نجحت إيران في تحطيم المعادلة الاقليمية التقليدية. فبدلا من أن تكون عونا للعرب في صراعهم مع العدو الصهيوني صارت تشكل مصدر خطر عليهم ولا أحد يفهم أسرار المسافة التي تفصل ما بين عداء إيران النظري لإسرائيل وبين عدائها العملي للعرب.
إيران التي تحتفل سنويا بيوم القدس ترى كما يبدو أن العرب يقفون حاجزا بينها وبين وإسرائيل. نظرية وضعها نظام الملالي موضع التنفيذ تعبيرا عن كراهيتهم للعرب في حين كانت تلك النظرية محل تردد قبل أن يستولي الخميني على السلطة.
يومها كانت إيران ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل غير أن علاقتها بالعرب لم تكن سيئة. وهو ما حفظ للشرق الأوسط الكثير من التوازنات المقبولة، بالرغم من أن العرب كانوا ينظرون بغيظ إلى ما كانوا يعتبرونه نوعا من الازدواجية في النظر إلى قضيتهم العادلة.
غير أن إيران وبالرغم من علاقتها الميتة بإسرائيل لم تكن تشعرهم بخطر توجهاتها السياسية، بل على العكس من ذلك تماما فقد كانت علاقتها بالعديد من الدول العربية حسنة ولا تخالطها الشبهات.
ما لم يتوقعه العرب أن تسوء علاقتهم بإيران التي انتقلت إلى مرحلة نصرة الفلسطينيين وإنهاء العلاقة بإسرائيل بل والدعوة إلى تحرير القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة.
وقائع العقود الثلاث تؤكد بما لا يقبل اللبس أن إيران عملت على زعزعة الامن والاستقرار في كل مكان وصلت إليه من العالم العربي من غير أن تلحق بإسرائيل أي ضرر مادي أو معنوي.
لقد كانت إسرائيل ولا تزال خارج المنطقة التي تعتبرها إيران مجالها الحيوي الذي يحق لها أن تتحرك فيه من أجل تصدير ثورتها وهو الشعار الذي جسدته من خلال نشر الفوضى وبث أسباب الفتنة ومحاولة ضرب استقرار البلدان العربية من الداخل مستغلة هيمنتها الطائفية على عدد من الجماعات الموالية لها وهي جماعات تفتقد إلى الحس الوطني في تصريف خلافاتها سواء مع الأنظمة أو المجتمعات.
وإذا ما استبعدنا عنصر الارتباط السري بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي فإن إيران من خلال استنزافها لشيء من قوة العرب قد قدمت لإسرائيل خدمة الصديق الوفي الحريص على مصالحها أكثر حتى من الدول التي تعلن عن ارتباطها الاستراتيجي بها.
فما لم تكن إسرائيل قادرة على فعله بالعرب فعلته إيران.
على مستوى الواقع فإن إسرائيل لم تتغلغل في العالم العربي ولم تقوَ على تدمير دول عربية وتحطيم أسباب الحياة فيها ولم تمكنها أجهزتها الاستخبارية المتقدمة من تمزيق مجتمعات عربية.
كل هذا فعلته إيران من موقع المباهاة والفخر.
ولأنها لا تعترف بقواعد العلاقات بين الدول فقد ذهبت كل المناشدات العربية من أجل منعها من الانزلاق إلى موقع العدو أدراج الرياح.
الانكى من ذلك أن إيران صارت تعتبر الاختراقات التي حققتها في العالم العربي من خلال أذرعها وهي التسمية الملطفة لتلك الجماعات التي تدين بالولاء لها نوعا من الانتصار في حرب مفتوحة مع العالم الخارجي.
وهو ما جرى تكريسه في العراق وسوريا من خلال قطبي العالم المتنازعين.
لقد تركت الولايات المتحدة العراق في قبضة إيران فيما صارت روسيا تتعامل مع الوجود الميليشاوي الإيراني في سوريا باعتباره جزءا من المسألة السورية.
واقع الحال يقول إن إيران أصبحت جزءا من مشكلتي البلدين اللتين لا يمكن حلهما قبل تحجيم الدور الإيراني فيهما.
أما أن تترك إيران تتمدد على هواها حاملة معها أزماتها مثل الغام فإن ذلك يستدعي موقفا عربيا حازما وموحدا هو بحجم ما يشكله المشروع الإيراني من أخطار.
"إيران هي العدو" خلاصة ينبغي على العرب أن يتعاملوا معها من غير أن يهربوا من مواجهة الحقيقة.
فاروق يوسف