على قضية بوعشرين


مافيا الكوكايين الحاكمة في الجزائر تضع تطبيع العلاقة مع المغرب مقابل تسليمهم الصحراء المغربية


جون بولتون الأمريكي هو"سوبرمان" الشبح الذي يتعلق به البوليساريو ليطرد لهم المغرب من الصحراء


الجزائر تشتري منتوجات من الخارج وتبيعها للأفارقة بالخسارة حتى يقال بأنها تغزو إفريقيا كالمغرب


هل يحلم حكام الجزائر والبوليساريو أن يقدم لهم المغرب صحراءه المغربية على طبق من ذهب ؟


لماذا أغلقت مفوضية الاتحاد الأوروبي الباب في وجه البوليساريو أثناء مفاوضاته مع المغرب؟


المعطي و”التشيار” الأكاديمي بالأرقام الغرائبية !!

 
الأكثر مشاهدة

التهاب السحايا أو المينانجيت.. الوقاية لتجنب الوفاة أوالإعاقة


فضيحة جنسية جديدة تهز جماعة العدل والإحسان


أقوال مأثورة.


غلام زْوَايْزُو العدل والإحسان رشيد الموتشو في بوح حقيقي


خبر عاجل: العدل والإحسان تصدر بيان مقاطعة الدستور ومقاطعة الزنا حتا هوا وحتا هيا


"العدل والإحسان "هاذي كذبة باينة


قيادة العدل والإحسان بين تجديد الوضوء وتجديد الخط السياسي


عبدة الفرج المقدس ودقَايقية العهود القديمة: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون


هؤلاء أعداؤك يا وطني :وانتظر من أركانة المزيد إن شاء الله وليس المخزن كما سيدعون


طلاق نادية ياسين:حقيقة أم إشاعة أم رجم بالغيب


هوانم دار الخلافة في نفق أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ


لن ترض عنك أمريكا حتى تتبع ملتها،وشوف تشوف


صحافة الرداءة تطلق كلابها على العدل والإحسان


كلام للوطن


في فقه الروكي وسلوك الحلاّج - 1-


فضائح أخلاقية تهز عرش الخلافة الحالمة على مشارف سلا أو السويسي


هشام و حواريوه،مقابل ولدات المغرب الاحرار


إذا اختلى عدلاوي بعدلاوية متزوجة بغيره فثالثهما المخابرات!!!

 
 

*جميع المقالات والمواضيع المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها وليس للموقع أي مسؤولية إعلامية أو أدبية أو قانونية

 شركة وصلة