أجرى شخص تم تقديمه على أنه زعيم الجماعة الأحمدية بالمغرب مقابلات صحفية، ملأها بالعديد من المغالطات، ولن ندخل في محاورة مضامين "الخرجات" التفصيلية، خصوصا وأن "الأخ" الأحمدي يعترف بأنه تبنى هذا التوجه عن طريق زوجته التي تأثرت بإحدى القنوات التلفزية. فموضوع العقائد معقد ولا يمكن تبنيه بهاته الطريقة، ناهيك أن يصبح هو متزعم الجماعة في المغرب. بما يعني أن "الأخ" الأحمدي لم يبن تحوله العقائدي على أسس معرفية.
إذا كان حقا يمثل "أقلية" بـ600 شخص، حسب ادعائه، ولكم أن تتصوروا أقلية من هذا العدد وسط أغلبية 35 مليونًا، فكان المفروض أن ينصب الحوار على مطلب حرية المعتقد، وهي قضية فيها نظر لما يتحول هذا المبدأ إلى دعوة وجماعة، لكن الخروج الإعلامي تم شحنه بمجموعة من الأفكار حول الأحمدية، من باب المفاضلة. على طول الخروج وعرضه كان "الأحمدي" يبرهن على أن طريقته هي الأنسب وهي الإسلام الحقيقي. إذن نحن أصبحنا في المفاضلة وليس الدفاع عن حق شخص، تحول عقائديا، في الوجود.
أخذ الأحمدي راحته في الحديث عن جماعته، معرفا بها وبعقائدها، وبالمسيح الموعود المهدي المنتظر، وكأننا في جلسة علماء يعرضون فيها أفكارهم وعقائدهم يدافعون عنها ويفاضلون بينها، بينما كان المفروض أن يعرف بنفسه لا بالأحمدية، ولأن القناعات التلفزية غير كافية احتمى بأقوال مؤسسي الجماعة.
جاء الخروج في حمأة الحديث عن "الأقليات الدينية في المغرب"، وهو موضوع أثير بطريقة غير بريئة، إذ يتم الترويج له في غياب تام لتحديد مفهوم الأقليات، وحتى لو سلمنا مسامحة بأن فعلا المستهدف هو أقليات، فهل يريدون الدفاع عن حقوق لأناس يعتقدون بشكل مختلف أم يريدون منح حق الدعوة لهؤلاء؟
المعتقد لا سلطة لأحد عليه ولا يمكن بتاتا التحكم فيه. لكن المطالبة بحرية المعتقد هل هي مقترنة أوتوماتيكيا بحرية الدعوة إلى هذا المعتقد؟ طبعا لا يمكن الحديث عن حرية المعتقد في غياب محددات دستورية وقانونية. لقد تم طرح حرية المعتقد أثناء الإعداد لدستور 2011، لكن تم التخلي عنه. فالمشكل ليس دستوريا بقدر ما هو اجتماعي والقوانين بالمحصلة هي تأطير لتطور المجتمع. هل يقبل المجتمع المغربي مثل هاته العقائد؟ يوم يقبلها لن يكون أمام المشرع سوى الاعتراف بها.
الأخ الأحمدي حاول أن يجد مداخيل لدعوته بالمغرب. زعم أن المهدي المنتظر، وهو من عقائد جميع المسلمين، بُعث في جماعته. وهو ادعاء سبق لجماعة العدل والإحسان أن روجت له حيث شاع بين أعضائها في وقت من الأوقات أن الإمام المهدي موجود داخل الجماعة ويأخذ حصص التربية الروحية على يد الشيخ عبد السلام ياسين. والآن لا نعرف مصيره بعد وفاة الشيخ. الجماعة لم تعد تتحدث عنه. مع العلم أن كل المذاهب حددت شروط المهدوية وتكاد تتفق عليها. وكلها لا تتوفر في الأدعياء.
المدخل الثاني، زعم فيه "زعيم الأحمدية بالمغرب" أن طريقته من أغنى الجماعات. والمال يسيل له لعاب الكثير من الناس.
أما المدخل الثالث والخطير هو الافتراء على الملك الراحل الحسن الثاني. الأخ الأحمدي قال إنه استقبل الديبلوماسي ظفر الله خان، الذي كان يدافع عن قضايا المغرب، كما استقبل البروفيسور عبد السلام، وهما من الأحمدية، ولو لم يكن يعرف أن الأحمدية على حق ما استقبلهما.
هنا نقف على مغالطة كبيرة. أي أنه ما دام الملك الراحل قد استقبل ظفر الله خان الأحمدي وأشاد به في الأمم المتحدة، فهذا مبرر لدخول الدعوة الأحمدية للمغرب. نسي صاحبنا أنه استقبل بابا الفاتيكان جون بول الثاني وخصص له لقاء جماهيريا بمركب محمد الخامس بالدارالبيضاء. فهل هذا مبرر لانطلاق التبشير المسيحي بالمغرب؟
ونسي الأخ الأحمدي، أو هو لا يعرف، أن محمد علي التسخيري، من علماء الشيعة ألقى درسا حسنيا رمضانيا، وأن الملك الراحل محمد الخامس، زار النجف الأشرف ومرقد الإمام علي، وهناك صورة تؤرخ للقائه بالمرجع الشيعي آنذاك محسن الحكيم. فهل هذا مبرر للدعوة الشيعية بالمغرب؟
لا يمكن الوقوف على كل مغالطات "الأخ" الأحمدي لأنها كثيرة، لكن رأينا أن هذه أهمها، هي الدعوة للجماعة والمفاضلة بينها وبين المذاهب الأخرى بما فيها المذهب الأشعري واعتبارها الأحسن، التي تمثل الإسلام المحمدي، وتقديم نفسه كزعيم لجماعة بالمغرب لا يعرفها أحد.